وكيل الأزهر: نربي طلابنا على قبول الاختلاف والتعددية المذهبية
عقدت مساء اليوم الاثنين، ندوة توعوية بمقر المركز الأوليمبي بالمعادي، حاضر خلالها الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف أبنائه من الشباب المصري الواعد من شباب الجامعات، في حديث مباشر، ناقش خلاله الكثير من الموضوعات الملحة واستعرض جهود الأزهر، محليا ودوليا، في نشر الوسطية والسلام والتسامح عبر العالم.
وفي بداية اللقاء، رحَّب الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة بفضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، بين أبنائه من الشباب المصري، معبرا عن شكره العميق للأزهر الشريف، بقيادة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، على تعاونه الدائم معنا، وعلى جهوده الكبيرة في نشر قيم التسامح والحوار وقبول الآخر عبر التواصل مع شبابنا للإجابة على كل ما لديهم من تساؤلات، ويسعدنا ما تمكنا من تحقيقه خلال الفترة الماضية من مبادرات مشتركة أسهمت في توعية الشباب، بما يتماشى مع توجهات الدولة المصرية من تنشئة أجيال جديدة واعية ومدركة لتحديات العصر وقادرة على مجابهتها.
وقال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، خلال لقائه مع الشباب، إن وجودي بين شباب الدفعة الثانية يغمرني بسعادة كبيرة لما ألمسه فيكم من أمل مفعم بالطاقة والحيوية، بما يبشر بغد أفضل لوطننا الغالي، مؤكدا أن مصر معروفة في تاريخها بحضارتها ورقيها ومكانتها المهمة، لما حباها الله به من مقومات عدة جعلتها دولة محورية، وهو ما جعلها جاذبة للأديان كلها، حيث دخلتها اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام، وقد أحسن أهل مصر استقبال الديانات الثلاث.
أوضح وكيل الأزهر خلال محاضرة توعوية للشباب بالمركز الأولمبي بالمعادي أن الإسلام قد استطاع أن يتعايش مع مصر التاريخ والحضارة، واستفاد من وضع مصر ومكانتها، وكانت مصر بما لها من حضارة وتاريخ مؤثرة في تاريخ الإسلام، مشيرا أنه وبدخول عمرو بن العاص بنى مسجدا حمل اسمه، ليصبح فيما بعد مركزا تنويريا مهما في مصر حينها، ومع دخول الفاطميين مصر، عملوا على إنشاء الجامع الأزهر منذ أكثر من ألف عام، ليكون مركزا حضاريا وفكريا تدرس فيه جميع العلوم، كما تم فيه تدريس جميع المذاهب الفقهية في سابقة هي الأولى حينها.
وبين وكيل الأزهر، أن المدرسة الأزهرية بذلك كانت مدرسة متميزة، بها من المقومات ما جعلها مستمرة منذ نشأتها وحتى الآن، فلم يتأثر الأزهر بتعاقب الحكومات وتغيرها ولا باختلاف السياسات، ولم يتأثر الأزهر بأي منها، بل هو الذي أثر فيها، مؤكدا أن الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف في حماية الدين ونشر التسامح مستمد من الإعمال العقلي المنضبط، القائم على الفهم الصحيح، عقيدة راسخة وإيمان ثابت بالتعايش السلمي والأخوة الإنسانية، وهذا هو سر تعايش المصريين معا في سلام لقرون طويلة، مهما اختلفت الديانات، انطلاقا من تعليمات نبينا الكريم الذي رسخ للتعايش منذ بداية الإسلام، عبر وثيقة المدينة، التي كانت الخطوة الأولى على طريق تعايش المسلمين سلميا مع غيرهم.
