عالم بمائة وجه للديمقراطية !!
الكاتب أ / فهمي عنبة
•• في عام ٢٠٠٨ احتفلت الأمم المتحدة لأول مرة باليوم العالمي للديمقراطية الذي اختارت ان يكون ١٥ سبتمبر من كل عام بهدف تعزيز مبادئ الديمقراطية والتمسك بها والتأكيد علي مشاركة الشعوب في حكم بلدانها عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة .
رغم الاختلافات الواضحة في الأنظمة السياسية بدول العالم في مختلف القارات وتباينها ما بين الشيوعية والرأسمالية والاشتراكية والليبرالية .. وتقسيم البلدان ما بين قوي عظمي غنية وأخري فقيرة تنتمي إلي العالم الثالث .. فإن كل حكومة تدعي انها ديمقراطية يستوي في ذلك أمريكا وروسيا والصين مع كوريا الشمالية وجمهوريات الموز وبلدان غرب وشرق أوروبا .. وأفريقيا وآسيا .. كل الدول تدعي انها ديمقراطية وان حكوماتها جاءت بتأييد من الشعب وتحكم باسمه !! .
وإذا كانت الديمقراطية في المصطلح الإغريقي تعني حكم الشعب لنفسه فيمكن بكل أريحية وأنت مطمئن النفس ولا يساورك أى شك ان تقول انه لا توجد دولة واحدة في العالم ديمقراطية .. ولكن هناك مئات الوجوه للحكم يقترب أو يبتعد عنها بقدر ما يتفق عليه كل مجتمع .. فصحيح ان الانتخابات هي عنوان كل نظام ليثبت ان الشعب يحكم نفسه وانه اختار من يقوده سواء بالاجماع أو الأغلبية .. ولكن الواقع أكد انه لا توجد انتخابات حرة حتى فى الولايات المتحدة وذلك باعتراف رئيسها السابق دونالد ترامب .. بل ان النظام الانتخابى الأمريكى يقوم على أسس غير ديمقراطية ويعطى للنخبة المختارة التى تمثل المجمع الانتخابى الحق فى قول الكلمة الحاسمة فى اختيار الرئيس وليس لابناء الشعب .. اما في الصين هناك الحزب الواحد .. وفي بريطانيا التي يعتبرونها « أم الديمقراطية » فإن دخول مجلس اللوردات يقتصر علي النبلاء وأغلبه بالوراثة .. كما ان الشعب لا دخل له في اختيار الملك الذي ورث الحكم عن أمه الملكة وسيرثه ابنه فهل هذه هي الديمقراطية ؟! .
.. وإذا كان الرئيس الراحل أنور السادات يقول ان الديمقراطية لها « أنياب » وقادرة علي حماية نفسها ونظامها من الممارسات التي يعتبرها تهديداً للاستقرار .. فإن الديمقراطية بالمعني الغربي لها سلبيات عديدة بل أحياناً هي التي تهدد الدولة واستقرارها خاصة عندما يقوم أعضاء الأحزاب بتغليب مصلحة الحزب علي مصلحة الشعب والدولة .. وكثيراً ما رأينا كيف تحول أغلبية حزب المعارضة في الكونجرس الرئيسي الأمريكي إلي « بطة عرجاء » لا يمكنه اتخاذ أي قرار ولو كان فى مصلحة البلد !! .
تختلف الديمقراطية في دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .. فجمهوريات الموز التي كانت لا تتوقف فيها الانقلابات فإن كل من يتولي المسئولية يسحق معارضيه باسم الديمقراطية .. وفي جنوب افريقيا إلي وقت قريب كان البيض العنصريون يحكمون باسم الديمقراطية وهم يستعبدون الأفارقة االسود أهل البلد الأصليين .. وفي إسرائيل يتم قتل وتشريد الفلسطينيين ونهب أراضيهم ورغم الوحشية والعنصرية يعتبرون انفسهم واحة للديمقراطية .. وفي ميانمار يقومون بحرب إبادة ضد المسلمين « الروهينجا » ويتعللون ان الأغلبية تريد ذلك .. فهل هذه هي الديمقراطية التي ارادها اليونانيون في أثينا القديمة والتى خصصت الأمم المتحدة يوماً عالمياً للاحتفال بها ؟! .
الغريب ان كل دولة تريد أن تفرض ديمقراطيتها علي الآخرين بالقوة وباساليب غير ديمقراطية .. وتحاول ان تجعل نموذجها هو الوحيد المعتمد دولياً.. والأغرب انهم يجعلون الديمقراطية تشمل أخلاقيات وعادات وتقاليد يجب علي الآخرين اتباعها دون اعتبار لثقافة كل شعب ومعتقداته وديانته وتراثه .. وهم يريدون بذلك جعل ديمقراطيتهم مرادفاً للعولمة ويتخذون حقوق الإنسان ذريعة لتعميم ثقافتهم .. فمن لا يؤمن مثلهم بالانحرافات الأخلاقية والمثلية الجنسية فهو ” كافر بالديمقراطية ” ولا يعترف بالحريات .. ويجب علي الأمم المتحدة التدخل بالقوة لاجباره علي القبول بما يتعارض مع كل الشرائع السماوية بل ومع طبائع نفوس البشر السوية !!
فشلت الديمقراطية الغربية في القضاء علي العنصرية ففي أمريكا مازال اضطهاد السود وقتلهم علي أيدي رجال الشرطة البيض تتكرر حوادثه كل فترة .. وفي أوروبا يتسلل اليمين المتطرف ليحكم قبضته علي مقاليد الحكم في العديد من الدول وتزداد الاعتداءات علي المهاجرين وتحديد إقاماتهم في معسكرات غير آدمية .. وحتي الأنظمة الانتخابية الغربية أثبتت انها غير عادلة فكيف ينجح من لم يحصل علي أعلي الأصوات مثلما حدث مع آل جور الذي حصد أكبر عدد من أصوات الناخبين بينما فاز بوش الابن بالرئاسة .. وهناك بلدان لا يوجد بها عدد مرات لاعادة انتخاب الرئيس أو رئيس الحكومة .. كما قد تؤدي الانتخابات إلي عدم فوز حزب واحد بالأغلبية ويتعذر تكوين ائتلاف فيحدث اضطراب وشلل في العملية السياسية وقد يستدعي ذلك اجراء انتخابات مبكرة أكثر من مرة في وقت قصير فتضيع موارد الشعب ويتوقف دولاب العمل في الدولة !! .
« أنياب الديمقراطية » هي التي قتلت سُقراط لذلك هاجمها تلميذه أفلاطون حيث رفض الديمقراطية الأثينية لانها تتبع غرائز المواطنين بدلاً من السعي للصالح العام كما انها غير قادرة علي السماح لعدد كافٍ منهم بالتعبير عن آرائهم ويديرها مجموعة من النخبة وصفهم « بالأغبياء » .. كما يري الفيلسوف الألماني نيتشة ان الأخلاق في أوروبا الديمقراطية « أخلاق القطيع » !! .
في اليوم العالمي للاحتفال بالديمقراطية علي الأمم المتحدة ان تضع تعريفاً جديداً لها يسمح بأن تمارس كل دولة ديمقراطيتها وفقاً لثقافتها وعقيدتها وتراعى الجوانب الانسانية والخصائص البشرية لكل قومية .. ولكن إذا كان للديمقراطية مائة وجه وأكثر .. فإن غايتها واحدة .. وهى ان تسود العدالة والمساواة .. وتلتزم كل دولة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والانتخاب وتداول السلطة بسلاسة وتوفير المعلومات بشفافية .. ولو حدث ذلك في كل دولة .. فالنتيجة حتماً ستكون ان تحكم الشعوب نفسها بنفسها.. وسنري العالم مختلفاً .. ولكن هذا لا يحدث إلا في الأحلام فقط !! .
** يذكر ان اليوم العالمى للديمقراطية الذى يوافق ١٥ سبتمبر من كل عام تم اعتمادة من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠٠٧ واحتفل به للمرة الأولى عام ٢٠٠٨ وجاء الاختيار لانه يوافق تاريخ ” الاعلان العالمى للديمقراطية ” الذى اقره الاتحاد البرلمانى الدولى الذى عقد بالقاهرة فى سبتمبر عام ١٩٩٧ .
**************
زُلزال المغرب .. وإعصار ليبيا ؟!
•• سبحان مغير الأحوال .. ما هي إلا ثوانٍ معدودة حتي تحول كل شيء إلي دمار وخراب .. هزة زلزلت الأرض بمن عليها .. انهارت العمارات علي ساكنيها ودفنوا تحت الأنقاض .. بعدها بساعات وعلى بُعد مئات الكيلو مترات على ساحل المتوسط وخلال لحظات قليلة حل الإعصار فبدأ الطوفان .. جرفت السيول البيوت بمن فيها .. ألقت بعضهم فى البحر وآخرون تاهت جثثهم فى أكوام الطمى .. قرى ومناطق وأحياء بالقرب من مراكش فى المغرب وفى درنه بليبيا دُمرت تماماً ولم يعد لأهلها وجود فى كارثة انسانية عاشها الشعبان الشقيقان وانخلعت قلوب العرب وكل العالم حزناً على ما جرى لهم !! .
