مقالات

رسائل طه حسين 

عبد الوهاب عدس

كشف كتاب رسائل طه حسين  .. للكاتب الصحفى الكبير ابراهيم عبد العزيز  .. الجانب الإنسانى لدى د. طه حسين  .. فقد حصل كاتبنا على مجموعة الرسائل التى كانت تصل إلى عميد الأدب العربى من كبار الكتاب ورموز العمل الادبى والسياسى فى ذلك الوقت  .. هذه الرسائل لا تكتب الا لرجل انسان اسمه طه حسين  .. تصوروا مثلا .. الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس  .. يقول لطه حسين فى رسالته  .. التى وضعها المؤلف فى الكتاب هى .. هى .. كما كتبها إحسان بخط يده .. يقول فيها  : أتعرض لأكبر نصيب من الحملات المضادة .. حملات سياسية ، وحملات أدبية  .. اننى أقف وحدى .. الدنيا تغيرت : الناس الان الذين يتكلمون بصوت عال لا يقولون رأيهم .. يسألون عن رأى الحكومة  .. لا يحددون موقفهم من القضايا العامة او الخاصة  .. وهذا ما اشاع فى نفسى اليأس  .. منذ فترة أشعر بالوحدة .. والبرودة .. والانطواء  .. ولا أريد أن أقول : القرف .. وبعد يا استاذى بالرغم من كل ذلك  .. انى اليوم احس بقوتك وفضلك ، اكثر مما أحسست بها فى اى يوم مضى .. وتسألني ماذا اريد  .. لا شئ .. لا شئ اطلاقا .. اشكرك لأنك اتحت لى فرصة للتفريج عن نفسى  .. وأشكرك مرة ثانية لأنى بالأمس فقط قرأت ربما للمرة العاشرة  _ احلام شهرزاد  _ وبما ان قراءتى لها هى التى دفعتنى الى الإطالة عليك  .. عشت لنا طويلا  .. هذه الرسالة تعكس اكثر من معنى ورمز  .. فالمعنى ان كاتب كبير فى حجم المبدع إحسان عبد القدوس  .. عندما عاش ازمة نفسية .. لم يجد أمامه سوى طه حسين  ليخرج له ما فى صدره  .. وهو يعلم جيدا .. لمن يكتب .. والاكثر من ذلك ان طه حسين  .. فتح قلبه لكل من يقصده  .. لدرجة انهم يلجأون اليه فى ازماتهم  .. وكأنه المنقذ .. صاحب اليد الحانية .. اما الرمز فهو طه حسين نفسه .. شخصيته  .. انسانيته .. وامامى رسالة أخرى من د. سهير القلماوى  .. التى بدأت علاقتها بطه حسين  بعد ازمة حادة مع العميد الإنجليزى لكلية العلوم .. الذى رفض التحاقها بكلية الطب  .. فقد كان النظام يحتم دراسة تمهيدية للطب فى العلوم  .. كانت الفتيات ممنوعات من دخول الجامعة آنذاك  .. بالاضافة إلى أن شهادتها الثانوية ليست مصرية  .. فهى خريجة مدرسة الامريكان الثانوية بنات  ( كلية رمسيس حاليا ) .. ويصطحبها احد أقاربها الى د. طه حسين  .. وهنا يقف الى جوارها طه حسين  .. عميد كلية اللغة العربية  وعضو مجلس الجامعة  .. مقدما تفسيرا قاطعا للائحة الجامعة  ..  التى تنص : يدخل كلية الآداب قسم اللغة العربية الحاصل على البكالوريا او ما يعادلها .. فالحاصل على البكالوريا يدخل فيها الطالب والطالبة .. والبكالوريا وما يعادلها   تنطبق على الثانوية التى حصلت عليها من مدرسة أمريكية  .. وتلتحق سهير بكلية الآداب قسم اللغة العربية  .. كأول فتاة تدخل الجامعة  .. رغم أنف تقاليد المجتمع التى لم تكن تسمح بذلك  .. ولم تلتحق اى فتاة بقسم اللغة العربية  .. الا بعد حصول سهير القلماوى .. على الليسانس .. وتصبح سهير القلماوى أول إمرأة تحصل على الدكتوراه فى الآداب  .. وأول أستاذة