مقالات

عابـــــــــــــر عمــــــــــــــــــــــــــــــر

مريم عرجون تكتب

صباح شهي لكنه خال من رائحة الدفء، ونداه يشق الجسد المنهك بحياد بارد، ومع ابتسامة النهار التي تناجي ضياء المدينة والدفّء القديم بنسيم رائق يَبكي على وجنتيه الزهر، أسير في دروب الحياة كمُسْتَهَام حَادَ عن الدرب ثم انتحر، أو ربما شبهُ الميتينَ أنا كجثة باردة تاهت خطاها في العالم الواني و غفا عنها القدر والعمر ما أَسْنَاه إذا ما اِحتضنه الوتر، أجوب الدروب بصمت عميقٍ واهٍ والوِجْدَان في صمم، وكل السُبُل عندي سواء تَسرقُ دروب العمر، فأشق جدار الصمت و أنظمُ حياتي أو ما ظَلَّ لي منها على منهجي، لكن تمضي بي الخطوات في رحلةٍ متعبةٍ تائهة في نفقٍ طويلٍ له ضوء شاحب ما يشبه القناديل وأنا الضَرِير كخفاش في ضياء الصُبْح، وأمام سَنَاء السبيل في طريقي للشارع الشهير وسط المدينة اليتيمة، حيث ينبغي أن أصل في تمام الرابعة كما يليق بامرأة جــادة، اِمرأة أضناها التعب لاحت كطير ظمآن رمي بحجارة وهو يجرجر في جناحيه و لايزال جزء من عناده يراهن على الزمن، و أمام مقهى الرصيف اِستندتُ على حائط لضعفي يُساند، حينها زَفَّ لي عابر دربٍ اِبتسامة وهو يسير على ردهات السكينة، رجل أَمْسَكَ بالزمان ينادي “يا مدينة الصَقِيع والصدى لا تُحمل قلبك ما لا يُطيق”، وكأنه رآني خلَف لحمٍ عاد هشيما ملفوفا بورق شفّاف في وَلِهٍ مُرٍ، و على شطرنج أيامي المكيفة بالأكسجين وأفراحي المحنطة، و خدود الزمن المتوهج بالأشواق، تتقاطع بنا الصدف و يرميني عابر الدرب ذاك بنظرة لهيبة الأهداب، وأنا يرهبني ملقى العيون، عيونه التي رمتني بنظراتٍ أَرَاقَت أنفاسي الباقيةً لي في هذه الحياةِ قطرة، قطرة، و سارت دورتي الدموية نَقِيض السير ضد قلبي، فتجمدت نظراتي واِنكمشت رغبتي في الهرب، وسرى في دمي حنينٌ بارد أمام عيناه التي بدت جنان نعيم يستطاب، وهي من عُجْبٍ فاتنة لحد التيه كنخب عشق بالهوى دافِقةٌ، وغيرها جهنم وعذاب وسراب في سراب، وبالرغم من ثغرات الفُؤَاد المُرقعة كجورب شَحَّاذ، رددت بصمت “قلبي أشلاء حزينة كالجثة الدفينة فلا تنبش وتعري حرمة الأسرار” تَوارَيت خلف ظلي هربا من ليس عنـه مهربا، وبلا وعي صار اللاوعي وعيا و جُدت لعينيه الرّحاب، فاِعتراني زفير أَوْرَى بيني وبينه واِسْتَجْمَرَ يُقَلِّب قلبي، ومن عجب جفنينا إنه من المستحيل أن يبرد الجمر المجامر، لقد أَنْشَأَني عابر الدرب فيّ حالات الضَيَاع الجميل، فتاهَ القلب في عيونه وأحياه في نعيمٍ غير فانِ، وذاك اللهيب الذي تَوَقَّدَ بقلبي مثلَ جحيم المَواقد هيجت فُؤَادَ عاشِقٍ للوِصَال لا يَؤوب.
عدنا إلى الدرب يومها حيارى و غادرتْ عيناي في هلعٍ، و على الخدين نامت أَطْلال الزهور التي كانت وَرْدَةً كالدِّهَانِ، تتسلل لروحي و في براحها وحشة الشوق المكتوم الذي أصيب برصاصة الهوى، والهوى نبض قلب قد يضمه الحريق و يدفعك اِلى التهالك و تمرّد الرّوح، وتتعلقُ النفس بمِيثاق حضوره وتغيب في عطره فتثمل في ظلمة الليل السحيق من شذاه، مما يدفعك إلى التّهالكِ والإفراطِ بالتعلق فيه وتقيّد به كأسير، وقلبي الذي كان للغرام غريم، صار مأسور الفؤاد اليوم لعابر عُمرٍ أعاد لي لهفتي الهاربة بعد السكون، فمرحباً على الغرام الأنيق الذي لامس قلب الهَوْمَاء فصار نبض القلب به رحيب، والعمر قبل الهوى منسوب ليس بمحسوب،
ها أنذا يا عاذلي محاصرٌ مهبور وبين عينيك مقهور، ورائحة التعلق تهجوني و تقتلني وتعرقل في دمي خط المرور، ولي في ذمتك حق العبور لأختبئ وأسكن بتلك العيون، وأرى كم هو فَاتِن ذاك الاِضطرام العاري المسحور، لربما أتماهى فيها و أقطف النرجس من جيدك المهجور الذي يقول حي على الجمال، جمال جعلني أؤمنُ بالمعجزاتِ في عينيك التي تبدوا كنغم مزمار وعود محبوب، ومعبود في مغاورِ وصار بقلبي مغمود، وآلَت مُهْجَتي في هواك جُذاذا، وبطرفك القاتل هذياني يزداد، ونفسي بك ممنونة حين لاقت أن للحب ملاذا كديانة يستحال الكفر بها، واِختار قلبي أن يتوه في بحور عيناك التي توغلت في الوريد فمزقته، واِقترب وخذني وكن سطرا في كتابي، فسهمك قد نال من فؤادي و الجوى بلسم خافق أودى بي وحاضت النفس بك الأنس والطيب.

زر الذهاب إلى الأعلى