مقالات

العمران‭ ‬وأوعية‭ ‬التنمية

الكاتب أ / نشأت الديهي

إذا أردنا أن نقف على حقيقة ما جرى فى مصر المحروسة خلال العقد المنصرم لابد وأن ننظر أولا نظرة بانورامية على شكل وحجم ونوعية «المعمور فى مصر» قبل عشر سنوات، بداية كان حجم المعمور يدور حول ٧٪ من مساحة مصر الكلية دون الكتل المائية، وكانت العشوائية وعدم التخطيط هى السمة الغالبة لشكل هذا الحجم المعمور، بينما كان «القبح المعمارى» هو سيد الموقف بلا شك، الآن تغيرت الصورة تماما، فنسبة المعمور تمددت وفق مخطط عمرانى شديد البراعة يراعى كافة الشواغل التنموية والتاريخية والثقافية والديموجرافية حيث وصلت النسبة وزحفت قفزا إلى رقم 14٪ لأول مرة فى تاريخ الدولة المصرية، معنى ذلك أننا ضاعفنا من حجم المعمور وكانت التكلفة الإجمالية قرابة 10 تريليونات جنيه مصرى تم ضخها وحقنها فى جسد الدولة وفقا للمخططات العامة، وكما يقول الدكتور عاصم الجزار أستاذ التخطيط العمرانى ووزير الإسكان «العمران وعاء التنمية» فلا يمكن أن تكون هناك تنمية حقيقية دون خلق أوعية تستوعبها وتتفاعل معها وتلبى احتياجاتها وتطوراتها، والملاحظ أن أوعية التنمية فى مصر كانت قد امتلأت عن آخرها حتى فاضت عشوائية شديدة القبح، شريط ضيق نعيش فيه ونبنى على أراضيه ونزرع ونصنع فى نفس المكان، نفس الشريط الضيق يستقبل سنويا 2.5٪ زيادات سكانية، فلك ان تتخيل حجم التكدس والعشوائية وعدم القدرة على التنفس التنموى، ما جرى فى مصر ببساطة هو خلق أوعية جديدة تستوعب المشروعات التنموية الجديدة، فالأوعية القديمة ما عادت قابلة لاستيعاب المزيد بل يجب ان يتم تفريغ جزء من حمولتها الزائدة، انتقلنا بأفكارنا من النهر إلى البحر حيث امتد العمران طرقا ومسارات وإسكاناً ومرافق إلى كافة ربوع الجمهورية فى كافة الاتجاهات وفى وقت واحد لخلخلة الكتلة السكانية بعيدا عن الجلطات الديموجرافية المميتة وهذا خلق ــ لأول مرة فى تاريخ مصر ــ أوعية جديدة للتنمية المستدامة، لدينا قصة نجاح عظيمة وحكايات يجب أن تروى بجاذبية للناس، يا ليت ابن خلدون كان بيننا الآن ليكتب فى نظرية وفلسفة العمران التنموى ولكن من واقع النسخة المصرية الفريدة، لا أدرى لماذا نحن بارعون فى جلد الذات والسخرية من إنجازاتنا؟ ولماذا نمارس الزهد وعدم الاكتراث واللامبالاة والتغافل عما أنجزناه؟

زر الذهاب إلى الأعلى