الصديق الغريب !!
الكاتب أ / عبد الوهاب عدس
بالرغم من أنه فعلا ضيف غريب .. لكنه سرعان ما يصبح من اعز الأصدقاء .. وأكثرهم قربا .. بل وأصدق ونيس انه الكتاب الذى يدخل قلبك وعقلك دون استئذان .. بل ويجعلك تعيش فى عالم آخر .. انه الضيف الذى يفرض نفسه عليك .. ومع ذلك تحبه وقد ترجع اليه فى اوقات كثيرة .. والبعض منا يسارع بشراء كتاب لمجرد انه يحمل اسم كاتب معروف ومشهور .. او لمجرد انه أعجب بعنوانه .. او عندما تحدث كيميا بين الكتاب والقارئ من اول نظرة .. وهذا أصعب أنواع الحب الذى لا ينتهى .. وانا هنا لا اتطرق لكتاب القرآن الكريم .. لأنه كلام الله .. الذى يتعبد بتلاوته .. فهو لا يقارن بكل كتب الدنيا لأنها من صنع البشر .. إنما القرآن .. من صنع خالق البشر سبحانه .. وبذلك يكون القرآن الكريم .. هو الوحيد الذى لا يعتبر ضيفا غريبا .. ولابد ان نعترف .. بأننا امام تكنولوجيا قاسية .. تمنعنا من متعة القراءة .. ومتعة شهوة امتلاك الكتب .. وامامى نماذج .. اعتمدت على الكتاب .. امثال العقاد .. الذى اعتمد على الكتاب .. ليصبح من اكبر ادباء مصر والعالم العربى .. والذى كان يتباهى انه قرأ اكثر من ٥ آلاف كتاب .. وكل منا يتفاخر بأنه قرأ ويقرأ العديد من الكتب .. فقد كانت قراءة الكتب من علامات الثقافة والاطلاع واتساع المعرفة وثقل الشخصية واتزانها .. بل وتهذيبها ايضا .. وهنا يقفز السؤال .. لماذا الكتاب ؟! لأن الكتاب عصارة فكر وخبرة وتجارب الكاتب وايضا اطلاعه .. والاهم خياله .. ودائما ما يعرف الكاتب بأنه صاحب خيال خصب .. فالخيال اعظم دافع للإبداع .. وطبعا الموهبة التى قد يمنحها الله لبعض الكتاب .. والتى يمكن ان يحل محلها الاجتهاد والمصابرة .. بالاضافة إلى توفيق الله .. انظروا الى وليم شكسبير .. أعظم الأدباء والشعراء وكتاب المسرح .. ليس فقط فى انجلترا .. بل فى العالم .. فى القرن السادس عشر .. واطلقوا عليه الشاعر القومى للانجليز .. عاش حياة فقيرة بسيطة .. ونظرا لفقر اسرته .. توقف تعليمه عند المدرسة الابتدائية بقريته ستراتفورد ابون افون بانجلترا .. وقد مات بها فى ٢٣ ابريل ١٦١٦ .. وقد تعلم فى هذه المدرسة مبادئ وأسس اللغات اللاتينية واليونانية والفرنسية .. وكان يساعد والده فى الزراعة صباحا .. وفى المساء يقرأ فى كتب التاريخ والادب الكلاسيكى .. تخيلوا هذا العملاق الذى ما زالت رواياته واشعاره وكتبه .. التى كتبها فى القرن السادس عشر .. تحقق اليوم أعلى المبيعات .. بل وتدرس فى كليات الفنون والآداب .. هذا المبدع تأكدت عبقريه .. فى تحليل النفس البشرية .. والمواقف الانسانية وسلوك الناس .. جسد بكل براعة نوازع النفس البشرية .. دوافع الغيرة والحقد والانتقام والخيانة والبخل والانانية والحب والعشق ونكران الجميل والكراهية .. واصبحنا نستخدم عباراته .. مثل : حتى انت يا بروتس .. كدليل مادى قوى عند خيانة اى صديق لصديقه كما خان بروتس اقرب الأصدقاء للملك .. الملك نفسه .. بطعنة قاتلة .. ومن اعظم مسرحيات شكسبير .. صاحبة أثر فى نفس كل من يقرؤها .. عطيل _ الملك لير _ ماكبث _ هاملت _ يوليوس قيصر _ تاجر البندقية _ ضجيج بلا طحن .. وامامى كاتب انجليزي آخر .. تشارلز ديكنز ( ١٨١٢ _ ١٨٧٠ ) وقد تأثر بمعاناته القاسية فى