أخبار مصرالواجهة الرئيسية

مفتى الجمهورية : المحتكر منعدم الضمير وآثم إذا قصد حجب السلع عن الناس إضرارًا بهم

ال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم: إن قضية التكافل والتراحم الاجتماعى متفرعة من قاعدة عليا جليلة فى الإسلام وقيمة ورمزية عالية فى الإنسانية ألا وهى قيمة الرحمة؛ فهى مفردة متغلغلة فى السلوك الإنساني، وأصل من الأصول العامة الضابطة لحركة الناس؛ لكونها منبعًا كريمًا ينتج لدى الإنسان اللِّين والعطاء والعطف بما يثمر فى إشاعة السعادة وحب الخير للغير؛ فروح الإنسانية ونقاء شخصية الإنسان وصدق تدينه لن يعود إلا بالتمسك بمنظومة القيم وعلى رأسها قيمة “الرحمة”، فبها تنبعث سمات الحب والعدل والمساواة والتعاون والتكامل والسلم والاستقرار والصدق والتآخي.

وأضاف فى تصريحات له، أن هناك نصوصًا كثيرة تحث على التراحم والتكافل، وهى من الكثرة بحيث يصعب حصرها، حيث يصف ربنا نفسه بالرحمة ابتداءً، وعليه يبتدئ المسلم عمله صغيرًا كان أو كبيرًا بـ “باسم الله الرحمن الرحيم”، وكل عمل الإنسان يجب أن يكون مشتقًّا من الرحمة ليثمر التراحم، حيث: «الراحمون يرحمهم الرحمن»، وهذا التعبير الرائع يصلح عنوانًا لكل إنسان مسلم، بحيث يجب أن تكون حياته رحمة وتراحمًا مع غيره، والرحمة تشمل عدم ظلم الإنسان لغيره من الناس كما يفعل بعض التجار وقت الأزمات من احتكار السلع من أجل تحقيق زيادات سعرية غير مشروعة أو غير قانونية.

ولفت فضيلة مفتى الجمهورية النظر إلى أنه عندما غابت مظاهر هذه القيمة الجليلة عن الشخصية الإنسانية وعن تعاملاتها وعلاقاتها بالآخرين، وجدنا انتشار القطيعة، واتساع المنازعات وقسوة القلوب، وظلم الآخرين، واحتقارهم وهضم حقوقهم، واستلاب أموالهم دون حق مشروع، وهو طريق متعدد الصور فقد يكون بالسرقة، أو بالاحتيال، أو بالاحتكار، أو بالمخادعة والغش، ومن المعلوم أن الإنسان الرحيم لا يمارس مثل هذه الممارسات السيئة التى فيها انحراف عن الحق نتيجة فَقْد الرحمة، مما أدى إلى قسوة قلب فاعل ذلك فلا يبالى بفعلته بآلام غيره.

وشدد فضيلة المفتى على أنه لا خلاف بين الفقهاء فى أن الاحتكار حرامٌ فى الأقوات؛ لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وغيره من الأدلة، فالمحتكر منعدم الضمير وآثم إذا قصد حجب السلع عن أيدى الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتها؛ وبهذا يحصل المحتكرون على الأرباح الباهظة دون منافسة تجارية عادلة، وهو من أشدِّ أبواب التضييق والضرر، والسلع التى يجرى فيها الاحتكار هى كل ما يقع على الناس الضرر بحبسها، ولا مانع من اتِّخاذ الدولة لإجراءات تمنع الاحتكار.

وعن حكم التسعير وتعارض أدلة التسعير وعدم التسعير قال فضيلته: كل دليل تكلم عن موطن مختلف، ولكن إذا لم تتم مصلحة الناس إلا بالتسعير: سعَّر عليهم ولى الأمر تسعيرًا لا ظلم فيه كما فعل عمر بن الخطاب فى زمانه، أمَّا إذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه فإنه حينئذٍ لا يفعله؛ لأنه خلاف الأصل. أما امتناعه صلى الله عليه وسلم من التسعير فهو من تصرفاته بمقتضى الإمامة والسياسة الشرعية؛ حيث راعى النبى عليه الصلاة والسلام المصلحةَ التى كانت تدعو إليها تلك الظروف حينئذٍ، حيث كانت المنافسة وقتها منافسة شريفة.

وناشد فضيلة مفتى الجمهورية المصريين بالاستمرار على أعمال الخير والتوسع فى هذا العمل الخيرى العظيم، وألا نقتصر على معرفة الملزم والواجب فقط فيما يخص الصدقات والزكاة، وخاصة تجاه ذوى القربى، بل نقدم الفضل والإيثار، وكذلك ناشد التجار بضرورة الكسب الحلال وتحرى الصدق والأمانة وتفعيل وترسيخ قيمة المراقبة، وهى قيمة عظيمة فى الشريعة الإسلامية؛ حيث إنها أساس تربية الضمير، وإرساء قواعد التعامل مع النفس ومع الآخر ومع الله، وذلك من خلال المكاشفة التى تحافظ على اتساق الإنسان مع نفسه؛ فإذا ما التزم كل واحد منا بهذه القيمة العظيمة فى نفسه أولًا ومع غيره ثانيًا فضلًا عن علاقته بربه يصبح عامل بناء فى مجتمع يحاول أن تكون نفوس أبنائه سوية، وعلاقاتهم صحيحة، بعدها يبدأ بناء الحضارة والرقى والازدهار وإفشاء السلام والأمان فى المجتمعات.

زر الذهاب إلى الأعلى