وجهة نظر
عبد الرازق توفيق
ليس هناك أعظم من العقلانية والموضوعية والتريث.. فالانفعالات والعنتريات لا تصل بنا إلى نتائج حقيقية.. لذلك علينا أن نترك الأمور لأهلها والقرارات لصناعها.. فهم أكثر دراية وإلماماً بتفاصيل الصورة.
وجهة نظر
قالوا زمان «اللى على البر عوام» و«اللى إيده فى الميه مش زى اللى إيده فى النار».. وهو ما يعنى أن من يملك القرار، يرى أكثر ممن هو خارج دائرة صنع القرار، لذلك علينا أن نتريث فى أحكامنا وانتقاداتنا ومطالبنا، حتى نعرف أكثر، ونكون أكثر إلماماً بالتفاصيل وأن يكون الأمر بين أيدينا، من معلومات وبيانات وأرقام وظروف وتحديات ومعوقات وعقبات وأسباب ربما تكون خارجة عن إرادتنا وفرضت علينا، حتى نتمكن من الحكم على الأمور بشكل أفضل وموضوعى بالإضافة إلى معرفة حجم الجهد المبذول والإجراءات المتخذة.
ليس دفاعاً عن أحد، ولكن ربما استشعار حرج ودقة اللحظة والظروف والمتغيرات التى تمر على الدولة المصرية، وتواجه مسيرتها وتنعكس على شعبها، وهنا لا أدافع عن الحكومة التى بينها وبين القيادة السياسية فارق وبون شاسع فى فرق السرعات، والفكر والرؤية.. خاصة أن القيادة دائماً تحتاج إلى فريق عمل يستوعب رؤيتها ويدرك أبعادها ويعمل بشكل مثالى على تنفيذها على أرض الواقع، كما أننى لا أنفى أو أستبعد التقصير الذى شاب أداء البعض من أعضاء الحكومة لكنها فى كل الأحوال تواجه ظروفاً وتحديات استثنائية فرضت علينا، فمن كان يتوقع هبوب عواصف جائحة كورونا وظلالها وتأثيراتها المؤلمة على العالم وفرض حالة من العزلة والانكماش والركود الاقتصادى وارتفاعات فى الأسعار واضطرابات فى سلاسل الإمداد والتوريد، وارتفاع فى أسعار الطاقة ومن كان يتوقع اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية بتداعياتها القاسية والطاحنة على دول العالم وشعوبها وما لها من نتائج اقتصادية كارثية خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية والسلع الأساسية واضطرابات فى سلاسل الإمداد والتوريد، ويكفى أن أقول إننا مثلاً فى مصر وضعنا أرقاماً فى الموازنة العامة للدولة لاستيراد البترول وإذا بها تبلغ أكثر من الضعف حتى وصل سعر برميل البترول عقب اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية إلى ما يزيد على ٠٣١ دولاراً وهو موجود فى الموازنة قبل الحرب بـ ٠٦ أو ٥٦ دولاراً، وأيضاً نحن نستورد ٠١ ملايين طن من القمح، من روسيا ٦ ملايين طن، وأوكرانيا ٤ ملايين طن، هذا ليس السعر الذى ارتفع فحسب وحدوث فارق بين ما هو موجود من أرقام فى الموازنة، وما أصبح عليه السعر بعد اندلاع الحرب ولكن الأكثر من ذلك أن الدولتين فى حالة حرب وهناك اضطرابات فى سلاسل الإمداد، وصعوبة الوصول والحصول على الكميات المطلوبة التى كانت تأتى بشكل طبيعى سواء فى الحصول عليها أو فى أسعارها.
ليس هذا فحسب، فمن كان يتوقع أن تتفجر الأوضاع فى المنطقة، ونعيش أدق فتراتها باندلاع العدوان والتصعيد العسكرى الإسرائيلى على قطاع غزة ثم الضفة ثم تعدد جبهات الاشتباك سواء من لبنان أو من اليمن أو ما يحدث فى البحر الأحمر وباب المندب، وما لهذه الأحداث والصراعات والاضطرابات من تأثيرات اقتصادية صعبة، خاصة أن الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس أعلن أن القناة ومعدلات العبور تأثرت بهذه الأحداث بنسبة ٠٤٪ خلال شهر يناير.
