بقلم – وليد محمد عبد اللطيف
ارتبط اسم “صيدنايا” بالموت أو التعذيب أو الرعب بالنسبة للسوريين بسبب مقتل أعداد كبيرة من المعتقلين داخل سجن صيدنايا الواقع بريف دمشق وأعداد كبيرة آخرون مختفون ومجهولي المصير.
بداية المقال سنتطرق لتاريخ بناء هذا التابوت الجماعي حيث انه في عام 1987 أنهت الحكومة بناءه فكان رمزا لسطوة نظام حزب البعث الحاكم، مثل كل سجون سوريا الشهيرة كسجن تدمر وسجن عدرا وسجن المزة العسكري وسجن حلب المركزي. وتتولى إدارته الشرطة العسكرية.
يقع سجن صيدنايا قرب دير صيدنايا المسيحي التاريخي على بعد نحو ثلاثين كيلومترا شمال العاصمة السورية دمشق ،و يعد سجن صيدنايا أحد أشد الأمكنة العسكرية تحصينا في البلاد على الإطلاق، ويتألف من قسمين: “السجن الأحمر”، وهو الأسوأ والأكثر قسوة، وأغلب معتقليه من السياسيين والمدنيين المتهمين بدعم “الإرهاب”، و”السجن الأبيض” وهو مخصص للعسكريين المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية.
أكثر ما يلفت في سجن صيدنايا طريقة تصميمه التي قصد منها زيادة تحصينه منعا لحدوث أي تمرد قد يقع للسجناء داخله، إذ يتكون من ثلاثة مبانٍ كبيرة (أ. ب. ج) على شكل ماركة “مرسيدس”، وتلتقي كلها في نقطة واحدة تسمى “المسدس”، هذه النقطة هي الأكثر تحصينا في السجن حيث الغرف الأرضية والسجون الانفرادية، وتوجد فيها الحراسات على مدار الساعة لمراقبة المساجين ومنعهم من مشاهدة أي ملمح من ملامح بناء السجن أو وجوه السجانين.
يتكون كل مبنى من ثلاثة طوابق في كل منها جناحان، ويضم كل جناح عشرين مهجعا جماعيا بقياس ثمانية أمتار طولا وستة أمتار عرضا تتراصّ في صف واحد بعيدة عن النوافذ، لكن تشترك كل أربع منها في نقطة تهوية واحدة.
ويحوي الطابق الأول مئة زنزانة انفرادية. هذا إضافة إلى مبنى الإدارة الملاصق لمبنى ألف وباء، يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن حوالي 30 ألف معتقل لقوا حتفهم في سجن صيدنايا تحت التعذيب، سوء المعاملة، والإعدام الجماعي منذ اندلاع الثورة السورية.
كان سائدا أن يفرز المعتقلون داخل أقسام سجن صيدنايا حسب التهم السياسية الموجهة إليهم، فكان يضم معتقلي الإخوان المسلمين من قدماء وعائدين جدد، ومعتقلي حزب التحرير الإسلامي، وحركة التوحيد الطرابلسية، كما ضم السجن معتقلين لبنانيين من عدة أطراف غير موالية لسوريا، وفلسطينيين متهمين بأن لهم علاقة جيدة مع المعارضة السورية، ومعتقلين شيوعيين ومن الأحزاب الكردية على اختلافها، إضافة إلى بعض العسكريين السوريين.
منذ غزو العراق 2003 تحولت مهمة سجن صيدنايا إلى استيعاب المتطوعين العرب العائدين من القتال في العراق (في عام 2008 كان فيه معتقلون من ثماني جنسيات عربية)، وتنظيم القاعدة وشخصيات محسوبة على تيار “السلفية الجهادية”، والتنظيمات الإسلامية الصغيرة غير المعروفة، والهاربين من أحداث نهر البارد بلبنان، والمعتقلين من مشايخ أو شخصيات أعلنت مواقف صريحة مع “الجهاد” والكفاح المسلح.
لا توجد إحصاءات دقيقة للمعتقلين في سجن صيدنايا الذين يوجد بعضهم فيه منذ الثمانينيات، لكن تقديرات منظمات حقوقية وسجناء سابقين غادروه يشير إلى أن عددهم ما بين 1200 و6000 معتقل جميعهم من الإسلاميين، حتى إن مصادر تقدر نسبة الإسلاميين فيه -على اختلاف أطيافهم- بـ98% من نزلائه
عام 2003 اعتبرت اللجنة العربية لحقوق الإنسان سجن صيدنايا “قنبلة مولوتوف حية”، لكون السلطات الأمنية اتخذت قرارا بإحالة كل المغضوب عليهم -ممن كانت تودعهم سجونا أخرى- إلى هذا السجن، فتحول إلى المثل الأسوأ لما يمكن أن يكون عليه سجن، وفاقم مأساة سجنائه حالة التعتيم التي تفرضها الدولة على ما يدور داخله ونسيان المجتمع للمعتقلين فيه.
شهد السجن عدة حوادث أمنية، كان أبرزها الاشتباك الذي حدث بين مجموعة من معتقليه وسجانيهم في مارس 2008 واستمر تسعة أشهر، ووصفت منظمات حقوقية ما ارتكبته سلطات السجن بحق المعتقلين “مجزرة تجري بصمت”.
قـُتل في هذه الحادثة، حسب تقديرات منظمتيْ العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ووثائق ويكليكيس- ما بين 60 و100 قتيل تقريبا.