فى قسم اللغة العربية  .. وأول رئيسة له  .. وقد أصرت د. سهير القلماوى  .. على أن يكون د. طه حسين  .. شاهدا على عقد زواجها  .. وهنا قفز امامى لحظات عشتها الشهر الماضى  .. فقد كان الشاهد على عقد  زواج هاجر إبنة شقيقى المحاسب القانونى حسن عبد الرؤوف عدس  .. الاستاذ الدكتور حسين امين  .. فهو عميد كلية الصحافة  ( مركز كمال أدهم ) بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والتى تعمل به هاجر معيدة .. وقد حصلت د. سهير القلماوى على الدكتوراه فى الف ليلة وليلة  .. من فرنسا  .. أتوقف هنا .. لأقول : اننى أغوص فى أعماق كل هؤلاء العمالقة .. كبديل لى عن عصر لم اعشه .. لكننى تمنيت أن اعيشه .. اغترف منه كل ما تصل اليه يداى .. وقد حقق لى الكاتب الكبير ابراهيم عبد العزيز  .. ما كنت اتمناه بكتابه هذا .. الذى قدم لنا فيه رسائل طه حسين  .. وقد عثر على هذه الرسائل عقب وفاة طه حسين  .. عن طريق حفيدته منى محمد حسن الزيات .. التى كانت تحتفظ بكل متعلقات جدها طه حسين  .. حتى إيصالات الكهرباء والمياه .. ويحكى لنا الاستاذ الدكتور أحمد امين  .. صاحب موسوعة فجر الإسلام  .. انه كان يعمل قاضي محكمة الازبكية الشرعية  .. فى عام ١٩٢٦ .. واذا بالدكتور طه حسين  يتصل به تليفونيا .. ويعرض عليه العمل مدرسا فى الجامعة .. وكانت كلية الآداب  .. فى ذلك الوقت بقصر الزعفران بالعباسية .. والذى اصبح بعد ذلك مقرا لجامعة عين شمس  .. وتدرج احمد امين فى المناصب حتى اصبح عميدا لكلية الآداب  .. وتخصص فى الاسلاميات  .. وكان من نتيجة ذلك فجر الإسلام  .. وضحى الإسلام  .. وقد قال طه حسين عن فجر الإسلام  .. ان د. احمد امين  .. حلل هذه الحياة العقلية العربية  .. تحليلا ليس أدق دقة واستقصاء من تحليل صاحب الكمياء فى معمله .. فقد نهض بهذا العبء .. كأحسن ما ينهض الرجل ذو الضمير العلمى الحى .. وقد اطلق لقب المثلث الذهبى للجامعة المصرية على : طه حسين _ احمد امين  _ عبد الحميد العبادى .. الذين اتفقوا على كتابة تاريخ الإسلام  : عقليا وسياسيا واديبا .. وكانت كلية الآداب تقوم كل سنة برحلات فى اجازة نصف السنة الى الشام وفرنسا والعراق والحجاز وهولندا وإنجلترا وبروكسل .. كل سنة دولة .. وكان د. عبد الرازق السنهورى .. الاستاذ بالكلية عضوا فى اغلب هذه الرحلات  .. ويكتب د. احمد امين قائلا للدكتور طه حسين  .. انه قام بشراء بدلة تفصيل تكلفت خمسة جنيهات مصرية من باريس .. ولابد ان اذكر ان د. عبد الحميد العبادى  .. هو احد الذين استعان بهم د. طه حسين لتقوية الجامعة الوليدة .. وقد اختير أستاذا للتاريخ الإسلامي  .. ثم عميدا لكلية الآداب جامعة الإسكندرية  وعضوا بمجمع اللغة العربية وعضو المجمع العلمى بدمشق .. كان أستاذا موهوبا .. جمع بين الأدب والتاريخ  .. وهو اول من ادخل دراسة تاريخ الأندلس فى مناهج الجامعة .. اقول .. رسائل طه حسين  .. تؤكد عظمة هذا الرجل  .. وكيف وهو الضرير .. يراسله كل من حوله كتابة .. ويبقى السؤال : هل يتكرر مثل هذا العبقري الاسطورة  .. ادعو معى له بالرحمة وان تكون اعماله فى ميزان حسناته .

زر الذهاب إلى الأعلى