كل هذه الأحداث لم تكن فى الحسبان وكانت خارج أى توقعات، ولا نكاد ننتهى من «كورونا» حتى تطل علينا الحرب الروسية ـ الأوكرانية بظلالها وتأثيراتها وتداعياتها ثم اضطرابات المنطقة والشرق الأوسط والصراعات المحتدمة، وحجم الضغوط والتحديات التى تواجه مصر، وتأثيرات ذلك على الاقتصاد المصري، ورغم ذلك فإن الدولة المصرية صامدة، وتبذل جهوداً متواصلة للخروج والعبور من آثار الأزمة العالمية، وتعمل على توفير احتياجات شعبها، وحماية الفئات الأكثر احتياجاً، وتنشيط الفرص الاقتصادية الغزيرة أمام الاستثمار الأجنبى وتشجيع ودعم غير مسبوق لمشاركة القطاع الخاص، لذلك أقول إن لدينا أمرين هما أحد مظاهر الأزمة العالمية، الأول: أزمة وفجوة فى الدولار، والدولة تسابق الزمن لحل وإنهاء هذه الأزمة من خلال أكثر من آلية ورؤية، والثانى: هو انعكاس وآثار هذه الأزمة فى ارتفاع الأسعار التى تؤرق المواطن، والدولة ليست وحدها فى هذا الأمر، ولكن هناك بعض ممارسات الجشع والاحتكار والتخزين والمغالاة والفساد التى يقوم بها معدومو الضمير، فى كل الأحوال هذه الأعراض والصعوبات سوف تنتهى لا محالة ولن تنال من نجاحاتنا وإنجازاتنا وما حققنا خلال السنوات الماضية فهو كثير وعظيم والسبب الرئيسى فى صمودنا، وتعاظم فرصنا وقدرتنا المرنة فى مواجهة الأزمات العالمية.
ما أريد أن أقوله وأؤكد عليه أن الأمور لا تدار بالانفعالات والعنتريات لكن بالموضوعية والتعرف على الحقيقة على أرض الواقع وأن نترك القرار لصاحبه هو أكثر دراية واطلاعاً وإلماماً ومعرفة بالتفاصيل، يرى الصورة كاملة عن قرب، فلا تغرنا أعر اض ولكن يجب أن نلتفت للأسباب والمسببات والعوامل الأخرى التى لها تأثير كبير فى إحداث الأزمة.
مصر على مدار 50 عاما سابقةً، غابت عنها رؤية الإصلاح، وإرادة البناء والتنمية لذلك تراكمت الأزمات والمشاكل وتفاقمت المعاناة، فى كل ربوع البلاد، وجميع القطاعات والمجالات، باتت الأمور لا تحتمل التأخير أو الانتظار أو حتى وضع أولويات فكل شيء من حولنا فى حاجة إلى إصلاح وبناء وتنمية، فى شكل عمل ضخم غير مسبوق ورؤية شاملة للبناء والتنمية، وخلق فرص لهذا الوطن من أجل التقدم، فالأزمات والمعاناة أصبحت لا تطاق، وضغوط الزيادة السكانية مؤلمة، والخروج من نفق الفوضى والإرهاب وما أدى إليه من خسائر فادحة بلغت 450 مليار دولار، كل ذلك كان يستوجب ويحتم مشروعاً وعملاً هائلاً وضخماً فى كافة المجالات والقطاعات وفى جميع ربوع البلاد دون إبطاء أو تأخير أو انتظار، فلا وقت لدينا، لذلك انطلقت مصر فى ملحمة البناء والتنمية المرتكزة على إصلاح حقيقى وشامل، وحققت إنجازات ونجاحات وعوائد وثماراً غير مسبوقة، وبطبيعة الحال مع هذا العمل العملاق للبناء أن تحدث بعض الأخطاء التى ربما يرصدها البعض من وجهات نظره أو نتاج تداعيات الأزمات العالمية، هذه الأخطاء ما كانت لتتواجد أو ترصد لولا التحديات المستجدة والطارئة التى خيمت على العالم بسبب توالى الكوارث والصراعات الدولية والإقليمية من كورونا مروراً بالحرب الروسية – الأوكرانية التى مازالت قائمة ثم الأوضاع المشتعلة فى الشرق الأوسط التى زادت الأمور تعقيداً والطين بلة، من هنا مسألة النظر إلى أن لوم أفراد أقل من وطأة الأزمات العالمية وهى عوامل وأسباب ضاغطة ومؤثرة على أى رؤية أو مسيرة لأنها غير متوقعة ولم تكن فى الحسبان.
