مقالات

كيف نمنع الاستغلال فى مجتمعنا ..؟! 

الكاتب أ / على هاشم

الاستغلال نوعان؛ إمّا إيجابيٌّ ويعني الاستفادة من كلّ ما هو مُسخَّرٌ لنا من مادياتٍ على وجه الأرض، ما عدا الإنسان ..أما الاستغلال السلبي فيعنى الاستفادة من إنسانٍ ما، دون تقديم فائدةٍ له؛ لأنّ الفائدة فى العلاقات الإنسانية يجب أن تكون متبادلة.
الشائع في الدول النامية للأسف هو الاستغلال السلبي الذي تتعدد صوره وتتسع دائرته ليشمل كل استغلال مادى أو معنوي للآخرين في لحظة احتياج أو لحظة ضعف لا يستطيعون معها رفض أو مقاومة هذا الاستغلال الظالم ويضطرون لقبوله صاغرين مع ما يثيره هذا الشعور في نفوسهم من يأس وكراهية وحقد على المجتمع الذي لم ينجح في إشباع حاجاتهم وتركهم نهباً لكل من هبَّ ودبَّ.
للاستغلال السيئ صور كثيرة، منها استغلال الموظف لوظيفته للتربح منها وتلقى الهبات والرشاوى لإنجاز مصالح الناس واعتبارها مع الوقت إكراميات وحقًا مكتسباً استسلم له المجتمع وأجازه البعض تسهيلاً للحاجات ما دام يحدث اقتضاءً للحقوق وليس افتئاتًا على حقوق الغير.
ويدخل فيه أيضًا استغلال الأطباء وخصوصًا المشاهير منهم لحاجة المرضى ورفع ثمن الكشف (الفيزيتا) بصورة تفوق قدراتهم المادية هو استغلال لا يحقق إلا مصلحة طرف واحد هو الطبيب بينما يضاعف معاناة مريض محتاج قد تدفعه الحاجة للاستدانة من آخرين والتضييق على أسرتهم لسداد هذا الدين الذي هو همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار.
أما استغلال المدرسون للطلاب وتقاعسهم عن الشرح الوافي في الفصول لدفع الطلاب للحصول على الدروس الخصوصية؛ ما يجعل المدرسة مجرد مكان يحوى ملفات الطلاب ويمنحهم الشهادات الدراسية ولا تؤدي دورها التعليمي والتربوي على الوجه الأمثل ولا يكتفي هؤلاء المدرسين بإعطاء دروس خصوصية بل إن بعضهم يبالغ في أسعارها وخصوصًا في «السناتر» بالمدن الكبرى وعواصم المحافظات التي لا أبالغ إذا قلت إن تلك السناتر صارت مؤسسة تعليمية موازية تحقق أرباحاً فلكية لأصحابها وللمدرسين القائمين عليها والذين لا يتورعون عن مص دم الغلابة واستغلال رغبتهم في تعليم أبنائهم وحصولهم على درجات عالية في الشهادات وخصوصًا الثانوية العامة حتى أن الطالب يدفع في الحصة الواحدة مثلاً 70 جنيهاً بخلاف الكتب والمذكرات التي تستنزف جانباً كبيراً من ميزانيات أسر أرهقها ارتفاع فاحش لأسعار كل شيء بصورة متزايدة.
أما استغلال التجار لاحتياج الناس، فيخفي بعضهم السلع تمهيداً لرفع أسعارها بصورة مبالغ فيها كما حدث مع «السجائر» مثلاً، ناهيك عن الممارسات الاحتكارية التي هي أبشع صور الاستغلال والمتاجرة بقوت الغلابة فهو سلوك مجرم أفتت دار الإفتاء بتحريمه قطعيًا؛ قائلة إن التجار الذين يستغلون حاجة الناس ويحتكرون السلع ويبيعونها بأسعار مبالغ فيها آثمون شرعًا؛ لما يترتب على هذا الاستغلال من إلحاق الضرر بالناس والتضييق عليهم، وهذا يؤدي إلى إيذائهم ماديا ومعنويا، وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن الإضرار. بالغير بأي صورة. 
دار الافتاء قالت إن الأصل في البيع حِلُّه وإباحته؛ وذلك لقوله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»، إلَّا ما نَهَى الشارع عنه من بعض الممارسات التي قد تضرُّ بمصالح المتبايعين؛ ومن تلك الممارسات «الاحتكار»، والذي هو حبسُ كلِّ ما يضرُّ العامّةَ حبسُه؛ وذلك عن طريق شراء السلع وحبسها، فتقِلُّ بين الناس، فيرفع البائع من سعرها استغلالًا لندرتها، ويصيب الناسَ بسبب ذلك الضررُ، وقد نهى عنه الشارع وحرَّمه؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ) ..وقال أيضًا: (مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً، يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ خَاطِئٌ).
لقد حرَّم الإسلام تحريمًا قاطعًا، أن يتَّخذ الغنيُّ حاجةَ أخيه الفقير، أو دولته المحتاجة، فرصة لاكتساب المال بطريق لا خير فيه لا للمجتمع ولا للأفراد، والذي يجعل الغني في تربُّص دائم لحاجة المحتاجين، يستغلها في زيادة ماله، دون عملٍ يُحقِّق به نسبته إلى المجتمع، وجزئيَّته في بنائه، والذي ينزع من قلبه الشعور بالوحدة، ومعاني الرحمة والعطف التي هي من خصائص الإنسان الفاضل.
الاتجار بالبشر أسوأ أنواع الاستغلال ، وهو جريمة تنطوى على تجرد من الإنسانية والشرف، وإهانة لما كرّمه الله تعالى، وجعل له شرفا وفضلا ..لقوله سبحانه: « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء:70).
واستغلال البعض لأحلام الشباب في مستقبل أفضل، واستغلالهم في الهجرة غير الشرعية التي يغرق كثير منهم على المراكب التي تبحر بهم إلى المجهول في عرض البحر فيموتون ويتركون أسرهم نهبًا للآلام والحسرة على فقدانهم..المتاجرون بأحلام هؤلاء الشباب يرتكبون جريمة كبرى تمثل استغلالاً جسيمًا لهم وغوايتهم ودفعهم على طريق الموت دفعاً غير مكترثين بحجم الجرم الذي يقدمون عليه استغلالًا لحاجة هؤلاء الضحايا وفقرهم.
«لا ضرر ولا ضرار»..تلك قاعدة ذهبية ينبغي أن تحكم تصرفاتنا في حياتنا كلها، وكل ما يخل بها فهو مرفوض قطعاً، والاستغلال السيئ أياً ما تكون وسيلته أو صورته فهو إضرار للناس والمجتمع ينبغي ألا نسكت عليه، ذلك أنه سلوك أناني يكشف عن شخصية انتهازية تتاجر بالأزمات وتبحث عن الفرص غير المشروعة للتربح وتحقيق المنفعة بغير وجه حق، ومثل هذا السلوك ليس من الشرع ولا من الإنسانية في شيء لما يسببه من إيذاء للغير ولما يلحقه من أضرار بالآخرين، وإذا سكت عنه المجتمع باتت الحياة غابة لا يؤمن شرها ولا يرجى خيرها، وصار كل قوى يتحكم في الضعفاء ويمارس عليهم سطوته ويبسط عليه قبضته.
الغش التجاري بكل أنواعه هو استغلال ممنهج يستغل بمقتضاه الغشاشون جهل المستهلكين بجودة البضائع والمنتجات، فيروجون لأشياء مغشوشة في ظل ضعف الرقابة وغياب الدور الفعال لجهاز حماية المستهلك الذي ينشط في الدول المتقدمة ليمارس دوراً رقابياً نشطًا يمنع أو يقلل وجود الغش التجاري، ويحاسب الغشاشين بقوانين حاسمة تسهم في ردعهم وحماية الناس من شرورهم.
النصب والاحتيال أيضًا نوع من استغلال طيبة الناس وربما طمع، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة «المستريح» التي استطاع من خلالها مجرمون في سلب أموال بمليارات الجنيهات من الناس في محافظات عديدة بدعوى توظيفها في التجارة مقابل أرباح كبيرة ووقع الكثيرون في شراك هؤلاء النصابين وخسروا أموالهم نتيجة استغلالهم وخداعهم. 
والسؤال: من المنوط به محاربة الاستغلال السلبي بشتى صوره؟!.. والجواب قطعًا: إن الدولة-أي دولة- هى المعنية بحماية مواطنيها من أي استغلال..هكذا أكد رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى في أحد اجتماعات بمجلس المحافظين عقب قرار لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، ضرورة عدم استغلال البعض لزيادة أسعار السولار في القيام برفع أسعار السلع، محذرًا من وقوع هذا الاستغلال لزيادة أسعار السلع والخضر بالأسواق وخاصة السلع الرئيسية، مطالبا المحافظين بوقفة حاسمة في هذا الأمر ومتابعة حركة الأسواق أولا بأول للحفاظ على انضباطها بمنتهى الحزم والقوة، مع استمرار الحرص على توافر السلع بالأسواق بالكميات المناسبة، حتى لا تكون ذريعة للبعض لرفع الأسعار بصورة غير مبررة.
ولأن الاستغلال السلبي ضرب من الفساد فإن رئيس الوزراء حرص خلال احتفالية هيئة الرقابة الإدارية بإطلاق المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد على التأكيد على أن الدولة وضعت سياسات طموحة لمكافحة الفساد طبقتها مؤسسات الدولة بتنسيق محكم، لمواجهته واستئصاله من جذوره.
آثار الفساد لا تتوقف- كما قال رئيس الوزراء- عند حد الضرر الاقتصادي بل تمتد لتضرب المجتمع إنسانيا واجتماعيا، مؤكداً أن ثمة تصورا شاملا ومتكاملا لمكافحة الفساد بدعم من القيادة السياسية لكن أكد أن جهود مكافحة الفساد، لن تُـؤتى ثمارَها إلا من خلال مُواطنٍ مُدرك، يدعمُ مؤسسات الدولة والأجهزة الرقابية.. وهذا هو بيت القصيد وهو ضرورة الوعي بخطورة الفساد والاستعداد لمواجهة الاستغلال السلبي بشتى صوره بحسبانه صورة من صور الفساد الذي ينبغي محاربته بكل الطرق لتفادي تداعياته الخطيرة وتكلفته العالية على الفرد والمجتمع.
كلنا مطالبون بالتصدى للاستغلال السيئ لأي إنسان إعلامًا ومجتمعًا بمزيد من التوعية الدينية بحرمته وجسامته وضرورة مجابهة المطامع وتشديد العقوبات في القانون لمواجهة كل صور الفساد والاستغلالٍ.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى