مقالات

الأقنعة تتساقط.. والمعادلة تتغير !!


الكاتب أ / علي هاشم

رغم ما يعيشه أهل غزة من مآسٍ مهولة سيظل السؤال: هل سيعود العالم بعد 7 أكتوبر إلى ما كان قبله..هل يمكن الثقة فى المنظومة الدولية وخصوصًا مجلس الأمن الذى فشل وعجز عن وقف إطلاق النار فى غزة على مدى أسابيع حملت من الآلام ومشاهد الدمار ما يفوق احتمال أى بشر..؟!
ما فائدة مجلس الأمن إذا لم يكن قادراً على حفظ الأمن والسلم الدوليين بسبب الفيتو الملعون..والأهم منع جرائم حرب كبرى موثقة صوتاً وصورةً، تتناقلها الشاشات ليل نهار دون أن يرف للمجتمع الدولى جفنٌ، حتى الأمم المتحدة باتت عاجزة عن حماية منشآتها وموظفيها فى غزة من بطش آلة الحرب الإسرائيلية الوحشية التى لا تقيم للعالم ومنظماته الدولية وزنًا ما دامت تتحصن بالحماية الأمريكية والدعم  الغربى اللامحدود بكل ما تعنيه الكلمة من معني..؟!
هل يمكن للغرب تحديدًا أن يعود مجدداً ليحدثنا عن حقوق الإنسان تلك الورقة السياسية البغيضة التى دأب على توظيفها بما يخدم مصالحه..وكيف يفعل وقد كان داعمًا سافراً لإزهاق الحق فى الحياة لأكثر من مليونى فلسطينى فى غزة ومن لم يمت منهم بالقصف والحرق والتدمير العسكرى مات جوعاً أو خوفاً وهلعاً.. بأى وجه سوف ينظر فى المرآة قادة الغرب الذين نافقوا إسرائيل بلا حدود.. ماذا يقولون لأبنائهم وعوائلهم.. هل ماتت «حقوق الإنسان» وجرى دفنها فى غزة.. هل تكون غزة مقبرة لدعاوى حقوق الإنسان كما ستكون مقبرة لأحلام نتنياهو ومستقبله السياسي.. كما ستدفع إدارة بايدن هى الأخرى حتمًا ثمن انحيازها الأعمى وسوء إدارتها للأزمة بل وتحريضها لإسرائيل بالمضى فى سفك الدماء واستهداف المدنيين حتى أنها رفضت أى هدنة إنسانية بل وتبنت بلا تردد السردية الإسرائيلية الكاذبة بأن ضرب مستشفى المعمدانى كان بأيدى المقاومة وليس بصواريخ أمريكا التى منحتها لإسرائيل قبل أن تعود الإدارة نفسها لتغيير لهجتها والتخفيف من وطأة الانحياز الأعمى لنتنياهو الذى لم يجد مفرًا سوى الهروب للأمام بإطالة أمد الحرب وممارسة مزيد من القتل والتدمير لغزة وأهلها، أملاً فى اقتناص أى نصر زائف ينقذ به نفسه من مغبة الفشل السياسى الحتمى والسقوط المدوى الذى ينتظره فى قادم الأيام وما يتبعه من حساب وعقاب ومحاكمات ربما تلقى به فى غياهب السجن.
ويبدو طبيعيًا فى ظل عجز المنظومة الدولية عن وقف المجازر فى غزة أن يصبح السؤال: هل تصلح منظومة الأمم المتحدة بحالتها الراهنة لإدارة العالم بعد أن تضع الحرب أوزارها هناك..هل من المقبول استمرار مجلس الأمن بتركيبته الظالمة، وآلية اتخاذه للقرارات الحاكمة للعالم والتى يشوبها عوار كبير وجور فادح للشعوب المستضعفة لحساب خمس دول كبرى باستطاعة واحدة منها أن تشهر سلاح «الفيتو» لشل حركة هذا المجلس وتعطيله عن ممارسة واجبه فى حفظ السلم والأمن الدوليين.. ألم تثبت حرب غزة فشل هذا المجلس وعدم صلاحيته لتحقيق العدالة الدولية ونصرة المستضعفين.. هل من العدالة غياب تمثيل دائم وفعال لقارة بأكملها بحجم أفريقيا وطائفة كبيرة من الدول الإسلامية والعربية تزيد على عدد الولايات الأمريكية…إلى متى يظل «الفيتو» وسيلة للفشل وليس أداة لضمان التعايش السلمى فى العالم..؟!..ماذا ينتظر العالم الحر حتى يتنادى لإصلاح الأمم المتحدة ومجلس أمنها لصياغة عقد دولى جديد تتعايش بمقتضاه دول العالم فى أمن وسلام..ألم تكن الحرب العالمية الثانية سببًا مباشراً فى تحول النظام العالمى من «عصبة الأمم» إلى الصيغة الحالية للأمم المتحدة بمنظماتها وآلياتها المختلفة وفى القلب منها مجلس الأمن..فماذا ينتظر العالم لتصويب مسار منظومته الأممية..هل ينتظر حربًا عالمية ثالثة تكاد البشرية تنزلق إليها دون أن تدرى إذا ما تركت قضية فلسطين دون تسوية عادلة وشاملة انطلاقًا من مرجعيات دولية اتخذت بشأنها قرارات دولية سابقة لم تجد للأسف طريقها للتطبيق والتحقق على أرض الواقع بسبب الفيتو «الملعون»وعربدة إسرائيل بغطاء أمريكى متصل..!!
لقد كانت أحداث غزة كاشفة لحقائق كثيرة جرى تغييبها عمداً؛ فالقوة الباطشة هى وحدها من يحكم العالم، والحق تلزمه قوة تحميه؛ وقد فرط العرب للأسف فيما يملكون من أوراق ضغط كانت قديمًا ناجعة ورادعة لكنهم للأسف لم يعودوا قادرين على توظيفها لخدمة مصالحهم الكبرى رغم أنها لا تزال بأيديهم؛ وهو ما بدا واضحًا فى مخرجات وقرارات القمة العربية الإسلامية الأخيرة التى جاءت دون طموح الشعوب وتطلعها نحو مستقبل أكثر أماناً وعالم عربى إسلامى أكثر التحامًا وتكاملاً وقوة وردعاً..!
لقد سقطت الأقنعة مع طوفان الأقصى وبات واضحًا أن الأسرة الدولية بوضعها الحالى غير قادرة على إنصاف المظلومين أو وقف شريعة الغاب والجرائم التى تمارسها إسرائيل بحق شعب أعزل أكثر ضحاياه من النساء والأطفال.    
لقد أسقط طوفان الأقصى أقنعة الغرب وفضح ازدواجية معاييره فى التعامل مع ضحايا الحروب؛ فبينما انتفض ليساعد أوكرانيا بكل وسيلة؛ بالسلاح والمال والدعم السياسى واللوجيستى فى مواجهة روسيا..وفى المقابل نراه يدعم الاعتداء الإسرائيلى الغاشم لإسرائيل على مدنيين أبرياء فى غزة بلا خجل ولا مواربة فى تناقض صارخ بين ما كان يدعو إليه طوال الوقت من دفاع مستميت عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومواثيق القانون الدولى الإنسانى واتفاقيات جنيف التى تلزم دولة الاحتلال بالحفاظ وحماية أرواح المدنيين تحت سلطة الاحتلال..كما حطّم «طوفان الأقصي» كل نظريات الأمن الإسرائيلية وفضح هشاشة دوائرها الأمنية والعسكرية والتى جرى اختراقها بأدوات بدائية، وربما ذكية بلغت حد احتلال مبان ومعابر ومستوطنات والعودة بأسري!!».
والحق أن  عملية «طوفان الأقصي» التى نفذتها المقاومة الفلسطينية فى عقر دار الاحتلال الإسرائيلي، فى 7 أكتوبر 2023، لم تكن مجرد عملية عسكرية عابرة للمقاومة بل تخطتها إلى أبعد من ذلك بكثير؛ ذلك أن تلك العملية كانت نوعية ومختلفة ومؤلمة عما جرى خلال السنوات الماضية، وهو ما يفسر ردة الفعل الإسرائيلية الغاشمة والمتهورة التى تجاوزت دائرة الدفاع عن النفس إلى الانتقام الجماعى بقتل أكثر من 11 ألفاً من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء على مدى 40 يوماً من العمليات العسكرية لجيش عرمرم مدجج بأحدث منظومة تسليح وتدمير لكنه لم يستطع اقتحام نفق واحد فى غزة ولا الإمساك بمقاوم واحد أسيرًا رغم المواجهات الضارية والالتحامات من النقطة صفر.!!  
«طوفان الأقصي» نقلت المعركة وللمرة الأولى لعقر دار الكيان الإسرائيلي، وزلزلت الثقة فى جيشه المتغطرس وأجهزته الأمنية وموساده الذى ملأ الدنيا ضجيجًا بالقدرة على السيطرة والهيمنة والذراع الطولي، ناهيك عن إعادة قضية فلسطين لصدارة المشهد العالمى وزيادة الوعى الدولى بالقضية وخروج  مظاهرات حاشدة غير مسبوقة فى الغرب تدعو لوقف إطلاق النار فى غزة والكف عن قتل المدنيين الأبرياء وتمكين الشعب الفلسطينى من حقوقه التاريخية، ناهيك عما فعله «طوفان الأقصي» من إحياء للروح الوطنية الفلسطينية، وتعزيز الشعور بالوحدة بين الفلسطينيين.
لاشك أن الفيتو الملعون تسبب دائماً وأبداً فى إخفاق مجلس الأمن فى حل مشكلات العالم..فكيف لخمس دول أن تتحكم فى مصاير هذا العالم..كيف تكون خصماً وحكماً فى الوقت نفسه..كيف تتخذ من قرارات المجلس غطاءً لنهب ثروات الدول المستضعفة، وسلب مقدراتها كما جرى للعراق وليبيا وسوريا.
لم يعد مستساغاً أن توظف الدول الخمس عضويتها بمجلس الأمن لفرض الهيمنة وتكريس الصراعات وتصفية الحسابات على الساحة الدولية ومنح امتيازات لدول هنا وسلب مقدرات دول هناك..فكيف لهذا المجلس أن يغض الطرف عن فضح انتهاكات دول معروفة برعايتها  وتمويلها للإرهاب وتسعى لتمزيق أواصر الدول العربية وتقسيمها على أسس طائفية وعرقية والزج بها فى أتون حروب أهلية تضيع بسببها دول وتتشرد بفضلها شعوب.
و فى سياق كهذا يبدو إصلاح النظام الدولى فريضة واجبة إذا ما أريد استعادة مصداقيته وتأثيره فى إقرار العدالة والأمن فى العالم وهو ما لن يتحقق إلا بإصلاح منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما طالب الرئيس السيسى بتوسيع عضوية المجلس لكسر احتكار القوة من جانب دول بعينها..وإلى أن يتحقق هذا الرجاء فليس أمام العرب إلا تقوية أنفسهم واستعادة قوتهم الذاتية كأمة واحدة تحرص على تنمية شعوبها علمياً وصحياً وتحقيق التكامل بين أقطارها فى جميع المجالات وإنشاء قوة عربية مشتركة للردع والدفاع عن مصالحهم الإستراتيجية إذا أردنا أن يكون لنا شأن فى هذا العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى