مقالات

د. أمانى ويصا تكتب: العنف الذي يجتاحنا

انتشر في المجتمع المصري مؤخرا ظواهر مجتمعية جديدة لم يعتادها المصريون من قبل. ظواهر في اغلبها مزعج وعنيف بل احيانا مروع ويتنافي مع الطباع الأصيلة للمصريين. فكم من مرة يستيقظ المجتمع علي اخبار انتحار مواطن في ريعان الشباب، أو حادث قتل يتم بأسلوب شديد العنف والشراسة، وغيرها من الجرائم التي تهز وجدان الناس وتثير هلعهم مما يدفع اي انسان الي التفكير في الأسباب التي ادت الي هذه الظواهر الشاذة والمستحدثة في مجتمعنا.


كان من الاولي بعلماء المجتمع الانتباه الي هذه الظواهر الخطيرة ودراسة أسبابها وكيفية معالجتها، ولكن بما ان هذا لم يحدث فدعونا نحاول أن نصل لأسباب انتشار هذا العنف الدموي الذي يصدمنا يوما بعد يوم.


يدعي البعض ان اهم اسباب هذه الظاهرة هو الفن ولكن للانصاف لا استطيع ان ألوم الفن تماما لان الفن ما هو إلا مرآة وانعكاس لما يحدث في المجتمع. صحيح ان اختيار المواضيع ذات التأثيرات السلبية هو مسئولية الفنان ولكن ايضا لا استطيع ان اقول ان الفن هو المسئول الاول عن هذا العنف المستشري في المجتمع لان هذا هو من باب تسطيح الأمور لان هناك امور اكثر تأثيرا واهمية.

فمنذ عده أعوام ومع ظهور داعش وانتشار فيديوهات مصورة لقتل ضحاياهم بصورة متوحشة لا آدمية أدركت اننا مقبلين علي جيل سيكون متبلد الحس والمشاعر، جيل تعودت عيونه علي العنف والدماء والشراسة، جيل شب علي مشاهد الذبح والنحر واشلاء الجثث؛ حتي مشاهد قتل الإرهابيين والفيديوهات التي تبث لاشلاء جثثهم محترقة ومشوهة لعبت دورا كبيرا في اماتة مشاعر الناس وتبلد عواطفهم فكانت النتيجة مانراه الآن.


لو تكلمنا مثلا عن حادث نحر فتاة المنصورة للاحظنا ان عمر القاتل لا يتجاوز ال ٢٢ عاما اي ان وعيه تشكل في الفترة ما بين ٢٠١١ و٢٠٢٠ وهي الفترة الاكثر دموية في عمر مصر والتي صدمنا فيها بمشاهد القتل والدم ونمنا وصحونا علي أصوات الانفجارات والقتل الممنهج لجماعات إرهابية نغصت حياة المصريين.

أضف الي هذا خطاب ديني يحرض علي المرأة ويحط من شأنها ويجعلها في منزلة الجواري والإماء مما كرس تلك النظرة في عقل القاتل وجعله يظن ان من حقه امتلاك اي فتاه بل وإنهاء حياتها اذا رفضته.

ثم نأتي الي اسلوب تنفيذ الحكم الذي أصدره هذا الموتور في عقله، لقد اختار ما شب يراه في الانترنت ووسائل الاعلام من ذبح ونحر الاعناق فقام بفعلته الشنيعة بدم بارد وحس متبلد. وجدير بالذكر هنا ان اعترض تماما علي تنفيذ حكم الإعدام علانية لانه حتي لو اثر في البداية علي المشاهدين فإن تكراره سيصبح بلا اي تأثير بل ربما يزيد من حالة تبلد الحس هذه.


عامل ثالث لعب دورا خطيرا في انتشار هذه الظواهر الا وهو انشغال الآباء عن تربية ومتابعة اولادهم. فالوالدين ارهقهم مطالب الاولاد المادية فصاروا يعيشون في دائرة طاحنة من العمل ثم العمل فالعمل من أجل توفير مصدر رزق يكفي متطلبات الحياة مما جعل قدرتهم علي تربية وتعليم ومتابعة اولادهم والأفكار التي يعتنقوها والأفكار التي تدور بعقولهم دربا من المستحيل. ولا استطيع ان الوم عليهم ابدا في ذلك.


الخلاصة ان الوضع الذي صرنا عليه يحتاج فعلا الي دراسة عميقة وحثيثة وضرورية من جانب علماء الاجتماع لان تجاهلها سيؤدي الي تفاقمها وربما استحداث ظواهر اخري اكثر خطورة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى