مقالات

( يا بني اركب معنا طريق النجاة هاهنا )

دكتور/ وائل فؤاد إسماعيل عبداللطيف- مدرس الأدب والنقد بجامعة الأزهر .

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أما بعد :
فقال عزَّ وجلَّ في سورة النساء: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:104].
إن أصل الشجاعة أَنْ تعرف أن الحقَّ: حقَّ الله, وحقَّ الأُمَّة, وحقوق المواطنين, وحقَّك الشخصي؛ فتُوطِّن نفسك على أن تكون صادق العزم في إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه بالعدل والإنصاف .
وفي الأية السابقة نجد أن الله تعالى أوصى المسلمين بأن يكونوا أهل الشجاعة في مواقف الدفاع عن الحقِّ ما داموا يرجون لهذا الحقِّ العزة والاستعلاء .
والشجاعة غذاءٌ من أغذية الأُمَّة في طور التحرير، لا يتهاون به إلَّا صغار النفوس, والذين يستعذبون موارد العبودية, وإن لم تفرض عليهم .
وإنَّ المسلم الذي يعلم أنَّه لم يكن مسلما إلَّا بشهادة الحق؛ لا إله إلا الله- يُوَطِّن نفسه على ألَّا يشهد إلَّا بالحقِّ، ولو على نفسه وعلى والديه في كلِّ المواقف, متمثلًا دائمًا في ذهنه أمر الله عزَّ وجلَّ للمسلمين {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة:283].
والمسلمون لن يعودوا كإخوانهم الذين حملوا لواء الحقِّ، ونشروا قانونه في الأرض إلَّا إذا تضلَّعوا من معين الحقِّ، وارتووا من موارد الخير, فأصبحوا يُعرفون بين الأُمم بأنَّهم أُمَّة الحقِّ والخير .
وحينئذٍ يكون منهم الجيش الغالب الظافر الذي يقتحم كلَّ عقبة تحول بينه وبين الحقِّ, ويجتاز كلَّ مَخاضة تمنعه من الوصول إلى أهداف الخير .
وكما ينبغي أن يُجهَّز الجيش بالدبابات، والمدافع الضخمة، والطائرات النفَّاثة، والقنابل الذرية- فإنَّ كلَّ هذه المعدات لا تنفعه إن لم يُسْتَمدَّ جنوده وضباطه من أُمَّة تربَّت على الصدق, وآمنت بالحقِّ, ووطَّنت نفسها على محبة الخير .
بل إنَّ تجهيز الأُمَّة بسجية الصدق, وتربيتها على الإيمان بالحقِّ، وعلى الإيمان بالخير- هو الذي ييسِّر لها الأسلحة من كلِّ نوع, والأنصار من كلِّ أُمَّة, وهو الذي يملأ بالهيبة والحرمة لها قلوب الأُمَم جميعًا .
لماذا لا تصدع بقول كلمة الحق؟!!
إنه الخوف!! الخوف ممّ؟! الأسباب عديدة: الخوف على لقمة العيش! … الخوف على ترقية موعود بها أو ينتظر حدوثها! … الخوف على الحياة! … الخوف على الحرمان من الحصول على علاوة مادية!! وبذلك أصبح النفاق هو الذي يسود أغلب أرجاء المجتمع الآن. لا تجد من يصدع بكلمة الحق، فغرق جزء كبير من المجتمع في مستنقع من الكذب والوهم. وليتك تسكت فقط عن قول الحق!! بل إنك تزين الباطل في عيون من يفعله. وهكذا يصبح المرتشي مؤديا لعمله بإخلاص!! ويصبح السارق بطلا!! … إلى غير ذلك من النماذج المشوهة التي أصبحت تملأ حياتنا، لتشكل هياكل الطموحات التي يتطلع بعض الناس للوصول إليها!!!
فحينما يهم المرء بقول كلمة الحق تتصاعد إليه عدة جمل: ” وأنا مالي؟ ” … ” هوه أنا مصلح الكون؟ ” … ” اسكت دي الحيطان لها ودان!! ” … ” خليني ماشي جنب الحيط!! ” … وغيرها من مثبطات عمل الخير .
فإذا ما شجعه شخص على التجرؤ لكي يقول الحق لرئيسه وأصابه مكروه، يتخذه الناس عبرة، ويقولون: أوعى تعمل زي فلان، ده حصل له كذا وكذا … ّ!!!
ولكن ما هو الضرر أن يصيبك مكروه بسبب قول الحق؟!! إن التخلص من النفاق وقول الحق هو طريق المجتمع نحو التقدم. إن من أعظم المبادئ التي يقوم عليها الإسلام مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ذلك أن تفشي المظالم والمنكرات من أعظم المفاسد التي تؤدي لتدمير المجتمع .
لقد خاض المسلمون الأوائل حربا ضروسا في سبيل إعلاء كلمة الحق من عقيدة التوحيد أمام صناديد قوى الشرك والكفر القائمة في ذلك الوقت، ثم أمام أعظم إمبراطوريات التاريخ: فارس والروم، فاستطاع أن يغزوها ويزيلها لأن الصدام كان بين عقيدة حق وباطل .
وحينما تخلى المسلمون عن عقيدتهم وغرقوا في ملذاتهم وشهواتهم، وتمسكوا بالباطل، في الوقت الذي أصبح لأعدائهم عقيدة – ولو باطلة – انتصرت العقيدة الباطلة. فإذا رجع المسلمون إلى عقيدتهم سينتصرون .

زر الذهاب إلى الأعلى