مقالات

متى‭ ‬يعتذرون؟


الكاتب أ / نشأت الديهي

فى‭ ‬جولتى‭ ‬اليومية‭ ‬بين‭ ‬الصحف‭ ‬لقراءة‭ ‬مقالات‭ ‬وأعمدة‭ ‬الرأى‭ ‬اليومية‭ ‬توقفت‭ ‬مصدوما‭ ‬عند‭ ‬مقال‭ ‬الدكتور‭ ‬اسامة‭ ‬الغزالى‭ ‬حرب‭ ‬فى‭ ‬الأهرام‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬اعتذار‮»‬‭ ‬والذى‭ ‬يعلن‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬شديد‭ ‬اعتذاره‭ ‬للقارئ‭ ‬العربى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سماه‭  ‬حسن‭ ‬ظنه‭ ‬بالإسرائيليين‭ ‬،‭ ‬هنا‭ ‬أتذكر‭ ‬كيف‭ ‬كنا‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬الجامعة‭ ‬نكره‭ ‬التطبيع‭ ‬والمطبعين‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتفاخرون‭ ‬بزيارة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومنهم‭ ‬الدكتور‭ ‬أسامة‭ ‬الغزالى‭ ‬وجماعة‭ ‬كوبنهاجن‭ ‬،‭ ‬كنت‭ ‬أنظر‭ ‬اليهم‭ ‬بارتياب‭ ‬شديد‭ ‬وكنت‭ ‬اتساءل‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬يدفع‭ ‬مثقفاً‭ ‬من‭ ‬الوزن‭ ‬الثقيل‭ ‬للانحياز‭ ‬لهذا‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيونى‭ ‬الذى‭ ‬أخبرتنا‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭ ‬ليعيش‭ ‬على‭ ‬أنقاضنا‭ ‬،‭ ‬ومؤامراته‭ ‬التاريخية‭ ‬الثابتة‭ ‬وخططه‭ ‬المستقبلية‭ ‬موثقة؟‭ ‬ألم‭ ‬يقرأ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكتاب‭ ‬الكبار‭ ‬ما‭ ‬قرأناه‭ ‬نحن‭ ‬الصغار‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونبة‭ ‬وكوارثها؟‭ ‬لقد‭ ‬أيقنت‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬إما‭ ‬يعملون‭ ‬لحساب‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يقرأوا‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬التى‭ ‬قرأناها‭ ‬صغارا‭ ‬من‭ ‬الاساس‭! ‬وكنت‭ ‬اتساءل‭ ‬وأقول‭ ‬ربما‭ ‬أيضا‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬نفهم‭ ‬ما‭ ‬قرأناه،‭ ‬وأتساءل‭ ‬حزينا‭ : ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬حق؟‭! ‬لقد‭ ‬شككنا‭ ‬هؤلاء‭ ‬فى‭ ‬أنفسنا‭ ‬وفى‭ ‬مدى‭ ‬فهمنا‭ ‬ووعينا‭ ‬وايماننا‭ ‬بمواقفهم‭ ‬تجاه‭ ‬الصهاينة‭ ‬الذين‭ ‬ذبحوا‭ ‬أبناءنا‭ ‬فى‭ ‬دير‭ ‬ياسين‭ ‬وبحر‭ ‬البقر‭ ‬وقانا‭ ‬وغيرها‭ ‬،‭ ‬اليوم‭ ‬يخرج‭ ‬علينا‭ ‬الدكتور‭ ‬ليقدم‭ ‬اعتذارا‭ ‬تاريخيا‭ ‬يفوق‭ ‬فى‭ ‬تقديرى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬فى‭ ‬الافق‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬موقفا‭ ‬انسانيا‭ ‬وليد‭ ‬اللحظات‭ ‬التى‭ ‬نرى‭ ‬فيها‭ ‬فيضانات‭ ‬الدم‭ ‬،‭ ‬لقد‭ ‬كفر‭ ‬المطبعون‭ ‬باسرائيل‭ ‬وأيقن‭ ‬الجميع‭ ‬أنهم‭ ‬امام‭ ‬‮«‬عصابة‮»‬‭ ‬وليسوا‭ ‬امام‭ ‬دولة‭ ‬او‭ ‬مشروع‭ ‬دولة‭ ‬،‭ ‬أعود‭ ‬الى‭ ‬مقال‭ ‬الصدمة‭ ‬للدكتور‭ ‬اسامة‭ ‬الغزالى‭ ‬حرب‭ ‬والذى‭ ‬اختصرته‭ ‬وأبقيت‭ ‬على‭ ‬الزوايا‭ ‬الرئيسية‭.‬
يقول‭ ‬الرجل‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬اعتذار‭ ‬أعلنه‭ – ‬أنا‭ ‬أسامة‭ ‬الغزالى‭ ‬حرب‭ – ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات،‭ ‬عن‭ ‬موقفى‭ ‬الذى‭ ‬اتخذته،‭ ‬كواحد‭ ‬من‭ ‬مثقفى‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬إزاء‭ ‬الصراع‭ ‬العربى‭ – ‬الإسرائيلي،‭ ‬بعد‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬المعايشة‭ ‬ومئات‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬والمقالات،‭ ‬والمقابلات‭ ‬الصحفية،‭ ‬والزيارات‭ ‬الميدانية‭! ‬وقمت‭.. ‬بزيارة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتحملت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الإدانات‭ ‬من‭ ‬معارضي‮»‬التطبيع‮»‬‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المصريين‭ ‬والنقابات‭ ‬المهنية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬إننى‭ ‬اليوم‭ -‬وقد‭ ‬تابعت‭ ‬بغضب‭ ‬وسخط‭ ‬وألم‭- ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬وفظائع‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬يندى‭ ‬لها‭ ‬جبين‭ ‬الإنسانية،‭ ‬يقتل‭ ‬فيها‭ ‬آلاف‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬وتدمر‭ ‬فيها‭ ‬المنازل‭ ‬والمبانى‭ ‬على‭ ‬رءوس‭ ‬البشر،‭ ‬وتصطف‭ ‬فيها‭ ‬جثث‭ ‬الأبرياء‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يدفنها‭….. ‬أقول‭ ‬إنى‭ ‬أعتذر‭ ‬عن‭ ‬حسن‭ ‬ظنى‭ ‬بالإسرائيليين،‭ ‬الذين‭ ‬كشفوا‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬عنصرية‭ ‬اجرامية‭ ‬بغيضة‭. ‬أعتذر‭ ‬لشهداء‭ ‬غزة،‭ ‬ولكل‭ ‬طفل‭ ‬وامرأة‭ ‬ورجل‭ ‬فلسطيني‭. ‬إنى‭ ‬أعتذر‭!‬‮»‬‭.‬
اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬يخرج‭ ‬الدكتور‭ ‬اسامة‭ ‬الغزالى‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬طابور‭ ‬المطبعين‭  ‬ليقف‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬معترفا‭ ‬بخطئه‭ ‬التاريخى‭ ‬ومتراجعا‭ ‬عن‭ ‬افكاره‭ ‬وهذا‭ ‬موقف‭ ‬شجاع‭ ‬وجرىء‭ ‬يحسب‭ ‬للرجل‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬السن‭ ‬وبهذه‭ ‬القيمة‭ ‬والمصداقية‭ ‬والتجرد‭ ‬،‭ ‬فمتى‭ ‬يخرج‭ ‬باقى‭ ‬المطبعين‭ ‬من‭ ‬الطابور‭ ‬الذى‭ ‬أظنه‭ ‬خامسا؟

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى