مش عايزين نتجوز
بقلم د. أمانى ويصا
انتشر في العقدين السابقين وتحديدا من نهايات ٢٠١٠ ظاهرة هي – ضمن ظواهر اخري عدة – غريبة علي المجتمع المصري لا تتسق مع عاداته وتقاليده الراسخة عبر قرون من الزمان الا وهي ظاهرة العزوف عن الزواج.
فالمصريين يؤمنون دائما بقيمة الأسرة ويعتبرونها نواة المجتمع التي إذا صلح حالها صلحت أحوال المجتمع.
والسؤال الآن لماذا يعزف الشباب عن الزواج؟ الحقيقة ان المصريين في القري والمناطق الريفية وكذلك الطبقات الأكثر احتياجا في المجتمع لم تتأثر كثيرا بهذا الفكر بينما نجد ان الطبقة المتوسطة العليا والطبقة الاكثر ثراء هي الأكثر انتهاجا لفكرة العزوف عن الزواج.
ببعض التأمل والانتباه لاحوال المجتمع نستطيع ان نقول ان هناك اسباب عدة ادت الي هذا الوضع منها اسباب اجتماعية وهي الاكثر تأثيرا ومنها اسباب اقتصادية وهي الاقل تأثيرا. وحتي لا يتشعب بنا الامر دعونا نستعرض هذه الأسباب سويا في نقاط محددة.
كل سلوك في حياة الانسان يبدأ دائما من مرحلة الطفولة والبلوغ، لذا فإن دور الوالدين يلعب دورا كبيرا في في تشكيل شخصية الأطفال والتي تحكم فيما بعد وجهة نظرهم في الحياة وبالتالي سلوكهم.
في الماضي كان الوالدين بمجرد ان يبلغ الابن والابنة سن الإدراك يوكلون إليهم بعض المهام من أمور الحياة فتبدأ الفتاة في معاونة امها في أعمال المنزل بينما يشرع الصبي في القيام بمهام اخري هو الآخر. كان ذلك يساعد الأطفال في فهم مبدأ مهم في الحياة وهو انك كإنسان عليك ان تتحمل جزء من المسئولية في الحياة تزداد كلما تقدمت في السن حتي تصير مسئول عن أسرة كاملة.
اختفي هذا الامر تماما في نسق التربية الحديثة وأصبح الاب والام يتفانون حتي لا يرهقوا اولادهم باي مسئولية عدا استذكار دروسهم مهما كانت هذه المسئولية بسيطة. كرس هذا السلوك فكرة الأنانية وحب الذات وتقديس الحرية الشخصية والنفور من فكرة تحمل المسئولية عموما.
تأتي قوانين الأحوال الشخصية أيضا بما تحملة من انعدام الإنصاف لكل من المرأة والرجل في آن واحد عاملا هاما ايضا في تشجيع هذا الاتجاه لدي الشباب من الجنسين.
فكلاهما يخشي من التبعات التي قد تنتج لو لا قدر الله فشلت الزيجة. ولا نغفل ابدا تأثير وسائل التواصل الاجتماعي علي فكر الشباب حيث انفتحوا علي افكار اخري مختلفة غيرت في اتجاهاتهم السلوكية، كما أنها ايضا جعلت الطبقات الاجتماعية المختلفة تنفتح بعضها علي بعض مما زاد من تطلعات الشباب الي الطبقات الأعلي والرغبة في اتباع نفس أنماط الحياة التي يرونها.
من الأسباب الخطيرة ايضا ارتفاع تكاليف الزواج بسبب الميل الي السلوكيات المظهرية. فمن صعوبة الحصول علي مكان للإقامة سواء بالشراء او الإيجار التي أصبحت بأرقام فلكية اضافة الي مظاهر البذخ في مصاريف الزواج (شبكة، مهر، جهاز، فرح الخ) ناهيك عن قضية القائمة؛ كل ذلك جعل الزواج تجربة يتردد الشباب كثيرا قبل الإقدام عليها.
الحلول بسيطة وممكن تبدأ من كلمة التغيير. تغيير اسلوب تربية الأبناء، تغيير مفاهيم الإنفاق والاقلال من مظاهر السفه والبذخ التي هجرها الناس في العالم أجمع، تغيير قوانين الأحوال الشخصية بما يحقق العدالة لجميع الأطراف ويضع مصلحة الأطفال في المقام الأول، اتخاذ بعض الإجراءات من جانب الدولة لتسهيل الحصول علي شقق مناسبة للشباب ليتمكنوا من بدء حياتهم دون أعباء تثقل كاهل الأسرة فترة طويلة بعد الزواج.