بعد ضياع “الفرصة الأخيرة” ما هى الخيارات المتاحة أمام مصر؟
يستعرض موقع دويتش فيليه الألمانى الخيارات المتاحة أمام مصر بعد فشل مفواضات سد النهضة اليوم الثلاثاء والعودة إلى المربع صفر. فمن ناحية، تتمسك مصر والسودان بالدعوة لتوسيع الوساطة لتشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي برئاسة الاتحاد الأفريقي. ومن ناحية أخرى ترفض إثيوبيا هذه الماطلب، داعية لاختيار مراقبين حسب المسارات التفاوضية بواسطة الدول الثلاث. مما تسبب في فشل المفاوضات الحالية المنعقدة في كينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية.
وكانت الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبييا قد استأنفت المفاوضات اليومين الماضيين (الأحد والاثنين) بحضور سفير الولايات المتحدة ما يكل هامر على أمل كسر الجمود الحالي وتحقيق تقدم، لكل ذلك لم يحصل حسب بيان أصدرته الخارجية المصرية اليوم الثلاثاء (السادس من أبريل/ 2021).
وازداد ملف سد النهضة توترا، مع إعلان إثيوبيا نيتها البدء في المرحلة الثانية من ملء خزان السد في يوليو/ تموز المقبل، وهو ما تعتبره القاهرة والخرطوم تهديدا لأمنهما المائي، وتنظران إليه بأنه خطوة أحادية الجانب من أديس أبابا.
وكان مسؤولون مصريون قد وصفوا المفاوضات الحالية بأنها “الفرصة الأخيرة”، كما جاء على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري. وقبلها شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن مياه النيل “خط أحمر” و أن المساس به سيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها. وأمام هذا المعطيات يطرح التساؤل أمام الخيارات المتاحة أمام مصر والسودان للتعامل مع تداعيات أزمة سد النهضة.
الخيار الدبلوماسي والقانوني
استمرار تعثر الوصول لحل بشأن سد النهضة الإثيوبي والذي تصر مصر والسودان على أنه يشكل خطرا حقيقيا على حياة الملايين من مواطني البلدين، قد يجعل البلدين تفكران باستخدام أوراق مختلفة. بيد أن الخيار الدبلوماسي والقانوني يبقى هو الأقرب، حسب العديد من المراقبين.
فالمادة 36 من ميثاق مجلس الأمن الدولي تخول للمجلس التدخل في أي مرحلة من مراحل النزاع بين الدول وإصدار قرارات ملزمة لكل الأطراف. كما يمكن للمجلس وفق المادة 38 من ميثاقه فرض وساطة دولية أو إصدار قرار تحكيمي أيضا لتجنب أي صراع أو حرب قد تندلع بين الدول المتنازعة. ويمكن لمصر والسودان الاستناد لهاتين المادتين للضغط على إثيوبيا، حسب خبراء في القانون الدولي.
أمر أكده أيضا الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، حيث قال في حوار مع موقع مصراوي “إن خيارات مصر بعيدًا عن استخدام الآلة العسكرية، تتمثل في مجلس الأمن، وإصدار قرارات ملزمة لإعادة المفاوضات تحت مظلة دولية تمتلك أدوات الضغط على كل الأطراف”.
وإلى جانب الورقة الدولية يمكن للقاهرة والخرطوم أن تستخدما الورقة الاقتصادية للضغط على أديس أبابا. فالمعروف أن السدود التي عليها خلافات لا يجوز تمويلها من الدول والمؤسسات المالية الدولية. وهنا يمكن لمصر والسودان تفعيل هذه الورقة أمام المجتمع الدولي لتطبيق القوانين والمواثيق الدولية، حسب ما جاء في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية.
الخيار العسكري
اللهجة الحادة التي تحدث بها الرئيس السيسي على هامش زيارته لقناة السويس الأسبوع الماضي وتحذيره من أن المساس بحق مصر في مياه النيل سيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها يترك الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات ومنها خيار القوة أيضا، حصوصا أن السيسي استخدم عبارة “لا أحد بعيد عن قوتنا”.
وبالرغم من أن الرئيس المصري عاد وأكد أنه لا يهدد أحدا بتصريحاته وأن مصر متمسكة بخيار التفاوض، إلا البعض رأى في تلك التصريحات قرعا لطبول الحرب ضد أثيوبيا وتهديدا بالخيار العسكري.
التحركات العسكرية السودانية المصرية الأخيرة أيضا قد تحمل في طياتها أكثر من رسالة بخصوص استعداد البلدين لأي خطوة محتملة، فأمس الإثنين (الخامس من أبريل/ نيسان) بحث رئيس أركان الجيش المصري محمد فريد، مع نظيره السوداني محمد عثمان الحسين، “التحديات والتهديدات العسكرية والأمنية التي تواجه البلدين”. وفق ما جاء في بيان الجيش المصري، على هامش اختتام مناورات جوية باسم “نسور النيل2” والتي بدأت 31 مارس/آذار الماضي في السودان.
وأفاد البيان بـ “انعقاد لقاء ثنائي بين رئيسي أركان الجيش المصري ونظيره السوداني، لتناول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، والتحديات والتهديدات العسكرية والأمنية والتزامات وبرامج التعاون العسكري خلال الفترة المقبلة”.
وهناك خبراء يعتقدون أن الرئيس السيسي خلال تصريحاته الشديدة اللهجة حول أزمة سد النهضة أراد أن يوجه رسالة واضحة لأمريكا وأوروبا ومبعوثيهما بأنه لن يتردد في اللجوء للحل العسكري. ويدلل هؤلاء بأن السيسي بات في وضع أفضل بعد التفاهمات في ليبيا، وكذلك التقارب مع تركيا.
لكن وبالنظر للوضع الحالي في منطقة القرن الإفريقي المليئة حاليا بالصراعات والتوترات فلا يبدو أن العالم في الوقت الحالي مؤهل للتساهل مع نشوب صراع مسلح في المنطقة، مما قد يزيد من فرص الخيار التفاوضي رغم تعثرها.
ودخلت الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في مفاوضات شاقة طوال 9 سنوات فشلت خلالها في الوصول لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد. فبينما تعتبر أثيوبيا السد ضروريا لتحقيق التنمية الاقتصادية، تعتبره مصر والسودان تهديدا حيويا لها، إذ تحصل الأولى على 90٪من مياه الري والشرب من نهر النيل.