نجاح منقطع النظير: مشاركات وحلول لإنقاذ الكوكب
إن الزخم الذى قدمته مصر للعالم على مدار أسبوعين تقريبًا، منذ انطلاق قمة المناخ، يؤكد عظمة هذا البلد الذى سعى جاهدًا ليكون جسرًا للتواصل يعبر عليه العالم بطرفيه ـ الدول الفقيرة والدول الغنية ـ
فى محاولة لإنقاذ كوكب الأرض من تداعيات التغيرات المناخية التى يحدق خطرها بالجميع دون استثناء.
وعلى الرغم من تحديات التضخم والحرب، كانت الدولة المصرية قادرة على إدارة قمة ذات أهداف ومردود واضح، تتجلى ثماره فى حقائب تمويل ستحصل عليه الدول الفقيرة لإدارة التكيف مع التغيرات المناخية،
والخروج إلى براح الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة وتوسعة القدرات الذاتية.
«نوفى» يستقبل 14 مليار دولار
وقد أكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أهمية دور المؤسسات المالية الدولية فى توفير التمويل منخفض التكلفة وبشروط ميسرة للاقتصادات الناشئة، بما يسهم فى التكيف مع تداعيات التغير المناخى والتحول التدريجى إلى الاقتصاد الأخضر
القائم على استخدام موارد طاقة نظيفة مثل الهيدروجين الأخضر الذى يمثل فرصة كبيرة لتصبح مصر رائدة فى مجال إنتاجه.
وأشار الوزير معيط، إلى أن الحكومة تبنت عدة مبادرات للتحول الأخضر وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من أهمها مبادرة “نُوفى” التى شهدت تمويلات بنحو 14 مليار دولار
من خلال توقيع عدة اتفاقيات على هامش فعاليات “يوم التمويل” لتوفير التمويل المناسب من عدة جهات لتحقيق استدامة الأمن الغذائى والتحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة وتطوير قطاع المياه.
مصر تطرح «حلول من الطبيعة»
إلى جانب ذلك، استطاعت القيادة المصرية لقمة المناخ أن تدمج موضوعات حيوية، كنا عهدنا مناقشتها بشكل منفصل ومبتور فى القمم السابقة، مثل قضايا التغيرات المناخية والتنوع البيولوجى والاقتصاد، وقد أثبت المبادرة التى أدارتها مصر بعنوان “حلول من الطبيعة”، وهو ما أشارت إليه وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، التى أكدت أن العالم اعتاد العمل على تلك القضايا بشكل منفصل، ولكن مصر جعلت المناقشة واحدة، لأن الكوكب لم يعد يتحمل ما يحدث، موضحة أن ما فعلته مصر سابقة فى هذا المجال.
وكشفت الوزيرة عن تفاصيل مبادرة حلول من الطبيعة، موضحة أن لهذه المبادرة ميزات هامة فى ملف البيئة، حيث أطلقت مصر مبادرة “حلول من الطبيعة”، لإظهار الصلة بين التنوع البيولوجى والتغير المناخى.
وبشكل واضح، بدأت ثمار الإدارة المصرية لقمة المناخ على صفحات أهم المواقع والصحف العالمية، لتؤكد أن ثمة حلول واضحة طرحتها “كوب 27” خلال قمة المناخ.
«سى إن إن»: عودة محادثات المناخ بين الصين وأمريكا
لعل واحدة من أبرز ثمار قمة المناخ المقامة على أرض مصر “كوب 27″، هى عودة الحوار المناخى بين الصين وأمريكا، أكبر دولتين يتحملان المسؤولية عن التغيرات المناخية على كوكب الأرض، فالبلدين وحدهما مسؤولتان عن 40% من الانبعاثات العالمية.
وعلى أرض شرم الشيخ فى مصر، أعلن المبعوث الأمريكى لقضايا المناخ، جون كيرى، استئناف المباحثات التى توقفت لزمن طويل بين أمريكا والصين حول التغيرات المناخية، وهو ما وصفته “سى إن إن” بأنه علامة مبكرة على نتائج ملموسة لقمة المناخ المنعقدة فى مصر واجتماع بين الرئيس الأمريكى جو بايدن ونظيره الصينى شى جين بينج فى بالى.
وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية أن “البلدين سيعملان بشكل مشترك لإنجاح المؤتمر السابع والعشرين للأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ”.
والتقى كيرى وشى على هامش مؤتمر الأطراف السابع والعشرين فى شرم الشيخ هذا الأسبوع والماضى، لكن التبادلات كانت غير رسمية وليست جزءًا من محادثات المناخ الرسمية. وقال كيرى، الأسبوع الماضى، إن أمله فى قدومه إلى مصر هو استئناف المحادثة الرسمية.
وقال كيرى: “نأمل أنه فى غضون فترة زمنية قصيرة، سيكون من الممكن لنا أن نجتمع معًا مرة أخرى على أكمل وجه ونقوم بالأشياء التى نحتاج إلى القيام بها باعتبارنا أكبر مصدرين للانبعاثات فى العالم وكأكبر اقتصادين فى العالم”.
216 مليار دولار تعويضات
وبحسب “سى إن إن” أيضًا، فقد جاءت لحظة أمل لوقف الخسائر والأضرار التى تتسبب فيها التغيرات المناخية على أرض مصر، عندما أعلنت ألمانيا عن مبادرة “جلوبال شيلد” المصممة لمساعدة البلدان الضعيفة على التعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن أزمة المناخ.
وبحسب الشبكة الأمريكية، ستكون البلدان التى اجتاحتها الفيضانات مثل باكستان وبنجلاديش والفلبين من بين البلدان التى ستستفيد منها عندما يبدأ البرنامج فى دفع التمويل فى أوائل العام المقبل، إذ تلقت المؤسسة ارتباطات إجمالية تبلغ حوالى 216 مليون دولار.
وأشارت إلى أن الأموال المخصصة للمبادرة كانت كبيرة نسبيًا، لكنها لا تزال باهتة مقارنة بالدمار الذى عانت منه هذه البلدان، إذ قدر البنك الدولى الشهر الماضى، أن باكستان ستحتاج إلى “16.3 مليار دولار على الأقل” لإعادة الإعمار بعد الفيضانات المميتة هذا الصيف.
رويترز: كوب 27 صوت الدول الفقيرة
وعلى أرض مصر ارتفع صوت الدول الفقيرة، لتطالب الأغنياء بحقهم فى الحياة ومواجهة التغيرات المناخية التى لم يخلفها سوى أغنياء هذا الكوكب، ففى تقرير لها، ركزت وكالة “رويترز” الإخبارية على صوت الدول النامية التى ارتفع مطالبًا بتعويضات عما أصاب بلدانهم من تداعيات خطيرة بسبب التغيرات المناخية،
ودعا وزراء الدول النامية من خلال “كوب 27″، إلى إنشاء صندوق لمساعدة بلدانهم على التعامل مع الأضرار التى لا يمكن إصلاحها بسبب الكوارث المناخية، وحذروا من أن أى شىء أقل من ذلك، من شأنه أن يحبط اجتماعات قمة الأمم المتحدة، فرص النجاح.
وكان تصميم المحادثات قائمًا على “الخسائر والأضرار”، ليتم إدراجها على جدول الأعمال للمرة الأولى منذ 3 عقود، لتحث الدول الثرية على تحرك سريع.
ومن مصر، قال مولوين جوزيف، وزير البيئة فى أنتيجوا وباربودا: “أى شىء أقل من إنشاء صندوق للخسائر والأضرار فى مؤتمر الأطراف، سيكون خيانة للأشخاص الذين يعملون بجد لحماية البيئة”.
وقال سفير باكستان فى كوريا الجنوبية، نبيل منير، إن الصبر بدأ ينفد حيث تحاول الدول النامية إقناع الدول الغنية لعقود من الزمن بدفع تعويضات الأضرار المناخية الناجمة عن انبعاثاتها.
رويترز: مصر مفتاح النجاح لقمة الطبيعة
وأكدت “رويترز” أن محادثات المناخ فى كوب 27 هى مفتاح النجاح فى قمة الطبيعة التى تعقدها الأمم المتحدة الشهر المقبل، موضحة أن وزراء البيئة المجتمعين فى مصر بدأوا فى توجيه أنظارهم إلى اجتماع آخر عالى المخاطر من أجل الطبيعة يعقد الشهر المقبل، مشددة على ضرورة السيطرة على ظاهرة الاحتباس الحرارى.
وقال ديفيد كوبر، نائب رئيس اتفاقية التنوع البيولوجى التابعة للأمم المتحدة، إن “تغير المناخ هو أحد المحركات الرئيسية لفقدان التنوع البيولوجى”.
كوب 27 تحرك القضية على مائدة العشرين
وبحسب التقرير الذى نشرته ” يورو نيوز”، فإن الزخم الذى حققته “كوب 27” المقامة على أرض مصر، كان قادرًا على تحريك المياه الراكدة حول هذه القضية فى قمة العشرين التى أقيمت فى نفس الأثناء فى بالى الإندونيسية، ليؤكد قادة العشرين على 5 نصائح رئيسية للتأكيد على هدف المناخ 1.5 درجة مئوية.