هدفى ليس مجاملة أحد، أو حتى الانحياز لهذه الحكومة التى ربما ظلمت فى الكثير من التقييمات بسبب الظروف والأزمات العالمية الطاحنة، وأنها تعمل وتبذل جهوداً استثنائية، ولكننى أفتح مؤسساً لنقاش موضوعى حول الكثير من أمورنا بشكل هادئ ومتزن مع مراعاة حجم الأزمات العالمية وما تتعرض له مصر من ضغوط وحصار وتضييق وخنق وهذا يجب أن يؤخذ فى الاعتبار.. حتى نصل إلى أن قضية التغيير من عدمه تحكمها أو يجب أن تحكمها اعتبارات موضوعية تترك لصاحب ومتخذ القرار الذى يرى تفاصيل الصورة الكاملة ولا يجب أن تدفعنا العنتريات المرتكزة على معلومات غير مكتملة أو غير موجودة فهل الأمر يتطلب تغيير الفكر أم تغيير الأشخاص وهل من سيأتى لديه الفرصة على فهم واستيعاب وقراءة والاطلاع على دولاب العمل المطلوب، أم أنه ليس لدينا وقت فى ظل ضغوط الأزمة لتضييع الوقت فى المذاكرة والاطلاع والتعرف على تفاصيل الأمور، ولما يكون تغيير الفكر بما يتواكب مع المرحلة الراهنة والأزمة العالمية الحالية هو الأساس مع وجود من هو أكثر علماً واطلاعاً ودراية ومعرفة بمكونات الصورة وأسباب الأزمة وبالتالى انتهاز الوقت فى مجابهة الأمور بإلمام شامل بالفرص والحلول التى نمتلكها، وأكرر هل نحن بحاجة إلى حكومة تأخذ وقتها فى قراءة والاطلاع والتعرف على التحديات، أم أننا نتمسك بحكومة لديها إلمام حقيقى وكامل بكافة التحديات والأزمات وسبل الخروج منها مع تغيير فى الفكر ومنحها دفعة معنوية خاصة أن لديها رصيداً وافراً من الجهود والنجاحات والانجازات خلال السنوات الماضية.
هذا ليس رأيى ولكنه مساحة من النقاش والحوار الهادئ مع بعضنا البعض وليس انحيازاً أو مصادرة لرأى آخر.. خاصة أن هناك من يرى أكثر منا جميعاً أبعاد الصورة الكاملة، ويعلم جدوى القرار وتوقيته.
الدولة رغم وطأة الأزمات العالمية وتأثيراتها الصعبة، لم ولن تترك المواطن وحيداً يواجه هذه الآثار الصعبة، وعلينا أن نراجع جداول المرتبات والمعاشات، وبنود ومخصصات الموازنة العامة للدولة لتكشف ما يحصده المواطن من أولوية واهتمام غير مسبوق، وما أعلن عنه الدكتور محمد معيط وزير المالية من توجيهات للرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن حزمة جديدة للحماية الاجتماعية وتحسين الأجور والمعاشات وزيادة حد الإعفاء الضريبى بما يؤدى إلى تخفيف المعاناة عن المواطنين فى مواجهة الآثار الصعبة للأزمة العالمية.
خلاصة الأمر، أن كل شيء محسوب وبدقة وفى توقيته، وأن صانع ومتخذ القرار أعلم بما يحقق الصالح العام والمصلحة الوطنية، ولديه كافة البيانات والمعلومات والأرقام والجهود، بما يشكل ويرسم ملامح الصورة الكاملة لذلك يجب ألا تدفعنا آثار الأزمة العارضة إلى عنتريات، ولابد أن نضع فى اعتبارنا ماهية أى تغيير وحساباته وجدواه والوقت الذى يتخذ فيه، وهل لدينا رفاهية الوقت لإتاحته لمن سيأتى للدراسة والاطلاع والإلمام، ومعايشة الواقع، والاستعداد والتحضير فى فترة الوقت فيها هو الأهم.
العمل الآن فى أجواء وظروف وتحديات استثنائية لا ذنب لأحد فيها، فلم يتوقع الجميع ما حدث فى العالم من جوائح وحروب وصراعات ألقت بظلالها وتأثيراتها الطاحنة على جميع الدول والشعوب، لكن يجب أن ننظر إلى ما يجرى ويدعونا للتفاؤل الآن خاصة فى ظل ما تمتلكه مصر من فرص ثمينة فى مجال جذب الاستثمارات وبنية تحتية عصرية ورؤية وإرادة رئاسية لتمكين القطاع الخاص، وما نجحت فيه مصر من تطوير الموانئ المصرية لتأخذ نصيبها الوافر من حجم التجارة العالمية ومجال اللوجستيات، وحصول ميناء بورسعيد على المركز العاشر عالمياً، وبانتهاء التطوير فى ميناء السخنة ليتحول إلى ميناء عالمي، بالإضافة إلى سلسلة الموانئ المصرية التى ستأخذ مكانتها بين الموانئ العالمية، وهناك أيضاً فرص كثيرة فى مجالات عديدة، لذلك أقول أعراض الأزمة سوف تزول وما تحقق سيبقى أمام الجميع، لذلك فالحكم على الأمور يجب أن يكون بنظرة موضوعية ومتجردة بعيداً عن الانفعالات.
