الطب الرقمي.. مستقبل قطاع «العلاج عن بعد» باستثمارات تبلغ المليارات
العالم بعد جائحة كورونا ليس هو العالم قبل الجائحة، ويبدو هذا واضحا جليا في شتى الميادين وفي كافة الدول شرقا وغربا، وبالذات مع التحول الرقمي المتسارع الذي طال شتى القطاعات الاقتصادية حول العالم، فمن التعليم عن بُعد إلى التجارة الإلكترونية إلى قطاع النقل وصولا إلى القطاع الصحي الذي يتحول بشكل متسارع نحو الرقمنة.
وفي الحقيقة فإن القطاع الصحي هو أكثر القطاعات تأثرا بالجائحة، وأشدها تحولا نحو الرقمنة مع انتشار مفاهيم الطب الرقمي والصيدليات الإلكترونية، والتطبيقات الطبية، والعلاج عن بعد وغيرها الكثير من التحولات التي لم تكن منتشرة قبل الجائحة، خصوصا إذا عرفنا أن القطاع الطبي كان أقل القطاعات اهتماما بالتحول الرقمي قبل وصول «كوفيد-19»، حيث ذكرت مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية (The Economist) في تقرير سابق لها أن حوالي 70% من المستشفيات الأميركية كانت ترسل سجلات المرضى عبر الفاكس قبل كورونا.
أما الآن، وبعد الدمار الواسع الذي خلّفته الجائحة فإن أجزاء كبرى من سوق الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية الذي تبلغ قيمته 3.6 تريليونات دولار تتجه بشكل متسارع نحو التحول الرقمي، وينطبق الأمر ذاته على أوروبا وآسيا ومعظم دول العالم، كما ذكرت المجلة.
وحسب تقديرات لمعهد ماكنزي العالمي (McKinsey Global Institute)، فإن عائدات الصحة الرقمية العالمية، سترتفع من 350 مليار دولار المسجلة خلال السنة الماضية إلى 600 مليار بحلول عام 2024.
ولا شك في أن «العلاج عن بُعد» (telemedicine) أو «التطبب عن بعد» كما يطلق عليه آخرون، كان بطل قطاع التكنولوجيا الصحية أثناء جائحة كورونا، مما أتاح للمرضى القدرة على تلقي الاستشارات والعلاجات من أطبائهم دون الحاجة إلى مواعيد شخصية، أو تكبد عناء السفر، أو الذهاب للعيادة أو المستشفى مع ما في ذلك من مخاطر، وبالذات أثناء الحجر الصحي الذي طال شتى أنحاء العالم.
وتصدر قطاع «العلاج عن بُعد» الميدان باستثمارات وصلت إلى 14.8 مليار دولار عام 2020 حسب ما ذكر تقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة «ميركوم كابيتال غروب» (Mercom Capital Group).
وذكر التقرير أن الاستثمارات في مجال العلاج أو التطبب عن بعد ارتفعت بنسبة 139% خلال الجائحة. كما زاد الإقبال أيضا على الاستثمار في ميدان التطبيقات الطبية وتحليل البيانات وغيرها من المجالات ذات العلاقة المباشرة بالطب عن بعد.
وتم تصنيف ميدان العلاج عن بعد على أنه أحد أكثر التقنيات الطبية فعالية من حيث توفير التكلفة في قطاع الرعاية الصحية العالمي، حيث من المتوقع أن يوفر 21 مليار دولار على مستوى العالم بحلول عام 2025، وهو ما يمثل معدل نمو يزيد على 80%.
ويتضمن هذا المفهوم استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات الرقمية مثل أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والحوسبة السحابية للوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وإدارتها.
وقد تكون تقنيات يتم استخدامها من المنزل أو يستخدمها الأطباء لتحسين خدمات الرعاية الصحية أو دعمها، وتحتوي هذه الخدمات على الاستشارات والوصفات الطبية ومراقبة المرضى، وتحميل سجلات الأغذية والأدوية، والجرعات ومستويات سكر الدم ليراجعها طبيب أو ممرض يمكن التواصل معه إلكترونيا أو من خلال روبوتات المحادثة، وغيرها الكثير من خدمات الرعاية الصحية التي توفرها التكنولوجيا الحديثة.
وحدد التقرير أن خدمة الاستشارات الطبية عن بُعد ستكون الخدمة الرئيسية التي ستمكن من تحقيق هذه الوفورات الكبيرة، مشيرا إلى أنه تم إجراء 280 مليون استشارة طبية في العالم عام 2019 قبل الجائحة، ولكن هذا الرقم ارتفع إلى 348 مليون استشارة عام 2020 بعد الجائحة.
ومع ذلك أشار التقرير إلى أن هذا التطور الكبير سيكون مقصورا على دول العالم الأول في أوروبا وأميركا الشمالية بسبب توفر البنية التحتية التقنية فيها، وعدم وجودها بالشكل الكافي في دول العالم الثالث، وهو ما ينبغي العمل عليه في المستقبل.
وتوقع التقرير أن تكون أنشطة مطوري خدمات الرعاية الصحية من الأطراف الثالثة حاسمة في تسريع نشر خدمات العلاج عن بعد الناشئة، وزيادة القدرة الاستيعابية بين مقدمي الرعاية الصحية في العالم.
ومع ذلك فإن التحدي الأكبر الذي يواجه نمو هذا القطاع يكمن في عدم وجود قوانين وتشريعات كافية قادرة على حماية مقدمي الخدمة بما فيها حماية البيانات والمعلومات المتداولة المتعلقة بالمرضى، وبالذات لدى مؤسسات خدمات الرعاية الصحية الصغيرة مثل المراكز الصحية الخاصة وغيرها.
وأوصى التقرير بضرورة تطوير التشريعات الحالية ووضع قوانين جديدة قادرة على توفير الحماية المطلوبة لجميع الجهات العاملة في هذا القطاع الحيوي.
(مواقع إلكترونية)