بداياته .. فقد اشتغل وهو فى عمر الثانية عشر .. فى محل دهان الاحذية .. عاش طفولة بائسة .. فقد دخل ابوه السجن لكثرة ديونه .. وفجأة يرث والده ثروه من احد اقربائه .. يسدد ديونه ويلحق ابنه تشارلز ديكنز بمدرسة راقية .. كان يكتب القصص ويقرأها بنفسه على زملائه فى المدرسة .. ثم عمل كمراسل صحفى بالاضافة الى عمله كسكرتير محامى .. ثم تفرغ للكتابة .. وقد انعكست معاناته وصعوبة الحياة .. على رواياته وكتبه .. وقد برع فى وصف المبانى والاماكن التى عمل بها مثل المحاكم والمدرسة وغيرها .. بوصف دقيق رائع .. ومن اعظم رواياته اوليفر تويست التى فجر خلالها ما يتعرض له الأطفال من أساليب اجرامية وأحوال غير انسانية .. ورواية ديفيد كوبر فيلد _ وحكاية مدينتين ( لندن وباريس ) .. من الكتاب الذين تركوا بصمة كبيرة فى حياتنا .. وجين اوستن ( ١٧٧٥ _ ١٨١٧ ) .. الإنجليزية التى كتبت أولى كتبها فى الثالثة عشر من عمرها .. ومن اعظم رواياتها التى ظهرت عام ١٨١٣ ومازالت تحقق أعلى المبيعات وتدرس فى كليات ومعاهد الفنون والآداب : Pride and Prejudice كبرياء وتحامل .. وهى التى تم تحويلها الى مسلسل تليفزيونى .. اذيع فى معظم دول العالم وحقق نجاحا مذهلا .. نجحت فى نقل الحياة الاجتماعية والزوجية والاسرار العائلية وسلوك الناس ببراعة ودقة عظيمة .. ومن اعظم الكتاب الامريكان ماركوتوين ( ١٨٣٥ _ ١٩١٠ ) .. اول من استعمل اسم معار غير اسمه الحقيقي .. اسمه الحقيقي لانجهورن كليمنس .. كما انتقد تجارة العبيد التى كانت أيامه .. بدأ حياته بائع صحف .. وصبيا عند حداد وعاملا فى صيدلية ثم عاملا فى مطبعة وعاملا فى منجم .. واعد نفسه ليصبح واحد من اعظم الأدباء والصحفيين فى امريكا بل فى العالم .. عاش فى آخر أيامه حزينا لوفاة زوجته ثم بناته .. تعمدت ان اكتب عن هؤلاء .. كأدباء وصلوا للعالمية .. ترجمت كتبهم لأكثر من ٥٠ لغة .. واغلبها قدمت كأفلام سواء فى السينما او التليفزيون .. كنماذج تستحق ان نقرأ أعمالها .. أقدمها للقارئ المصرى .. واعترف بأن لدينا عمالقة .. لهم بصمة قد لا يمحوها الزمن .. كالاسطورة طه حسين _ والعبقرى العقاد _ ونجيب محفوظ _ وتوفيق الحكيم _ ويحيى حقى _ وانيس منصور _ يوسف إدريس _ يوسف السباعي _ عمر طاهر _ عبد الوهاب المسيرى _ د. جمال حمدان _ وحيد حامد _ الفريد فرج _ عبد الرحمن الخميسي _ جمال الغيطانى _ يوسف القعيد _ احمد مراد والذى يعتبر من اعظم كتاب الرواية الحاليين من اعماله : روايات : الفيل الأزرق _ تراب الماس _ أرض الإله _ موسم صيد الغزلان وأحدث اعماله ابو الهول .. المطروح حاليا فى الأسواق .. والكاتبة المنحازه للتاريخ ريم بسيونى وغيرهم طبعا .. وبقى ان اقول .. ان الكتابة فن .. وان الكتاب رسل يحملون مشاعل التنوير .. يغذون الروح .. ويبعثون الامل بتقديم ابطال رواياتهم كنماذج وقدوة امامنا .. وهؤلاء كتاب يعيشون معنا .. فكل منهم يبحث عن هدف وقيمة من وراء مؤلفاته .. وما اعظم هؤلاء .. عندما يحمل ابطال رواياتهم مبادئ الحق والخير والعدل والجمال .. ما أجمل هؤلاء الضيوف الذين لديهم ملكة التحول سريعا .. من ضيوف غرباء الى اعز الأصدقاء يلازموننا مدى الحياة .. اقول ان القراءة حياة .. تلازمنا طوال العمر فاغتنموها لتسعدوا .