هافانا: متلازمة غامضة تصيب المسئولين الأمريكيين
كشفت المخابرات المركزية الأمريكية عن إصابة عضو في فريق العمل الخاص بمدير الوكالة بيل بيرنز، بأعراض مرضية غريبة خلال زيارته إلى الهند هذا الشهر.
ومن الغريب أن الأعراض التي ظهرت على المسئول الأمريكي والتي لا يعرف سببها بشكل قطعي إلى الآن، تكرر ظهورها في السنوات الخمس الماضية على مسؤولين آخرين، وتعرف باسم “متلازمة هافانا”.
ولقد ظهرت هذه الأعراض أولاً على الدبلوماسين الأمريكيين في كوبا عام 2016، ثم توالت بؤر الانتشار لاحقاً لتشمل بلدان من بينها الصين وفيتنام وألمانيا، كما طالت مسؤولين كنديين، لتبدو بذلك ظاهرة أكثر عالمية.
ومن المثير للدهشة أن هذا المرض يبدو وكأنه أكثر استهدافاً للأمريكيين، حيث يعانى عدد متزايد من الدبلوماسيين وغيرهم من الموظفين الحكوميين، ومعظمهم من المقيمين في الخارج، من مجموعة من الأعراض الغريبة والمنهكة.
وأدة ذلك إلى إجراء سلسلة من التحقيقات الحكومية والعلمية في ما وصفه بعض المسئولين بالحوادث الصحية الشاذة، لكن أشار آخرون إلى وقوع هجمات متعمدة وغامضة تستهدف كبار المسئولين.
وتتمثل متلازمو “هافانا” فى سلسلة من الأعراض الصحية غير المبررة – حتى الآن – والتي عانى منها لأول مرة موظفو وزارة الخارجية الأمريكية المتمركزون في كوبا ابتداءً من أواخر عام 2016.
وكان الدبلوماسيون قد وصلوا إلى كوبا في الأساس ضمن خطة التقارب بين البلدين التي بدأها الرئيس الأسبق باراك أوباما، بعد عقود من القطيعة الدبلوماسية بينهما، لكن أدى ظهور المرض على الأراضي الكوبية إلى زيادة توتر تلك العلاقات.
ومنذ الإعلان عن الحالات الأولية، عانى الدبلوماسيون وضباط المخابرات المتمركزون في جميع أنحاء العالم من أعراض مماثلة.
وأبلغ المصابون عن مجموعة من الأعراض التي شملت الدوخة والصداع والتعب والغثيان والقلق والصعوبات المعرفية وفقدان الذاكرة بدرجات متفاوتة الشدة، وفي بعض الحالات، اضطر الدبلوماسيون وضباط المخابرات لترك الخدمة الفعلية بسبب مضاعفات الحالة.
جدير بالذكر أن الحالات الأولى ظهرت بين الأمريكيين والكنديين في كوبا أواخر العام 2016. وبعد ذلك، سجلت وزارة الخارجية الأمريكية حالات في الصين عام 2018، مما تسبب فى إجلاء موظفين أمريكيين وعائلاتهم من مدينة قوانغتشو.
ووفقا للتقارير، تأثر دبلوماسيون ورجال استخبارات في روسيا وبولندا وجورجيا وتايوان، بل وربما يكون عدد من المسئولين الأمريكيين المتمركزين في واشنطن قد تأثروا أيضاً، بما في ذلك أحد المسئولين الذي ورد أنه أصيب بالقرب من البيت الأبيض.
وفى 24 أغسطس الماضي، أرجأت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس رحلة مقررة من سنغافورة إلى فيتنام مؤقتاً بعدما أبلغت وزارة الخارجية مكتبها باكتشاف “حادثة صحية شاذة محتملة” في هانوي، وهو مصطلح استخدمه المسؤولون الأمريكيون للتعبير عن متلازمة هافانا، لكن بعد تقييم للخارجية، تقرر مواصلة الرحلة.
في الشهر نفسه، تم رصد حالتين على الأقل مصابتين بالأعراض نفسها بين المسئولين الأمريكيين المتواجدين في ألمانيا.