بعد شهر واحد من اندلاع المظاهرات الشعبية بسوريا، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد قرارا بإلغاء حالة الطوارئ المعمول بها منذ 1962 وبالتالي حل محكمة أمن الدولة وتحول معظم السجناء السياسيين إلى سجناء مدنيين، ونتج عن ذلك أفرج عن عشرات السجناء السياسيين من سجن صيدنايا، وكان معظم هؤلاء يصنفهم النظام على أنهم “خطيرون جدا”، وغالبيتهم من تنظيمات إسلامية.
ـ فقد السجن صفته العسكرية بعد انطلاق الثورة، وتحول إلى مقر لاحتجاز آلاف المدنيين المتهمين بدعم فصائل المعارضة السورية أو “الإرهاب” بحسب الرواية الرسمية. وظل ينقل إليه -بشكل شبه يومي معتقلون بينهم نساء مع تعتيم شبه كامل على مصيرهم، يجد الأهل صعوبة بالغة في معرفة مصير أبنائهم الذين يموتون يوميا دون أن يدروا بهم، كما يمنعون من زيارتهم إلا في حالات نادرة، بينما يشكو المعتقلون من شدة التعذيب ووطأة المرض وقساوة التجويع والترويع المستمر.
فبراير 2017 دعت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقل بشأن ما يحدث في سجن صيدنايا بريف دمشق من إعدامات للمعتقلين، وذلك بعد إصدارها تقريرا يكشف عن قيام النظام بإعدام نحو 13 ألف شخص شنقا بالسجن بين عامي 2011 و2015، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً يفيد بأنه كل أسبوع يتم اقتياد من 20 إلى 50 شخصاً من زنزاناتهم من أجل شنقهم في منتصف الليل.
ـ عام 2017 أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنه قد تم بناء محرقة داخل السجن للتخلص من الجثث، أحد المعتقلين السابقين في سجن صيدنايا والذي كان قد شارك في مظاهرة سلمية معارضة لنظام الأسد أخبر منظمة العفو الدولية أنه في سجن صيدنايا كان المعتقلين يُجبرون على الاختيار بين موتهم أو قتل أحد أقاربهم أو أصدقائهم.
قال السجين السابق أيضا أنه في أول سجن اعتُقل فيه كان المعتقلون يُجبرون على أكل لحوم البشر، ورغم ذلك كان السجن بمثابة “جنة” مقارنة بسجن صيدنايا، حسب أقوال هذا السجين، كان السجن الآخر (فرع 215) “مُخصَّصٌ للاستجواب” (باستعمال التعذيب أيضاً)، ولكن بعد انتهاء الاستجواب، يتم نقلك إلى صيدنايا “لتموت”.
فقد روى ناج من هناك فظاعة ما عاش بعدما زجّ به أحد الحراس في يوم من أيام شتاء عام 2017، إلى داخل غرفة لم يرها من قبل، وبينما تفاجأ خوفا على عائلته التي مازالت في مناطق سيطرة النظام، بشيء لطالما افتقده ألا وهو “الملح” الذي تمنعه السلطات تماما عن طعام المساجين، التقى بما لا يخطر على بال.
وتجمّد الرجل رعبا عندما تعثّر بجثة نحيلة ملقاة على الملح وإلى جانبها جثتان أخريان، لتكون هذه التجربة “الأكثر رعباً” في حياته في سجن يصفه معتقلون سابقون بـ”القبر” و”معسكر الموت” و”السرطان، ووصف الرجل أن ما شاهداه جعله يتشبث بمكانه غير قادر على الحركة، خصوصا بعدما تأكد من وجود أكثر من جثّة، وقال: “كان هذا أصعب ما رأيته في صيدنايا جراء الشعور الذي عشته ظناً بأن عمري انتهى هنا، أما عن الغرفة فوصفها بأنها مستطيلة، من 6 أمتار بالعرض و7 أو 8 بالطول، أحد جدرانها من الحديد الأسود يتوسطه باب حديدي. وتقع في الطابق الأول من المبنى المعروف بالأحمر، وهو عبارة عن قسم مركزي تتفرع منه 3 أجنحة.
روى سجين آخر تجربة مشابهة في غرفة مختلفة تقع في الجناح نفسه من الطابق الأول من المبنى الأحمر، ووصف غرفة بعرض 4 أمتار وطول 5 أمتار، ولا يوجد فيها حمام، وبينما ناداه السجان لإطلاق سراحه فوجئ بطلب هذا الأخير منه الدخول إلى غرفة لم يرها سابقاً.ويقول، إن قدميه غرقتا في مادة خشنة، فتأكد أنه ملح بعمق 20 إلى 30 سنتمتراً.
وبعدما تذوّق معتصم بعض الملح المحروم منه في السجن، سرعان ما وقعت عيناه على 4 أو 5 جثث ملقاة في المكان، ويقول “شعور لا يوصف، أصعب من لحظة الاعتقال. قلت لنفسي سيعدمونني الآن ويضعونني بينهم… أنا أساساً أشبههم”.
كما أكد أن الجثث كانت تشبه المومياوات، وكأنها محنطة، وكانت عبارة عن هيكل عظمي مكسوٍ باللحم يمكن أن يتفكّك في أي لحظة؛ وهناك عدة روايات اخرى مرعبة لن يكفي هذا المقال لذكرها كلها .. اتمنى ان أكون قد عرفتكم ولو قليلا بهذا السجن المرعب.