عائلة القصبجي ما زالت تواصل حرفتها بالخيوط المذهبة..طرّزت كسوة الكعبة (صور)
في أحد أزقة منطقة خان الخليلي العتيقة بقلب القاهرة التاريخية تقع ورشة القصبجي المتخصصة في فن التطريز بخيوط الذهب، أو ما يعرف بـ”السيرما”.
وعلى مدار ما يزيد على مئة عام توارثت العائلة هذه الحرفة جيلًا بعد جيل لتحمل جزءًا من التراث المصري الأصيل كإرث عائلي ممتد.
واشتهرت ورشة القصبجي مع مطلع القرن الماضي بأنها كانت متخصصة بتطريز كسوة الكعبة، الت قامت بتطريزها لعدة سنوات، حيث كان يتم إعدادها في مصر سنويًا، من ثم نقلها إلى مكة في موكب كبير تحت اسم “المحمل”.
ولا تزال ورشة القصبجي كائنة في مكانها تقدم إنتاجها من فن التطريز بالخيوط المذهبة من خلال لوحات وآيات قرآنية ونماذج مصغرة من كسوة الكعبة، التي كانت يتم إعدادها قبل سنوات طويلة.
ومع أن الكسوة التي يصنعها أحمد شوقي عثمان القصبجي، وهو صاحب ورشة القصبجي، لم تعد توضع على الكعبة كما كان فيما مضى، فإنه ما زال يصنع نسخًا من الكسوة ويطرزها يدويًا على غرار ما كانت عائلته تفعل على مدى أجيال.
وتعلم القصبجي ذلك الفن من أبيه الذي تعلمه بدوره من جده الذي تولى مسؤولية المحمل، الذي كان ينقل كسوة الكعبة من مصر إلى مكة، لأربع سنوات متصلة من 1923 حتى 1926.
وفي العام 1923، نال جد القصبجي الشرف العظيم، بالنسبة لأبناء حرفته، المتمثل بإعداد كسوة الكعبة التي تطرز بأوراق الذهب أو الفضة ويتم تغييرها كل عام في موسم الحج.
ويتذكر القصبجي أن إعداد كسوة الكعبة كان طقسا مقدسا، حيث أنه من سنة لأخرى كان عشرة حرفيين يطرزون الكسوة الشريفة بخيوط الفضة الرقيقة جدا، ما يجعل تطريز 10 إلى 20 سنتيمترا يتطلب يوما كاملا.
وكانت كسوة الكعبة على مدى سنين طويلة تقدم هدية من دول إسلامية مختلفة تسعى لنيل شرف إعداد هذا الغطاء الذي تبلغ مساحته 658 مترا مربعا ويطرز بالأحجار الكريمة أيضا.
اعتبارا من القرن الثالث عشر، تولى حرفيون مصريون مهمة إعداد الكسوة وتطريزها، وكانت السلطات تنظم بعد ذلك رحلتها إلى مكة.
وكانت القافلة التي تضم حراسا ورجال دين تقابل بحفاوة كبيرة على طول طريقها من قبل مصريين فرحين كانوا يرشونها بماء الورد من شرفات منازلهم.
لكن منذ عام 1927، بدأ إعداد كسوة الكعبة ينتقل إلى مكة المكرمة، واعتبارا من عام 1962 أصبحت الكسوة تصنع هناك بالكامل.
وحتى لا يجد القصبجي الجد نفسه بلا عمل، انكب على تطريز الشارات العسكرية والملكية، وكان من بين زبائنه شخصيات بارزة، ويروي الحفيد بفخر أن جده طرّز الشارات الخاصة ببدلة الملك فؤاد، ومن بعده الملك فاروق، وبعد الثورة قام والده بتطريز شارات عسكرية للرؤساء جمال عبد الناصر والسادات.
ويقول القصبجي: إنه من المفارقات أننا قمنا بتصليح شارة عسكرية لضابط روسي أثناء زيارته الرسمية لمصر ليصبح بعدها بسنوات هو فلاديمير بوتين رئيس روسيا الحالي.
ويضيف: أنه مر على ورشة القصبجي على مدار السنوات وزراء وسفراء، واقتنى أعمالنا الملوك والرؤساء داخل مصر وخارجها، وزبائننا في الوقت الحالي يتنوعون بين المصريين والعرب والأجانب، ونشارك في كثير من الملتقيات التي تُعنى بالحرف التراثية داخل مصر وخارجها، وتلقى أعمالنا الإعجاب دائمًا لأنها تعكس جزءًا من التراث والثقافة المصرية والعربية.
وفي عصر تحول كل شيء إلى الطابع المميكن تقف الحرف التراثية محاولة الصمود والحفاظ على قيمتها ومكانتها، ولكنها بالطبع تلاقي صعوبات، وعنها يقول القصبجي إن حرفتنا تواجه بعض الصعوبات حاليًا يتمثل أبرزها في غلاء سعر الخيوط المذهبة التي يأتي معظمها من الخارج، فأصبحت غير متوفرة بسهولة مع الارتفاع الكبير في سعر الدولار.
ويشير إلى أنه خلال الفترة الماضية كان لانتشار جائحة كورونا تأثير كبير على حركة البيع والشراء، خصوصًا مع قلة السياحة الأجنبية، إضافة إلى تداعيات الحرب الأخيرة في أوكرانيا، فالسنوات الأخيرة كانت صعبة على كل العاملين في الحرف اليدوية.
ويطالب القصبجي الدولة ومؤسسات المجتمع المدني بدعم كل الحرف اليدوية بشكل عام كي تستطيع الصمود والاستمرار وتقديم أجيال جديدة تستمر على الطريق نفسه، باعتبار هذه الحرف تحافظ على جزء من التراث، وليس فقط تقدم منتجًا يتم بيعه.
وبعد مرور 100 عام، لا تزال عائلة القصبجي تعمل في تصنيع الكسوة لكن بسلك نحاس بدلًا من خيوط الذهب؛ وذلك لكي تبيعها للمسلمين الذين يحتفلون بموسم الحج.