حين قررت مشاهدة فيلم “رحلة ٤٠٤” كنت أراهن علي تاريخ صناع العمل وعلي رأسهم المتألقة دوما وصاحبة الادوار المميزة النجمة مني زكي ومعها مؤلف (محمد رجاء) ومخرج (هاني خليفة) لهما سابقة أعمال درامية مميزة مثل “الليلة وما فيها” و”فوق مستوي الشبهات”، وكان رهاني في محله. الفيلم يناقش قضية حساسة جدا الا وهي “التوبة” وامتحانات القدر للإنسان وهل يقبل الله توبة الانسان مهما كانت الخطايا والذنوب التي شابت ماضيه؟ وهل طريق التوبة سهل وهين علي الانسان الذي عاش حياة ملوثة عمرا كاملا؟!. ورغم اننا جميعا تقريبا نعرف الاجابة، إلا ان الفيلم يأخذنا معه في رحلة غادة بطلة القصة في محاولتها المضنية الثبات علي التوبة التي اختارت طريقها دون أن تشعر بلحظة ملل او ضجر، بل انك تلهث معها في رحلتها المضنية حتي تصل لهدفها دون أن تتخلي عما عقدت النية عليه.
غادة التي كانت تعيش حياة ملوثة والتي ارتكبت كل الكبائر في ماضيها وقررت أن تتطهر وتبعد وتسلك طريقا آخر لتنجو بنفسها هي مثال حي لكل إنسان يتعرض لتجربة صعبة في حياته. هنا تبدأ المعركة الضارية بين الشيطان الذي كان يمتلك هذه الروح الهالكة وبين الله الذي سيستردها اليه. الشيطان يحارب بكل قوة ويعبد للانسان طريقه ويزينه له ويسهل عليه كل الامور الخاطئة .. بينما الله لا يفعل ذلك بل يترك الانسان يواجه ليري أن كان فعلا عازما علي التوبة ام انها رغبة غير حقيقية وان الخطيئة مازالت تغرس جذورها في اعماقه.
الله يضع “غادة” في بوتقة الاختبار العظيم ليري ثباتها علي الطريق الذي اختارته، يتركها تواجه كل اغراءات الحرام السهل والهين ويراقبها وهي تضعف حينا وتتمسك به حينا حتي تأتي لحظة معينة وتأخذ قرارا محددا فتثبت انها فعلا لا تريد أن تستمر في طريق الشيطان. وحين يظن المشاهد انها ضعفت وان الله تخلي عنها يفاجئ الجميع بما فيهم البطلةان طريق الهلاك الذي كانت تظنه هو طريق النجاة والخلاص، وأن الله قبل منها التوبة فعلا ومد لها يد النجاة. لن اتكلم عن أداء الفنانين المشاركين في العمل لان جميعهم من الموهوبين الذين لا تغفل عين عن عبقرية اداؤهم في كل عمل يشاركون به.
فلو جاز لنا أن نطلق لقب سيدة الشاشة العربية علي غير فاتن حمامة فليس اولي به من “مني زكي” تلك المبدعة التي ادت دورا من أجمل ادوارها علي الشاشة الفضية واعتمدت علي تعبيرات العيون والوجه ليصل الي المشاهد كل تفاصيل شخصية غادة. “محمد فراج” وحش تمثيل يمكن بمشهدين فقط أن يخطف وجدانك وعقلك بأداء عالمي .
نفس الشئ يقال عن النجمين الكبيرين “محمد ممدوح” و”خالد الصاوي”. الفنانة رائعة الموهبة “شيرين رضا” تؤدي بروعة بلا افتعال او مبالغة رغم ان الدور يغري بذلك. الفنان “حسن العدل” ايضا كان في أروع حالاته وكذلك محمد علاء. وبالطبع كل هذا بفضل مخرج رائع قاد كل الفنانين ليخرج منهم أجمل ما عندهم.
وفي النهاية كل التحية والاحترام للمنتج الجرئ “محمد حفظي” علي الاقدام علي انتاج فيلم جاد يخاطب عقل المشاهد في فترة تعج بالافلام ضعيفة القيمة الفنية دون أن يخاف من مقصلة شباك التذاكر. اظن انه بتحقيق هذا العمل الجاد المحترم إيرادات عالية تشجيعا لمنتجين آخرين لتبني السينما الجادة وإنتاج أعمال تعيش لسنوات قادمة مثل “رحلة ٤٠٤”.