صوت مصر في رصاص مقاتليها!!
الكاتب أ / يسري السيد
لا يوجد أغلى من الوطن ولا يوجد أغلى من الحياة، وعندما يمتزج الوطن بالإنسان، والإنسان بالوطن، يكون حاصل الامتزاج الشعب المصري…
هذا المزيج عمره الآلاف من السنين غير المعروفة وقبل التدوين ، سواء على الحجر أو الجدران أو البردى…
صحيح كان البشر وقتها لا مقر ولا مستقر لهم إلا حيث يوجد الكلأ… لكن في مصر الوضع مختلفا، الارتباط بالأرض لم يبدأ وينتهي بالزراعة كما يظن البعض حيث الاستقرار، ولكنه في أعماق المصري يسكن مع جيناته في الريف والحضر، في الصحراء إلى المدن حيث يفكر المصري ألف مرة قبل الانتقال من مكانه إلى آخر، من مسكن إلى آخر حتى في نفس الحي والمدينة!!
لذلك يكون الاحتفال بمرور 50 عاما هذه الأيام على انتصار أكتوبر له معان كثيرة
• في البداية من ولد في هذا اليوم بلغ عمره الخمسين عاما، وجرت في النهر مياه كثيرة..
في البداية لم تكن حرب أكتوبر مجرد جولة من الاشتباكات والمناوشات، لكن دخلت مصر الحرب وخلفها أكثر من 10 آلاف عام من الحضارة وبمفهومها الواسع وبجينات الوطن الساكنة في خلايا كل جندي وخلفه ملايين المصريين…
لم نحارب دفاعا عن لحظه أو طمع في مكسب، لكن الحرب كانت تعنى دفاعا عن تاريخ يرتكز عليه الحاضر والمستقبل… وهذه الحرب ما زالت صالحة لبث الدهشة والإدهاش لمن يراهن أو يدخل في تحد مع هذا الشعب الذي لم يسلم كلمة السر وقوته الحقيقية إلى أحد.
معطيات ومجريات وظروف حرب 6 أكتوبر تقول إن المصري إذا أراد فعلا، حتى ولو كانت موازين القوى الظاهرة ليست في جانبه لان القوة الحقيقية تكمن في جيناته وليس في منظومة صواريخ أو الات عسكرية حديثة… هذه القوة تدهش من يستفزها…
وما أشبه الأمس باليوم وأن تغيرت الأشكال والوجوه… العدو ما زال موجودا وان تغيرت أشكاله،… الجبهة واحدة وان تعددت جهاتها، والحرب التي تخوضها مصر الآن لا تقل ضراوة عما حدث في حرب اكتوبر
على سبيل المثال… في حرب أكتوبر… الساتر الترابي وخط بارليف ونيران جهنم القادرة على تحويل قناة السويس إلى جحيم، لم تصمد أمام العقلية والقدرة المصرية بدأت بخرطوم ماء وعكست قدرة جبابرة أدهشوا العالم بعبور أكبر مانع مائي بالجسد وليس بالصواريخ والطائرات فحسب…
أقصد الإنسان المصري القادر على التحدي والإدهاش لأنه ببساطه نتاج خليط من الحضارات صهرته في أتونها لتخرج خليط مدهش…
• قد يقول قائل وبشكل سريع : مالنا وما حدث، مالنا بالتاريخ الذي تعيشون فيه، نريد الحاضرالذي نعيش فيه والغد الذي ينتظر أولادنا
• الإجابة بسيطة… ما نقوله لا ينفصل ولا يبعد عما يطرحه البعض من تساؤلات
لان من قهر الأساطير وحطم المستحيل في 6 اكتوبر 1973 قادرا على تحطيم تحديات الحاضر وبلوغ المستقبل…
لأننا ببساطه نملك أكبر قوة لا تقهر… أقصد الإنسان المصري..!!
هذا الإنسان القادر كما يقول المثل الشعبي البسيط أن يصنع من الفسيخ شربات، نرى ذلك واضحا في كل مكان، عبقريات فردية هنا وهناك… عبقريات علمية وطبية وهندسية… إلخ، تحتل مكانات متميزة في المعاقل العلمية العالمية…، نسمع عن بعضها ولا نسمع عن أكثر من 99.9 % منهم رغم نجاحهم المدهش خارج حدود الوطن، وأكثر منهم داخل مصر… ميزة مصر الحقيقية أننا نعاني فيها من الوفرة والكثرة وليس من الشح والندرة…، لكن المهم التوجه بهم إلى القبلة الصحيحة،
إذا تم وضع وصياغة الهدف، تفجرت المعجزات داخل هذا الإنسان، ليدهش من حوله بفعل يؤكد أنه لا يعرف المستحيل .