نعم ما حدث من زلزال فى مراكش وإعصار ضرب ليبيا كان بارادة الله .. ولكن كل العلماء والخبراء أجمعوا على ان ذلك له علاقة بتغير المناخ والاحتباس الحرارى الناتج عن ممارسات الدول الصناعية الكبرى التى تحقق الازدهار والتنمية وللأسف تدفع الشعوب الثمن خاصة أبناء القارة الافريقية !!
فقدت المغرب حوالي ٣ آلاف مواطن سقطوا ضحايا ولقوا حتفهم جراء الزلزال وأصيب ضعفهم بينما تشرد عشرات الآلاف أصبحوا بلا مأوي وضاعت أمتعتهم وأموالهم ويعيشون في خيام إيواء .. كما أعلنت ليبيا ان هناك ١٠ آلاف مفقودين لا يُعرف مصيرهم بعد ان جرفتهم مياه السيول الناتجة عن الإعصار الذي تسبب في هدم سدين فأغرقت مياههما الآلاف حتي بلغ عدد المتوفين مبدئياً ٥ آلاف شخص بعد ان جرفت المياه أحياء بأكملها في درنة ” وذلك حتى كتابة المقال أول أمس ” .. وإذا كان الأهالي قد عرفوا مصير الأموات فمازال العالقون والمفقودون بعيدين عن ذويهم .. والأهم هم الأحياء الذين شُردوا وفقدوا ديارهم وأمانهم وكل ما يمتلكونه .. وهؤلاء يحتاجون إلي المساعدة وسرعة إعادة بناء منازلهم المنهارة حتي لا يظلوا في العراء ما بقي من حياتهم !! .
أعلنت مصر الحداد ٣ أيام علي ضحايا مأساة زلزال المغرب وكارثة عاصفة « دانيال » التي ضربت ليبيا .. وأرسلت المساعدات ومثلها فعل العديد من الدول .. ولكن لابد من تحرك الشعوب والجمعيات الأهلية في الدول العربية و ألا تتوقف عن تقديم الدعم المادى والعينى والنفسى للناجين وارسال البعثات لمواساتهم واشعارهم ان العرب معهم فى مصابهم ولن يتركوهم وحدهم حتى يتخطوا المحنة !! .
.. ولأن الزلازل والأعاصير والسيول أصبحت متكررة في دول المنطقة .. فعلينا أخذ الحذر والاستعداد لمواجهتها إذا لا قدر الله حلت بنا .. وبالتأكيد فإن الحذر لا يمنع القدر وارادة الله لابد نافذه .. ولكن بالتأكيد يمكن باتخاذ بعد الاجراءات الوقائية التخفيف من الآثار والتقليل من اعداد الضحايا خاصة إذا قامت المحافظات والأحياء بفحص المنازل والمباني الآيلة للسقوط أو التي لا تصمد أمام « أول هزة » ولابد من إخلائها من السكان فوراً لانها ستكون أو ما ينهار .. وكذلك عدم إعطاء تصاريح بناء جديدة إلا إذا تحقق شرط البناء « بكود الزلزال » الذي وضعه الخبراء وأساتذة كليات الهندسة بعد زلزال عام ١٩٩٢ وللأسف لم ينفذ إلا نادراً .. ويجب التأكد من صيانة خزان أسوان والسد العالي وغير ذلك من الاحتياطات اللازمة .. وتدريب فرق الاسعاف والاغاثة وتجهيزها بالمعدات الخاصة باستخراج الناجين من تحت الانقاض وسرعة اسعافهم .. وعلي أجهزة الاعلام والمدارس والجامعات القيام بدور في توعية المواطنين بكيفية التعامل فى مثل هذه الحالات لتقليل الخسائر قدر الامكان !! .
علينا ان نستفيد من دروس الكوارث التى مرت بنا والتى عانى منها أبناء الدول الشقيقة .. ونضع آلية للتعامل مع الزلازل والأعاصير والسيول وضمان سرعة التحرك مع فتح باب التطوع للشباب وتدريبهم على الانقاذ والاسعافات الأولية ومساعدة المنكوبين .. واجراء تجارب على ذلك باستمرار .. خاصة وان مثل هذه الكوارث تحدث فجأة وأحياناً بلا مقدمات .. ونسأل الله ان يلطف بمصر وشعبها وبالأشقاء فى المغرب وليبيا ويهون عليهم مصابهم .. وقلوبنا معهم !! .