اقتحام جنين .. ومقاومة الفلسطينيين !!
كتب الكاتب / فهمي عنبه
خلال 48 ساعة استشهد 10 فلسطينيين وأصيب 100 آخــرون بعضهم إصاباتهم خطيرة وتـم إجـلاء 3 آلاف شخص مـن مخيم جنين بعد اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلى للمخيم بـآلاف الجنود المدججين بالأسلحة والعربات المصفحة .. وقصفوا المدنيين ومنازلهم بالقنابل والطائرات .. وكالعادة لم تتحرك الأمم المتحدة ولم يعقد مجلس الأمن جلسة لوقف العدوان !! .
يكتمل مشهد إبـــادة الشعب الفلسطينى وتهجيره من منازله واغتصاب أراضيه « بغطاء » من الولايات المتحدة لكل ما يفعله المعتدى حيث تعطى الحق لجنود الاحتلال فى اتخاذ ما يلزم إذا تعرضوا لمقاومة من يحتلونهم .. فهم يريدون من « المقتول » أن يسكت ولا يقاوم وألا يصرخ حتى من الألم أو يرد بالحجارة !! .
لم يخرج بيان واحد من أى دولة أوروبية يدين الاعتداء على الفلسطينيين فى جنين .. ولـم يصدر عن الاتحاد الأوروبى سوى التعبير عن القلق مما يحدث دون تحميل إسرائيل مسئولية المـجـازر وقتل المدنيين وتهجيرهم واعتقال العشرات دون مبرر ودون تهم محددة مما يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان التى تنادى بها أوروبا والتى تهب حكوماتها إذا تم تقييد حرية أى شخص فى أى دولة نامية وتفرض عليها المقاطعة والحصار.. بينما يصيبها « الخرس وصمت الحملان » إزاء الممارسات العنصرية والهمجية لجيش الاحتلال الإسرائيلي !! .
حتى الجامعة العربية لـم تجتمع إلا بعد يومين من العدوان واكتفت كالمعتاد ببيان أدانت فيه بشدة الجرائم الإسرائيلية وحـذرت من تبعات العدوان ودعـت المجتمع الدولى لتحمل مسئولياته فى توفير الحماية للشعب الفلسطيني .. ولم يتطرق اجتماعها ولا بيانها إلى ضرورة اتخاذ موقف عربى موحد ومطالبة دولها بوقف كل أشكال « التطبيع المجاني » مع حكومة نتنياهو اليمينية العنصرية لحين وقف الاعتداءات .. والأهم مطالبتها بالإعلان الصريح عن استمرار التزام إسرائيل بحل الدولتين كما تعهدت بذلك أمـام العالم منذ سنوات أسـوة بما طالبوا العرب والفلسطينيين من قبل بالاعتراف بإسرائيل لإثبات حسن النوايا وأنهم جـادون فى السير فى طريق السلام .. فهل هناك من لايـزال يعتقد أن النظام الدولى الـذى نعيش فيه به عدالة ويتعامل مع مختلف القضايا بمكيال وميزان واحد ؟! .
ظلت إسرائيل تبرر عدوانها المتكرر على قطاع غزة بأنها تحارب حركة حـمـاس .. وللأسف كانت أمريكا تؤيدها وتجبر حلفاءها على تصديق هذه الأكاذيب .. ولكن الآن ما هو المبرر للاعتداء السافر على مخيم جنين الواقع فى الضفة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية التى وقعت معها إسرائيل اتفاقيات سلام ؟! .
من الواضح أن هدف إسرائيل ليس القضاء على حماس ولا الجهاد ولا الفصائل جميعها فقط .. ولكنها تسعى للقضاء على الشعب الفلسطينى أينما وجد فى أى مكان فى غزة والضفة والخليل والـقـدس ورام الله وجنين وبلاطة.. فهدف نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة الـذى لا يخفونه ويعلنونه بكل صلافة وبجاحة هو « إبادة العرب والفلسطينيين »!! .
لا تؤمن حكومة إسرائيل « الحالية أو السابقة أو القادمة » بحل الدولتين .. ولا يمكن أن يعول العرب على تعهدات أمريكا لأنهم يعلمون جيداً أن مصالحها هى التى تحركها وأن ما يقوله أى رئيس لا يلتزم به من يأتى بعده بدليل تنصل الرئيس السابق دونـالـد تـرامـب مـن العديد من الاتفاقيات الدولية و خروجه منها مثل اتفاقية المناخ وتجميد عضوية بلاده فى اليونسكو ونقل سفارة بلاده إلى القدس وموافقته لإسرائيل على توسيع المستوطنات مما يعنى أنه قضى تماماً على حل الدولتين من الأساس خاصة أنه قام بالضغط لعقد ما يسمى « باتفاقات إبراهيم » التى يرى أنها تؤدى للسلام .. ولكن بدون شروط وبدون إعادة الأرض وبدون دولة فلسطينية ؟! .
علينا أن نعترف أن سياسة وضع 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا قد فشلت .. ولم تجر على المنطقة سوى « الخراب » والحروب الأهلية فى سوريا ولبنان وليبيا والعراق واليمن .. ولم تحقق شيئاً أو تقدماً فى القضية الفلسطينية .. وهذا ما أرادته إسرائيل بمساعدة الإدارات المتعاقبة فى البيت الأبيض بواشنطن .. لذلك فعلى العرب البحث عن بديل آخـر يمكن الاعتماد عليه والـوثـوق بـه .. وبالتأكيد لن يجدوا أفضل من أنفسهم ومن وحدة كلمتهم والعمل معاً على استغلال الأوراق التى يمتلكونها وهى كثيرة .. لكنها للأسف غير مستغلة بل ويهدرها العرب بأيديهم !! .
مـازال بعض المحللين العرب يبحثون عن بديل لأمريكا كوسيط لحل المشكلة الفلسطينية .. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى وانشغال روسيا فى حربها مع أوكرانيا وتصميم أمريكا وأوروبا على إضعافها واستنزافها حتى النهاية .. فإن « الفارس الجديد » فى الساحة الذى يعولون عليه هو « التنين الصيني » القادم إلى المنطقة وإلى لعب أدوار رئيسية فى الدبلوماسية والسياسة الدولية خاصة بعد نجاح بكين فى الوساطة بين السعودية وإيران مما ُيعد ضربة لأمريكا فى عقر دارها وفًى ملعبها .. ولكن هذه مراهنة جديدة محفوفة بالمخاطر أولا لأن أمريكا لن تستسلم بسهولة وثانياً لأن بكين لا تملك أوراق ضغط على إسرائيل لتجبرها على قبول وساطتها .. وهناك العديد من الأسباب الأخرى ليس هذا وقتها.. والأهم أن على العرب الاعتماد على أنفسهم !! .
يعلم العالم بـأسـره أن الإسرائيليين هـم أكبر مزيف للحقائق وللتاريخ .. وأن الكثير مما يبثه إعلامهم بشأن القضية الفلسطينية عبارة عن افتراءات وأكاذيب وأن الشائعات عندهم لها الأولوية عن الحقائق .. فهم يحاولون إظهار المقاومة المشروعة للاحتلال على أنها إرهـاب .. وأن ما يقومون به من بطش وقتل للأطفال والنساء وحرق المنازل هو دفاع عن النفس .. وكل هذه المغالطات لا يصدقها سواهم وسوى من يريد أن يستمر هذا الاستعمار الذى حتماً سيأتى اليوم وينتهى كما اندحر كل مستعمر على وجه الأرض !! .
للأسف .. حصلت إسرائيل على كل ما تريده دون أن تقدم أى شيء .. فقد اعترف العرب بدولتها .. وأعطاهم ترامب القدس والجولان ووعدهم بعدم إقامة دولتين .. وزيارات مسئولي اسرائيل الاقتصاديين والسياسيين و المخابراتيين أصبحت متعددة للدول العربية من المحيط إلى الخليج .. وعلمهم يرفرف وسلامهم الوطنى ُيعزف والصفقات التجارية تعقد .. فماذا يريدون بعد .. خاصة وأن الأرض معهم وترسانة أسلحتهم هى الأحدث فى العالم .. فلماذا يتنازلون ويبحثون عن السلام إذا كان معهم كل شيء .. والسلام ؟! .
يواجه نتنياهو أزمـات داخلية تهدد الائتلاف اليمينى الذى أُجبر على قبوله حتى يتمكن من العودة إلى رئاسة الحكومة .. وهـو يخشى أيضاً من ملاحقته بتهم رشوة وفـسـاد لذلك يسعى بكل جهده لإقـــرار قـانـون جديد يقلص صلاحيات القضاء خاصة المحكمة العليا مما يشعل غضب الـشـارع وتخرج المظاهرات كل أسبوع منذ عدة أشهر.. وكـان المخرج الوحيد له من كل ذلك هو البطش بالفلسطينيين وإطلاق يد المستوطنين والمتطرفين اليهود .. وتصعيد المواجهات مع الفصائل واستهداف قادتهم بالقتل والاعتقال .. إضافة إلى هدم المنازل ومصادرة الأراضـى واقتحام المخيمات .. معتمداً على انشغال القوى الدولية بالحرب فى أوكـرانـيـا .. وانغماس القوى الإقليمية فى الحروب الأهلية بـدول المنطقة .. ومعتقداً أن « اتفاقات إبراهيم » ستمنع العرب من الاتفاق على كلمة واحـدة .. لكل هـذه الأسـبـاب زادت « أحـــلام » نتنياهو فى الانفراد بالفلسطينيين والتخلص منهم نهائياً بالتعاون مع وزراء حكومته المتطرفين خاصة وزيرى المالية والأمن الداخلي .. ولكنه فوجئ بـأن أحلامه تنقلب إلـى « أوهـــام » لأنـه لم يحسب حساب المقاومة وأن الشعب الفلسطينى لا يموت .. وكلما « راح شهيد .. سقى الأرض بدمائه فأنبتت ألف فدائى يقاوم من جديد ».. وأن العرب مهما تفرقوا فلابد أن توحدهم القدس والأقصي .. والأهم أن هناك دولة اسمها مصر لن يسمح شعبها ولا قيادتها ولا جيشها بالعربدة الاسرائيلية إلى الأبد !! .