أفغانستان وقناة السويس: بعد زمنىّ وجغرافىّ وتقارب فى المضمون

أكد توم توجندهات، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، أن الانسحاب الغربي من أفغانستان، والتي كانت المملكة المتحدة على رأس القوى الغازية لها إلى جانب الولايات المتحدة، يمثل “الفشل الأكبر” لبلاده منذ فشل المملكة فى السيطرة على قناة السويس المصرية.
وقالت شارلوت ليديا رايلي، المؤرخة لبريطانيا المعاصرة في جامعة ساوثهامبتون، بمقال لصحيفة “الجارديان” البريطانية، إن القياس على فشل بريطانيا في احتلال منطقة القناة بمصر والسيطرة على المعبر المائي عام 1956، أصبح كثير الاستخدام بعد فوضى كابول.
لكنها أشارت إلى هذا المقياس (اعتبار أزمة عام 1956 مقياسا لفشل السياسة الخارجية البريطانية) بات كثير الاستخدام خلال العقود التالية للواقعة نفسها، حيث يرى كثيرون فى فشل العدوان الثلاثي على مصر “إذلال وطني كارثي” لبريطانيا.
وتقول رايلي إنه “كانت هناك إشارات إلى السويس في هانسارد (سجلات البرلمان البريطاني) خلال أواخر الستينيات حول تورط بريطانيا في حرب بيافرا، وكذلك بعد غزو الأرجنتين جزر فوكلاند؛ وانفجرت هذه الإشارات بعد قرار غزو العراق عام 2003”.
تعكس هذه الإشارات مخاوف السياسيين البريطانيين من تكرار “إخفاق السويس” مجددا، ووفقا لرايلي وتمت الإشارة إليه عند انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعلى لسان رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، الذي قال في عام 2018 إن عدم وجود صفقة خروج مواتية هو “فشل في إدارة الدولة البريطانية على نطاق لم يسبق له مثيل منذ أزمة قناة السويس”.
حتى عندما أُجبر جونسون على فرض إغلاق ثان بسبب الوباء في أكتوبر الماضي، قال أحد النواب المحافظين إن “هذا الفشل قد يكون بمثابة قناة السويس الخاصة به”.
وأكدت المؤرخة الإنجليزية أزمة قناة السويس أنه “عندما تآمرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لغزو مصر بعد أن قام زعيمها جمال عبد الناصر بتأميم القناة التي كانت مملوكة لمساهمين بريطانيين وفرنسيين. اعترضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بشدة على الغزو، لذلك، ورغم الانتصار العسكري، كانت الدول المعتدية موضع إدانة دولية وهزيمة سياسية”.
وتضيف أن أزمة السويس تقلق الدولة البريطانية بشدة لأنها أصبحت “اختصاراً تاريخياً للانحدار البريطاني بعد الحرب العالمية”، وهناك فهم شائع بأن السويس كانت نقطة التحول في القوة البريطانية.
وتشرح المؤرخة ذلك بالقول إن المملكة المتحدة تحولت بعد الانتصار على ألمانيا في عام 1945، من إمبراطورية يبلغ عدد سكانها 800 مليون نسمة، ولديها مقعد في الناتو والأمم المتحدة، إلى وزير للولايات المتحدة وفقدت إمبراطوريتها ولم تجد دورا جديدا تلعبه.
لذلك تعتبر أزمة السويس محطة رئيسية في انهيار الإمبراطورية البريطانية، حيث كانت القناة جزءا مهما من البنية التحتية الإمبراطورية، إذ كانت تسمح بالعبور من بريطانيا إلى الهند دون الإبحار عبر رأس الرجاء الصالح.
وتقول المؤرخة، بحسب “سبوتنيك”: “اضطرت الأمة إلى الاختيار بين إمبراطوريتها وعلاقتها بالولايات المتحدة، وحاولت اختيار الأولى، لكن تم تذكيرها بالقوة بأن الولايات المتحدة تحمل جميع الأوراق، حيث هددت أمريكا، بقيادة الرئيس أيزنهاور، بتدمير الاقتصاد البريطاني من خلال بيع سندات الإسترليني التي تحتفظ بها”.