التحديات والتهديدات التى تحيط بمصر من كل اتجاه وفى البر والبحر، وفى دول الجوار، وصراعات إقليمية ودولية، وأزمات طاحنة تخرج من رحم هذه الصراعات والحروب والاضطرابات تستدعى منا كشعب التركيز والاصطفاف، وليس إثارة الجدل وخلق صورة ربما تكون غير دقيقة، أو تشخيص خاطئ للأزمة، ومن المهم أن نترك الأمور لأهلها، وما يجب على الحكومة أن تفعله هو بناء سياق لفهم ما يحدث، وما يمر به العالم والمنطقة من تحديات وأزمات استثنائية ومستجدة وطارئة، لابد أن تتواصل بشكل أفضل لتفسير ما يحدث، ووضع رؤية العبور والخروج من خلال التعرف على ما يدور فى عقلها من تشخيص حلول ورؤي، ورسائل طمأنة للناس فربما هذا العزوف الوزارى عن الحديث للإعلام أمر غير مطلوب فى هذه الفترة، والاعتماد على بعض المتحدثين الرسميين فى بعض الوزارات التى ترتبط بمصالح وحياة المواطنين تحتاج إعادة نظر لأنه مطلوب منهم قراءة ما يدور على أرض الواقع، وتساؤلات فى عقل المواطن ليطرحوا رؤى وإجابات حولها، فالانفتاح على وسائل الإعلام بات أمراً مهماً لبناء وعى وسياق شامل للفهم الصحيح لأسباب الأزمة الحالية التى جاءت من أزمات وصراعات دولية وإقليمية.
ما يواجه الدولة المصرية فى هذه الفترة من تحديات استثنائية وتهديدات وجودية يتطلب التريث، والعقلانية، والابتعاد عن إثارة الجدل فى أمور لها أصحابها وأهلها الذين يرون من منظور أشمل وأعم، لذلك الحديث عن التغيير أمر ربما ليس شأننا كمواطنين ونخب، بقدر ما هو مرتبط بصانع وصاحب القرار، وما يجرى من تحديات وتهديدات وأزمات يجرى فيها الجهد وإعادة النظر ووضع الرؤى والأفكار والفكر والأولويات والتحرك بقوة نحو جذب الاستثمارات وتمكين القطاع الخاص.
فلسفة التغيير وتوقيته من الأمور التى لا تخضع للهوى والانفعالات والعنتريات والمطالبات فهى أمور تحتاج لدقة وموضوعية ورؤية شاملة ومراعاة التوقيت والظروف والجهد والعمل وتشخيص للتحديات والتهديدات التى فرضت علينا ولم تكن بأيدينا، فلا يجب بأى حال من الأحوال ما تحقق خلال الفترة الماضية والذى بات هو السند الحقيقى للدولة المصرية فى مواجهة تداعيات أزمات وصراعات عالمية، لذلك تشتيت الانتباه والتركيز وإثارة الجدل فى ظنى ليس توقيته، على الاطلاق، لندع الناس تعمل فى هدوء وثقة وصانع القرار يتابع كل صغيرة وكبيرة وملم بكل تفاصيل الصورة بمعلومات وثيقة وبيانات وأرقام دقيقة، لكن علينا أن نضع اعتبارات كثيرة لما يقوله البعض، خاصة فيما يتعلق بأنها تحديات فرضت علينا، وأن التوقيت ضاغط، وأن من يده وعقله وجهده فى الموضوعات والقضايا أفضل ممن سيأخذ الوقت فى اطلاع ودراسة وتعرف، وطالما أن القائم قادر بتغيير بعض الأفكار والرؤى على صنع الفارق.
ليس حجراً أو مصادرة على آراء أحد، ولكن نقاش بسيط وموضوعى نابع من قناعات بأننا يجب أن ندرك دقة اللحظة، وطبيعة الظروف والتحديات وما يواجه مصر من أوضاع دولية وإقليمية معقدة، ورغم كل ذلك فإنها تعمل بقوة فى الاتجاه المطلوب، ولا تدخر وسعاً وجهداً وفكراً من أجل عبور هذه الأزمة الضاغطة والطارئة.
تحيا مصر