وفى أوروبا فتحت وزارة الخارجية والحكومة النمساوية تحقيقاً في حالات محتملة ظهرت في فيينا في الأشهر القليلة الماضية، فيما استعانت وكالة المخابرات المركزية بمحارب قديم لرئاسة فريق العمل الخاص بها للنظر في الأمر.
وصرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة في 22 يوليو بأنه “قد تكون هناك بضع مئات من الحوادث المشابهة في جميع أنحاء الحكومة الأمريكية وفي جميع أنحاء العالم. لقد تأثر زملائي وضباطي وأفراد أسرتي”.
وشك المحققون فى بداية الأمر فى أن المتلازمة كانت نتيجة هجوم بسلاح صوتي، ومع ذلك، افترض تحليل شامل أجرته لجنة علمية أمريكية، في ديسمبر أن التعرض لنوع من الطاقة الموجهة كان السبب الأكثر ترجيحا.
حددت اللجنة – التي كلفت من قبل وزارة الخارجية ونظمتها الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب – “طاقة التردد اللاسلكي النبضي الموجه (RF)” على أنها السبب الأكثر ترجيحاً للأعراض.
وخلص تقييم طبي مختلف في عام 2018 بالمثل إلى أن التعرض للموجات القصيرة “ميكروويف”، وهي نوع من طاقة التردد اللاسلكي، كان السبب الأكثر احتمالاً لهذه المتلازمة، فيما وجد فحص أجرته جامعة بنسلفانيا لأدمغة 40 شخصا مصاباً بالمتلازمة بعض الأدلة على تلف في الدماغ.
وكتبت صحيفة “نيويوركر”، في مايو أن إحدى النظريات العملية للمحققين هي أن وكالة استخبارات أجنبية كانت توجه أجهزة الموجات القصيرة على المسئولين الأمريكيين بهدف جمع البيانات من أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة الخاصة بهم.
في البداية ألقى الرئيس السابق دونالد ترمب باللوم علناً على كوبا في الموجة الأولى من الحوادث، وهو اتهام نفته هافانا.
أدى ظهور حالات في جميع أنحاء العالم بعد ذلك إلى تجديد الاهتمام داخل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بهذه القضية وشكلت كل من وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية فرق عمل داخلية للتحقيق.
قالت رئاسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ إنها تخطط للتحقيق في الأمر وتخصيص الموارد لحماية الضحايا. وأقر المجلس بالإجماع الشهر الماضي مشروع قانون بعنوان مساعدة الضحايا الأمريكيين المتضررين من الهجمات العصبية (هافانا).
ومن وقت لآخر، وجهت الصحافة الأمريكية اتهامات لموسكو بتنظيم “هجمات صوتية” على مسؤولين أمريكيين، ووصفت وزارة الخارجية الروسية هذه الاتهامات بأنها “عبثية وتلميحات غريبة”.
وفي وقت سابق، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، إن روسيا ربما تكون متورطة في هذه الأحداث التي لا يمكن تفسيرها والتي تؤدي إلى تدهور صحة الدبلوماسيين الأمريكيين، لكن نقص البيانات يمنع التوصل إلى أي استنتاجات محددة.
ومع ذلك، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”، الشهر الماضي، عن مسؤول أمريكي مطّلع، قوله إن خبراء يحققون فى الظاهرة الغريبة، ولم يجدوا أي دليل لاتهام روسيا.
ورغم هذا قال الخبراء إن السيناريو الأكثر احتمالاً هو استخدام موجات كهرومغناطيسية قصيرة لاستهداف مباني حكومية وسكنية، في إطار عمل استخباري أو ربما محاولة متعمدة للإضرار بالمسئولين الأمريكيين بطرق غير مرئية ويصعب فهمها.
من جانبها علقت وزارة الخارجية الروسية على التقارير التي ألمحت إلى تورط موسكو في انتشار “متلازمة هافانا” بين موظفي البعثات الدبلوماسية الأمريكية، بالقول إنها “مزيفة ومن محرضات رهاب الروس” وبمثابة اختلاق يتجاوز الفطرة السليمة، بحسب وكالة “سبوتنيك”.