مريم عرجون تكتب : الخامس من جويلية مراسم لنقطة سوداء
بقلم الكاتية الجزائرية – مريم عرجون
مواسم الفرح كبيرة في كل شيء هي نشوة حضور الحلم المبهرج من عالم آخر وأحياناً هي رحلة مراسم لنقطة سوداء مظلمة هدرت الكرامة وصادرت الإرادة واِستباحت الإنسان والعرض والأرض فاِزدادت جرعة الاِنتماء للوطن ، وبكامل عنفوان الرجولة لعظماء صنعوا التاريخ إنه الحرف الثائر لا يرحم كتب وسيكتب عن حبل النزاهة والمصداقية لأبناء الأم الرؤوم الذين ضمتهم بين جنباتها فبقيت الملاذ الآمن الذي تأوي إليهم أرواحهم عبر التاريخ ، هذا التاريخ الذي يعيش فينا بروح جديدة في كل تقارب زمني أبدي و من أرشيف وهج الماضي ووسط اكتظاظ الكون نخطف ذكرى قيد الإقامة الجبرية بين إحياء عيد شهداء وعيد اِستقلال، ذكرى تتجلى في إعادة شحن الهمة لحمل لواء الوطن ومواصلة إرساء أركان الديمقراطية وحماية المنظومة السامية ورفع اِسم الجزائر عاليا على درب المجد والفخار بأسرب شهداء الجزائر النموذج العربي الأصيل، سرقوا الصحوة، رسموا الدرب، ووهبوا غفوة، استفاق بعدها دَوِيّ الغاضبين، عادوا إلي الصِراط مهرولين بروح الصمود دون وجل، الفرسان المثقلين بالأحلام المقصوفة، أهلوا على الوطن بالتراب المبلل بالدمع، اِستيقظوا بطوابير يتدفقون سيلا بدمائهم ،فضحكت الجزائر العبوس، قهقهت وتمرغت في رمال ساحلها، تصدح ضحكاتها لتصنع تاريخها، تردد الصدى في أفاق السماء، تعانقت حينها الصواعق، وهدهدت نفوسهم، نفضت الغبار المالح عن وجوههم الكالحة، وسلمت كل واحد منهم بندقية ووردة وقبلة، أسود لملمت أخبار الموت وتهيأت لحب آخر قبل القصف لشهادة وقِبلة ،راقبوا خطى الهَلاَكَ بين قصف وصوت يلم الكون في حضن من الجزع والدمار، و بيقين جاهدوا وسط أوجاعهم ليمزقوا ذلك الكائن الشوكي الأسود واستخرجوا الآهات من الحناجر ، فلم يدينوا بالعدم واجهوا الموت غاضبًا مًبًاغثًا ليهتفوا للعلم والوطن بكرم وسخاء وفي محيطهم الضيق الواهن المشحون بالألم اِلتقطوا نفايات الاِستعمار الذي راح يلهث فوق المشهد الواقعي و دونوا تاريخ الجزائر خلف أكتافهم لنضال شعب رفضوا حدوداً يرسمها الاِحتلال مرقصا يباع فيه عرض وطن طاهر الإزار ، زحفوا من أعالي الجبال رمزُ الإباءِ، بَارَوا الشهادة لهفةً لجنة الرحمان ،زلزال ساحق في التاريخ لإرهاصات و مخاضةٌ وطنيةٌ أيقظت قلباً للثوار نابضاً أشعل ثورة الأحرار شطرت الكون بعاصفة كسوف فصارا رمادا أحمرا روى الأرض بدم زكي لشهداء الجزائر المتخثر بفائض القوة والأبدية الهوجاء والثقة الزائدة بالخلود، أسود قلبوا موازين قوى العالم في كسر أسطورة فرنسا، معجزة المقاييس العسكري الدبلوماسي الباسل ، زُمْرَة من الترف الفكري للرجال بواسل الذين لم يخرجوا من باب الملَةّ مذمومين ولم يخرجوا من الباب الخلفي للوطن، لديهم من علو الهمة فخرجوا من مخاض أم عذراء لا تلد إلا الحياة عروس الحب و زينة الحضارات النافِرة مزجت بها جنات العبير المنثور فأنجبت أنبياء كصرخة الرعد نبضت عروقهم أُنَفَة وعزا ،نزفوا نبيذا على ثرى وطن تحول الدم لرجل ثائر لا يأبى الانصياع حين تلطخ رداءه بالطين تارة وتارة أخرى بالدم فلم يتحمل الرجس وطرح عنه قذارته واِرتدى الأبيض المتجدد لما أقام الجزائر، رجال لم يخذلوا تاريخ أمة سحقوا الموت سحقاً هَطّال بإعصار من مارج من نار ، وكانت السماء والأرض شهود لفرسان كَسَاهم الرَّبُ دِيبَاجَ رَوْنَقٍ حين سُرِّجَت خيولهم بالعزة والكرامة وعبق أرضها فَرضَ ضَريبةَ نُسِجَتْ بدماء مليون ونصف المليون شهيد الذي يتغنَّى تاج من محيا الرب زبرجد أخضرا ساح بنفسجا على رأس عروس الحب و المدائن، كَوكبٌ ذُرِيٌ بحُسْنِهِ الأَخَاذْ تَمَرَدَ على مَواسِمَ القِطَافِ فصار جَنَةَ الفِردوس ،اهتزت الارض لهم عشقا وبُورِكَت فيها الرَواسِيَ فَأهلت سَاجِدة تحت أقدامهم حينها تعانقت قمم الجبال وأسندت السماء بعلم باسِق بالأخضر والأبيض ونجمة وهلال بأيادي مرفوعة بالنصر التي أنشدت مجدها حين اِسترجعت زَعَامَة سيدة البَحْرَ الشَّامِيَّ ، عروس الساحل مهدًا وقرارًا عزيزة على رب كون يأبى إلا أن يرفع لها البنود، فما أجمل عنادك أيها الوطن الذي قرر أن لا يموت حينها دندن له الصوت المدوي في كل بقاء الأرض حي على الحرية وحي على السلام.
ونحن شواهد العصر حملنا أمانة الدم والروح ثناءً لثورة الجزائر البيضاء الغَانِيَة فأي فصاحة لسان لا تكفي لشُمُول حب الجزائر