وأضاف وكيل الأزهر الشريف أن المنهج الأزهري يقوم أيضا على عقيدة راسخة، ثابتة وواضحة، تقوم أيضا على الفهم المستنير للنص، وبما يؤكد أيضا أهمية العقل المنضبط، للوصول لما فيها من بساطة ويسر ووضوح، وبما جاءت به من ترسيخ للتعايش والتعددية، وبما يضع معالما واضحة على طريق التعايش مع الآخر وقبول التعددية والاختلاف، لاقتا أن الأزهر الشريف يربي طلابه على قبول الاختلاف، فكثيرا ما تجد طلابا في فصل واحد ويدرسون مذاهب مختلفة، لغرس ثقافة قبول الاختلاف من صغرهم.
وشدد وكيل الأزهر أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال دون إفراط أو تفريط، فالمسلم كما هو مطالب بالعبادة، مطالب أيضا بإعمار الأرض وبنائها، وقد كقدم لنا نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فيما روي عنه في الصحيحين “أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهم: أما أنا فأصوم لا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فأقوم لا أنام، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: ما بال رجال يقول أحدهم كذا ، وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني”، في ترسيخ واضح للوسطية والاعتدال، وهذا هو جوهر المنهج الأزهري وأساس عقيدته.
كما استعرض التاريخ العلمي الزاخر للجامع الأزهر وتأثيره الكبير في محيطه المحلي والإقليمي، بما يفد إليه من طلاب من جميع دول العالم للدراسة بين أروقته، منذ مئات السنين، حيث كانت في الجامع الأزهر أروقة علمية تخص جميع الجنسيات ومختلف العلوم، موضحا أن الأزهر الآن له دوره الكبير أيضاعلى الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، ودوره البنَّاء في خدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية، ومواجهة الفكر المتطرف، ودعم السلام العالمي وترسيخ قيم المواطنة والأخوة الإنسانية، والحوار، وقد كان من أهم منجزات الأزهر مؤخرا إنشاء بيت العائلة المصرية، ليكون نموذجا فريدا يحتذى في تحقيق التعايش السلمي بين شقي الوطن وسد كل منافذ الفتنة، بجانب مبادرات الإمام الأكبر للحوار مع الفاتيكان وكنائس العالم، والتي توجت بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، تلك الوثيقة التاريخية المستوحاة من وثيقة المدينة.
وأضاف فضيلته أن جهود الأزهر امتدت لتشمل المواجهة مع الجماعات المتطرفة لتفتيد أفكارهم، فأنشأ مرصدا لمواجهة الفتاوى المتطرفة، وأكاديمية لتدريب الأئمة ومركزا للفتوى الإلكترونية، بكل منهم عشرات الباحثين والوعاظ الذين يواصلون اللليل بالنهار في مشابهة مثل هذه الأفكار وتفنيدها، ونشر المنهج الأزهري الوسطي في مصر والعالم، موضحا أن الأزهر يستقبل سنويا عشرات الآلاف من الطلاب الوافدين من معظم دول العالم، كما أن له مبتعثين يقومون بتدريس المنهج الأزهري في الكثير من دول العالم.
أشاد وكيل الأزهر بالتعاون الكبير والبناء بين الأزهر الشريف ووزارة الشباب والرياضة بقيادة الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، لتعزيز الجهود الوطنية في خدمة الشباب وتأهيلهم وتنظيم حقبة متنوعة من المبادرات للتواصل المباشر مع الشباب والتعرف على ما يواجههم من تحديات ومشكلات، ومساعدتهم على حلها، مع تحذيرهم من مخاطر الفكر المتطرف وتعريفهم على المنهج الوسطي المتسامح.
واختتم اللقاء باستماع فضيلته لبعض التساؤلات من الشباب والرد عليهم بشكل مبسط أزال ما لديهم من لبس عن الكثير من الموضوعات، حيث أوضح فضيلته أن الإسلام لم يكن أبدا لينتقص من المرأة، بل منحها مكانة كبيرة، على عكس ما يثار، وكان لنا القدوة في ذلك حين نزل على مشورة أم سلمة، بأن يرجع مع صحابته للمدينة على أن يعودوا العام المقبل لدخول مكة، كما قدم لهم مجموعة من النصائح التي تساعدهم في التغلب على ما يواجههم من صعوبات وتحدِّيات.