وتتمثل أهمية ذلك فى كون مجموعة العشرين تمثل 75%من الإنبعاثات فى العالم كله، ويمكن أن يعزز بيان المجموعة فى تعزيز مفاوضات المناخ، وهو ما حدث بالفعل باستئناف المفاوضات بين الصين وأمريكا.
رئيس البرازيل يتعهد بحماية الأمازون
كذلك، عادت البرازيل لتؤكد على التزامها المناخى، وهو ما يتمثل فى الحفاظ على المساحات الخضراء فى غابات الأمازون التى تمثل رئة العالم، وكان تدميرها خطرًا جديدًا يطرأ على الكرة الأرضية، لذا لاقت كلمة الرئيس البرازيلى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ترحيباً حاراً فى كوب 27 فى مصر.
وتعهد دا سيلفا بحماية الأمازون، قائلاً إن “البلاد ستفعل كل ما يتطلبه الأمر لعدم إزالة الغابات”، وسلط لولا الضوء على أن الجرائم البيئية قد نمت “بطريقة مخيفة” فى ظل الحكومة السابقة، مضيفًا أن الحكومة ستعمل على معاقبة الأنشطة غير القانونية التى يقوم بها عمال مناجم الذهب وقاطعى
الأشجار والمزارعين.
الاتحاد الأوروبى يتعهد بمليار يورو لإفريقيا
كذلك، تعهد الاتحاد الأوروبى وأربع دول أعضاء بتقديم أكثر من مليار يورو للتكيف مع المناخ فى إفريقيا، صرح رئيس السياسة المناخية فى الاتحاد الأوروبى، فرانس تيمرمانز، لـ “كوب 27″، بأن الكتلة وأربع من الدول الأعضاء فيها ستوفر أكثر من مليار يورو للتكيف مع المناخ فى إفريقيا.
والدول الأربع هى فرنسا وألمانيا وهولندا والدنمارك. وقال تيمرمانز، إن هذه كانت مجرد نقطة انطلاق مع الآخرين القادرين على الانضمام إلى المبادرة.
وستتمثل بعض الركائز الأساسية لهذا المشروع فى تحسين أنظمة الإنذار المبكر، وتحسين التمويل لبرامج التكيف الداخلى مع المناخ، وإنشاء أنظمة جديدة “للمخاطر والتأمين”.
وقال المسؤول الأوروبى فى بيان: “أزمة المناخ هنا بالفعل، مما تسبب فى فيضانات كارثية وجفاف شديد وموجات حر شديدة فى جميع أنحاء العالم”.
راديو فرانس الدولى (rfi): التنوع البيولوجى
وفى تقريره، أشاد راديو فرانس الدولى بما حققته قمة المناخ المصرية بالتركيز على أهداف التنوع البيولوجى “حاسمة لإنقاذ الكوكب”، لافتة إلى أن التنوع البيولوجى احتل مقعدًا أماميًا فى قمة المناخ “كوب 27″، حيث أكد دعاة الحفاظ على البيئة والنشطاء وقادة السكان الأصليين على الحاجة الماسة لحماية الطبيعة من أجل درء الآثار الأكثر ضررًا لتغير المناخ.
وقال بريان أودونيل، مدير حملة المنظمات غير الحكومية من أجل الطبيعة: “يمكن تنفيذ ما يصل إلى ثلث الحلول لأزمة المناخ من خلال حماية الطبيعة والحفاظ عليها”.
(بابليك راديو): النساء تقود المحادثات الصعبة
ولم يقتصر نجاح “كوب 27” على تحقيق النتائج الواقعية، وإنما نجحت القمة فى إعادة الريادة للنساء فى قيادة أكثر الموضوعات صعوبة، مثل قضية “التعويضات”.
وقالت تقرير لـ ” بابليك راديو”، إن النساء تقود المفاوضات حول الموضوع الشائك فى محادثات الأمم المتحدة حول المناخ من على أرض مصر، وهى قضية تعويضات الكوارث المناخية والمدفوعات من الدول الملوثة للبلدان المتضررة.
وأشار التقرير إلى امرأتان، هما وزيرة البيئة التشيلية والمبعوثة الألمانية الخاصة للمناخ، اللتين قادتا القضية على أجندة محادثات المناخ لأول مرة، مضيفًا أنه عادة ما يفوق عدد الرجال عدد المفاوضين عدد النساء فى محادثات المناخ، إلا عندما يتعلق الأمر بالمسألة الدبلوماسية الشائكة للاحتباس الحرارى هذا العام – التعويضات عن كوارث المناخ.
لكن الأمر اختلف هذه المرة فى قمة المناخ المقامة على أرض مصر، وكان للنساء صوتًا حيويًا يزيد من حيوية المناقشات حول القضايا الشائكة والأكثر أهمية للعالم.