• النقطة الثانية… إن الاحتفال بالانتصار في هذه الحرب يعنى أن التحدي مستمر، لم يتغير العدو وان تبدلت أشكاله، وأعتقد أن المعركة الكبرى التي نواجهها الآن هي معركة التقدم، وهي معركة أكثر ضراوة من أي حرب مضت، لأن الأمر ببساطة أن أي معركة ترتبط بزمن أو فترة وان طالت، لكن معارك التقدم مستمرة ولا تتوقف وتزيد ضراوتها مع التقدم المذهل الذي يحدث حولنا في كل لحظة، وعلينا حفز الهمم والتصميم والاراده لدخول هذه المعركة واثقين من النصر فيها لأننا ببساطه نملك أهم أدواتها، أقصد الإنسان المصري!!
ولن ندخل هذه المعركة إلا بسلاح العلم والبحث العلمي… ليس أي علم أو أي بحث علمي، لكن قمته… باختصار لا ينفع ” النص نص “، فالتعليم ليس رفاهية لكنه أمن قومي، وإذا كنا في حرب أكتوبر حققنا الانتصار حين تم الارتكاز على المؤهلات العليا والمتوسطة القادرة على التعامل مع التكنولوجيا وقتها، فما أشبه اليوم بالبارحة، لن يحفر لنا مكان في المستقبل سوى العلم ومستوى متقدم من التعليم والبحث العلمي
• ثالثا : أن انتصار أكتوبر لم يكن ليتم إلا بالتدريب الشاق، ومعركة التقدم اليوم لن تتم إلا بالعمل الشاق، ولا تنفع أنصاف الحلول أو ” النص نص”كما يقولون، من تقدم من الأمم دفع ثمن التقدم من الجهد والعرق والصبر… فهل نريد الانتصار في معركة اليوم أم نظل في فترة الا حرب والا سلم التي روج لها البعض ممن كانوا لا يفهمون الشخصية المصرية اثناء حرب الاستنزاف زما قبل حرب اكتوبر ، لا يفهموا الشخصيه المصريه التي تصمت حتى تستجمع قوتها، والصمت يفسره البعض تكاسلا أو خمولا، لكن حين يفاجئون بالمارد المصري يستغربون خروجه من القمقم في ومضه، لذلك يعي الأعداء هذه الحقيقة ، لذلك يبثون فينا الإحباط واليأس لأنهم يدركون أن المارد إذا أراد، لا يحده قمقم أو تكبله ظروف، وان غدا لناظره قريب…
نزار قبانى
• كتب الكثير عن هذه الحرب لكنني أتوقف كثيرا امام نزار قبانى وماكتبه… يقول شاعر العرب الأول:
«ست سنوات…
ومصر تبحث عن خاتمها المسروق
لجأت إلى الكهنة، والعرافين، وقارئي الغيب…
فأخبرها رئيس الكهنة أن خاتمها موجود في بطن حوت كبير… كبير…
رأسه عند شواطئ فلوريدا… وذيله في مياه إسرائيل…
ذهبت إلى الوسطاء… وأصحاب الكرامات… وصانعو الحجابين…
فأخبروها أن خاتمها موجود في صندوق ملك الجان…
وإنه لن يعيده إليها…
إلا إذا رهنت لديه أساورها، وأطفالها، وصامت سبعة أيام من كل أسبوع…
وصامت مصر 2190 يوما
وانتظرت مصر 2190 يوما…
وشحب وجهها…
ونقص وزنها…
وسكنت عصافير الحزن عينيها الجميلتين…
واشتكت مصر إلى الإنتربول، وإلي محكمة العدل،
وإلى القضاة ذوو البيروكات البيضاء، والمطارق الخشبية
فاكتشفت أن القضاة واللصوص…
مترادفات
يؤلفون شركة واحدة… لسرقة المجوهرات…»
«تتعرف مصر على وجهها في مرايا سيناء…
تقرأ اسمها في كتاب الشهادة، ومزامير العبور
تقرؤه في فرح المغامرة، وأبجدية الاقتحام…
تقرؤه في معاطف الجنود المسافرين إلى الضفة الثانية للكبرياء…
تقرؤه في جراحهم المتلألئة تحت الشمس كأحجار الياقوت…
وحقول شقائق النعمان…
وتكتشف مصر صوتها…
في رصاص مقاتليها… لا في حناجر مغنيها»
أخيرا… تحية إجلال واحترام للرئيس الراحل أنور السادات الذي تحمل المخاطرة وأتخذ قرار الحرب لإيمانه بالإنسان المصري، وتحية إجلال للبطل الحقيقي… الجندي والضابط… يعنى الإنسان المصري..!!
وما زالت المعركة مستمرة…!!