مقالات

سوء الخُلق وخطره على العقيدة الإسلامية والمجتمع

بقلم د. وائل فؤاد – مدرس الأدب والنقد بجامعة الأزهر :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال ابن زيد : دين عظيم . تفسير الطبري .
وقال النبي “صلى الله عليه وسلم” في الحديث الذي رواه الإمام مالك في موطئه : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) . فكان حُسن الخُلق من أهداف بعثته “صلى الله عليه وسلم” التي منها إصلاح الأرض ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده, وترك الشرك, وإلى عمارة الأرض بهذا الدين.
وفي المقابل حذر الدين الإسلامي أشد التحذير من سوء الخلق، مبينا خطره على المسلم في الدنيا والآخرة؛ لأن سوء الخُلق من الآفات التي لا يكاد يسلم منها حتى بعض الدعاة إلى الله، فضلاً عن غيرهم من المسلمين .
إن سوء الخلق والعياذ بالله مناقض ومعارض لدعوة الرسول “صلى الله عليه وسلم” ولحياته، ولهذا يدل سوء الخلق على قلة التوفيق -والعياذ بالله- وعلى الخذلان لمن يكون سيئا, وبعض الناس لا يدري ما هو سوء الخلق! تراه يظن أنه من أحسن الناس أخلاقا وهو من أسوئهم أخلاقا؛ نظرا لعدم وضوح القضية في ذهنه, يرى نفسه بمنظار الجمال والحسن والاستقامة والخُلق، ولا يحكم على نفسه بنظرة غيره.
أنت لا تقيم نفسك! الذي يقيمك هو غيرك؛ لأن الإنسان كالجمل لا يرى عوجة رقبته؛ لأن رأسه وعيونه ترى الذي أمامه لكن لا يستطيع أن يلف رأسه ويرى عوجة رقبته التي هي أعوج رقبة في الدنيا, وكذلك بعض الناس مثل البعير لا يرى عيوب نفسه وعوجة رقبته, من الذي يراك؟ غيرك, ولهذا الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة المحمدية شاهدة على الأمم، فقال: “لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ” [البقرة:143] .
وفي الصحيح يقول الرسول “صلى الله عليه وسلم” وقد مرّ عليه بجنازة فأثنى الناس عليها خيراً فقال: (وجبت، ثم مرّ عليه بجنازة أخرى فأثنى الناس عليها شرا، قال: وجبت، فتعجب الصحابة، قالوا: يا رسول الله! ما وجبت؟!
الأول ذكره الناس بخير وأثنوا عليه بالخير فقلت: وجبت، والثاني ذكره الناس بشر وأثنوا عليه بشر فقلت: وجبت -يعني: الاثنين سواء؟- قال: الأول أثني عليه خيرا فقلت: وجبت أي: الجنة, والثاني أثني عليه شرا فقلت: وجبت أي: النار, لماذا؟ قال: أنتم شهداء الله على خلقه), وأنت لا تنتزع الشهادة من الناس بالقوة أو بالإغراء أو بالمال، تنتزعها بالخلق،
ولهذا يقول “عليه الصلاة والسلام”: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم) هل تستطيع أن تعطي كل الناس مالاً من أجل الثناء عليك؟ لا. لا تقدر ولو كنت من كنت, لكن تستطيع أن توزع على العالم كله خلقاً؛ لأنه لا يكلف, كونك تبتسم في وجه أخيك المسلم, وتعوده وتكرمه؛ تكون صادقاً وتكون وفياً وتكون براً وتكون تقياً وتكون حليماً وتكون شجاعا، وتكون صاحب مروءة، وصاحب نخوة وشجاعة، وصاحب أخلاق بمجموعها المعروفة, هذا تقدر عليه وبالتالي تفرض عليهم احترامك, ولا يجدون مدخلاً عليك ولا يستطيعون أن يسبوك أو يلوموك، لماذا؟ لأنك إنسان فاضل ذو خلق, حتى عدوك لو سئل عنك لقال: نعم. لا أقول فيه شيئا ؛ لأنه لو قال فيك شيئا لقال الناس: كذاب, فهو لا يريد أن يُكذَّب .
٤يوهذه قصة لأبي حنيفة والرجل السئ الخلق :
فيروى أنه ذات يوم من الأيام، شتم رجلٌ أبا حنيفة ، وهو في درسه وأكثر ، فلما التفت إليه ، ولا قطع كلامه، ونهى أصحابه عن مخاطبته ، فلما فرغ وقام ، تبعه الرجل إلى الباب داره .
تصرف أبي حنيفة بالعقل والحلم :
فقام على بابه ، وقال للرجل : هذه داري ، إن كان معك شئ فأتمه ، حتى لا يبقى في نفسك شيء ، فاستحا الرجل من أبي حنيفة ، وانصرف مخذولاً.
الأطيبان والأخبثان :
ويحكى أيضًا عن لقمان الحكيم أمره سيده بذبح شاة وأن يأتيه بأخبث ما فيها ، فذبحها وأتاه بقلبها ولسانها ، ثم أعطاه شاه أخرى وأمره بذبحها ، وأن يأتيه بأطيب ما فيها ، فذبحها وأتى بقلبها ولسانها .
القلب واللسان الأطيبان والخبيثان :
فسأله عن ذلك ، فقال : يا سيدي لا أخبث منهما ، إذا خبثا ، ولا أطيب منهما إذا طابا .
كذلك هذه قصة لعلاج سوء الخلق بالعقل والحلم :
روى كان هناك صاحب مزرعة ، وكان رجلاً طيبًا تقيًا صالحًا ، وعنده غلام للحراسة ذو أخلاق شرسة ، يغضب من أقل كلمة ، ويحتد ويقذف أفظع الشتائم .
صاحب المزرعة وتقويم الغلام بالنصح والإرشاد :
فكان صاحب المزرعة ينصح له بالابتعاد عن هذه الخصلة الذميمة ، ويحثه مرارا على أن يقمع غضبه ، ويضبط نفسه ، ويحفظ لسانه ، من ذكر قبيح القول ، فكان يجيبه : هذا مستحيل عليّ ، لأني أرى نفسي مصاب بداء سوء الخلق ، وجُبلت على معاكسة الإنسان والحيوان .
علاج سوء الخلق بالعقل والحلم :
فلما أراد صاحب المزرعة معالجة أخلاق هذا الغلام الشرير ، قال له : أصغ إليّ أيها الغلام ، وانظر إلى هذه القطعة الجميلة الفضية الجديدة ، والتي تساوي خمسة فرنكات ، فإني على استعداد تام أن أهبك إياها ، في هذا المساء إن صبرت طول النهار ، دون أن تتفوه بكلمة قبيحة ، وكظمت غيظك .
فقبل الغلام هذا الشرط برضا وفرح شديدين ، إلا أن رجال القرية ، وكانوا يكرهونه لسوء خلقه وسوء معاملته ، واتفقوا فيما بينهم على حرمانه من هذه المكافأة ، وقد أفرغوا مجهودهم في معاكسة الغلام لاستفزازه وتهييج غيظه ، ولكن الغلام ضبط نفسه جيدًا ، ولم ينطق بكلمة تدل على سوء أدبه .
فلما جاء المساء ، دفع له صاحب المزرعة الريال الذي وعده به ، وقال له : يلزمك يا بني أن تستحي خجلاً ، لأنك لم تستطيع أن تتغلب على أميالك العصبية ، إلا لأجل هذه القطعة الفضية ، وإنك عاجز عن قبول النصيحة الذهبية حبًا في الله ، وعملاً بأوامره ، فأثر هذا القول في الغلام ، فاجتهد في إصلاح خلقه السيئ ، وتجنب خطيئة الغضب والحدة ، وأصبح لطيف الطبع حسن الخلق .
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدى قلوبنا ويدخل إليها نور الهدى والإيمان ويهدينا للصراط المستقيم ويردنا إليه ردا جميلاً إنه ولى على ذلك والقادر عليه .

زر الذهاب إلى الأعلى