سامي صبري يكتب : الإصلاح السياسى الذى يريده الشعب
بقلم الكاتب الصحفي سامى صبرى
تحدثت عن أسباب ومبررات دعوة الرئيس السيسى القوى الوطنية لإجراء حوار سياسى شامل، وتناولت مواصفات البيت السياسى الجديد الذى بادر النظام بطرح أساساته وقواعده للنقاش، قبل البدء فى تأسيسه وإنشائه، كى يتسع البيت لجميع القوى الوطنية المصرية التى تريد مشاركة حقيقية فى بناء دولة مصرية مدنية ديمقراطية حديثة.
< وقبل أن أتحدث اليوم عن الدور المنتظر من الأحزاب، سأتوقف عند ضمانات نجاح الحوار، وهى أن يكون لكافة أطرافه أجندة معينة بمحاور محددة، يتم مناقشتها والخروج منها بتوصيات وقرارات يتفق عليها الجميع، حتى لا نجد أنفسنا أمام مكلمة وحوار بيزنطى، يمسك فيه كل طرف بالميكروفون، وجل غايته أن يقول أنا هنا فاستمعوا لى.
< ولذا فمن المهم جدا أن تدخل الدولة بأجندة ورؤية جادة تطرح للنقاش، وفى المقابل تكون هناك أجندة أخرى موحدة من كافة التيارات الوطنية، يتم طرح مطالبها دون أى مزايدة أو انتهازية، وأحلام خيالية عريضة، تبدو فيها المعارضة الوطنية مثل جائع يحلم بسوق للعيش.
< وإذا كان الرئيس قد أسند الحوار لفريق أو إدارة المؤتمر الوطنى للشباب، فهذا لا يعنى عدم اعترافه بأهمية الأحزاب، وإنما لتحقيق عنصر الحيادية فى الحوار، وحتى لا تتأثر جلسات النقاش بأى مؤثرات تعيق الهدف الأساسى من الحوار، وهو إقامة بيت سياسى وطنى جديد.
< وتاريخيا، مرت الحياة السياسية الحزبية بمنعطفات ومراحل مختلفة، منذ تكوينها فى بداية تسعينيات القرن العشرين مرورا بثورة 1919، وما بعدها من تعددية قضت عليها ثورة 1952، بتنظيم سياسى واحد (الاتحاد الاشتراكى) استمر حتى دخلت مصر مرحلة التعددية المقيدة بصدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير بتعددية حزبية ورقية، لم تمكنها الظروف السياسية والأمنية من تحقيق أهدافها، ثم يعود الحراك للحياة الحزبية مجددا فى أعقاب ثورة يونيو، ويبقى هذا الحراك رهين بعض القيود، إلى أن يقرر الرئيس السيسى فك هذه القيود بإصلاح سياسى شامل طرحه أولا للنقاش.
< فهل تستطيع الأحزاب تقديم «ميثاق وطنى جديد» يواكب الجمهورية الجديدة، يحدد الأولويات السياسية، ويجسد الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمصريين؟.. أعتقد ان ظهور تحالف 40 حزبا من بين أكثر من مائة حزب لا يعلم المصريون عنها شيئا، يعد خطوة جيدة تكشف رغبة تلك الأحزاب فى فعل شيء، حتى ولو كان معظمها خارج البرلمان.
< مطلوب من الأحزاب صياغة وإعداد شكل سياسى جديد، يضع فى الحسبان أن مصر لن تعود مرة أخرى للفترة الشمولية، ونظام الحزب الواحد المحتكر للسلطة، وأن مصر لن تعود ثانية لحكم جماعة بعينها او شلة فاسدة أو تيار يتخذ من الدين ستارا لتحقيق مآربه، وأن مصر لن تسمح ابدا بأى معارضة ممولة تبث سمومها من الخارج بهدف ضرب الوطن وتفكيك مفاصله ومؤسساته.
< ولنا فى تاريخ الحوارات السياسية فى مصر تجارب مثمرة ومفيدة، من بينها حوار الستينيات الذى انتهى إلى ميثاق وطنى أقر بتوجه الدولة نحو الاشتراكية فى الداخل والقومية العربية فى الخارج، ثم حوار السبعينيات الذى انتهى بتعددية حزبية منقوصة انتهت بهيمنة حزب واحد فرض سطوته، بحجة أنه حزب الأغلبية (حتى ولو كانت مزيفة)، حتى قامت ثورة 25 يناير 2011، وفقدت مصر لأول مرة شكلها السياسى بفعل الفوضى الخلاقة وصراع النخبة وأطماع ما يسمى بـ(الإسلام السياسى)، وغيرها من إرهاصات قدمت لثورة 30 يونيو 2013 التى استردت الدولة المختطفة من براثن الإخوان، وبدأت أولى مراحل الإصلاح السياسى، بدستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية وتشريعات جديدة، لممارسة العمل السياسى بضوابط فرضتها ظروف ما تعرضت له الدولة آنذاك من إرهاب وانهيار اقتصادى.
< أتمنى من الأحزاب أن تضع أيدلوجياتها وخلافاتها الداخلية جانبا، وأن تطهر نفسها ذاتيا من كل ما يعيق سعيها للمشاركة فى السلطة وتداولها، وان تكون مطالبها ترجمة واقعية لنبض شعب كافح وناضل وضحى بالكثير والكثير وحان له اليوم أن يحلم بنظام سياسى يحقق أحلامه وطموحاته بديمقراطية حقيقية.
< إن الأحزاب اليوم فى اختبار صعب، لتحقيق التوازن السياسى، بعقد اجتماعى جديد بين المواطن والدولة، يراعى المتغيرات والتحديات المحلية والإقليمية والدولية، فإما أن تثبت الأحزاب قوتها وقدرتها على المشاركة فى السلطة، واتخاذ القرار الذى يخدم الشعب ويحقق مصالحه، وإما أن تعود مرة أخرى إلى «دكاكينها» ولا تلوم النظام ولا تبكى على اللبن المسكوب.
Samysabry19@gmail.com