وبدأنا رمضان.. واختفي شياطين “الإنس”.. وعاد الأمل
السيد البابلي
وبدأت أيام وليالي الشهر الفضيل.. قلوبنا تتهيأ لأيام المغفرة والرحمة ونفوسنا تسمو وتعلو فوق دنايا الدنيا ومغرياتها وأيادينا تتضرع إلي المولي عز وجل بالدعاء أن يكتب لنا السلامة في كل خطوة نخطوها وأن يرزقنا رزقا حلالا طيبا.. وأن يكتب لنا نعمة الستر ونعمة الصحة ونعمة القناعة والرضاء ونعمة الأمل والتفاؤل.. أن يكتب لنا الله الصفاء مع أنفسنا ومع الآخرين.. وأن تكون أيامنا خيرا وبركة ومحبة.. أن نكون دائما وأبداً أمة محمد بن عبدالله خير من أنجبت البشرية وأعظم العظماء.. ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “حديث صحيح”.. فاللهم اكتب لنا صيام رمضان.. صياما به نتقرب إليك.. وصياما به نأمل عفوك ورضاك.. يا رب.
*
ومع بدايات الشهر الفضيل كانت الأخبار مطمئنة ومشجعة عن قرب اختفاء شياطين الإنس من الذين تلاعبوا بنا علي مدار فترة طويلة.. دخلوا بنا إلي مغارات مظلمة كنا نعتقد ان الخروج منها هو نوع من المستحيلات.. تاجروا بالدولار والجنيه.. ضاربوا علي الأسعار وقوت الناس.. كان همهم الأول جني الثروات حتي لو كان في ذلك هدم للبلد وتدمير لحياة غيرهم.. هم تجار احترفوا كل أنواع الفساد والاستغلال.. أرادوا أن يجعلوها أنقاضا ليتراقصوا فوق أرضها وعليها وليس مهما عدد الضحايا أو الخسائر ولكن الله سلم.. الله كان حافظا وحاميا لهذا الوطن.. فكتب لنا وقدر لنا طريق النجاة والإنقاذ قبل أن يهل علينا الشهر الفضيل.. الله ادخل الطمأنينة في قلوبنا فمنحنا الإرادة والعزيمة والأمل.. وبدأت البشائر تتوالي. فالسوق الموازية أو السوق السوداء للدولار تتهاوي والإقبال علي البنوك للتخلص من الدولار يتزايد.. والبنوك.. البنوك لأول مرة تخاطب رجال الأعمال والمستوردين لفتح اعتمادات دولارية لتمكينهم من تلبية احتياجاتهم وشياطين الإنس الذين قاموا بتخزين الدولار في ورطة.. وتجارة العملة لم تعد مغرية.. وعاد الأمل.. وعادت الحياة.. وانتظروا النتائج الطيبة.. وقد تعلمنا من الأزمة الكثير وفيها كل العظات والعبر.. ورب ضارة كانت نافعة.. ونافعة جدا جدا.
*
ولكن ماذا عن تجار الشر الذين يتاجرون في الإنسانية ويلتفون علي القانون للاستفادة والتربح من معاناة الغلابة وذوي الهمم.
ان الدولة المصرية قدمت أفضل ما يمكن تقديمه لذوي الاحتياجات الخاصة ولذوي الهمم من خلال بطاقة خدمات متكاملة تتيح لهم استيراد سيارات خاصة معفاة من الجمارك والضرائب إلي جانب حزمة من الخدمات والتيسيرات والامتيازات التي تخفف من آلام ومعاناة هذه الفئة من الناس وتمنحهم الحق في الحياة بآدمية ومساواة مع الآخرين وتعمل علي دمجهم في المجتمع.
ولكن.. وآه من لكن.. ولكن تجار الشر.. تجار الفهلوة.. تجار الإنسانية سارعوا إلي إيجاد طرق وثغرات للاستفادة من مبادرة الدولة لاستيراد سيارات لذوي الحالات الخاصة وقرروا التربح منها عن طريق استيراد سيارات بأسماء من لهم الحق في الاستيراد ثم شراؤها بتوكيل خاص مقابل مبالغ مالية زهيدة..!
ولم يكتفوا بالتحايل بالشراء وانما كشفت الرقابة الإدارية عن وجود شبكة فساد من بعض الموظفين في عدد من المحافظات تقوم بالتحايل والتلاعب في الأوراق لاستخراج بطاقات الخدمات المتكاملة واستخدامها في استيراد سيارات ركوب خاصة دون سداد الرسوم الجمركية والضرائب المستحقة..!
والتحقيقات جارية حاليا لكشف المتورطين في هذه العمليات وإيقاف التحايل والغش والبيانات والمعلومات.
وهي قضية نأسف للحديث فيها.. فالدولة لم تدخر وسعا في ظروفها الصعبة وقررت ان الأولوية لذوي الاحتياجات الخاصة.. وأتي ذوي المهارات الخاصة في النصب والفساد ليقرروا استغلال هذه المبادرة الإنسانية في التربح والثراء في غياب للضمير.. في غياب للإنسانية وفي ظهور جديد لأسوأ أنواع الفساد.. ناس معندهاش دم..!
*
والصورة حلوة.. هناك بقع سوداء تظهر قاتمة في الصورة.. ولكن الخلفية بيضاء تعكس كل الملامح.. وفي الدقهلية كانت الصورة جميلة في حملات أمنية للنظام والنظافة وتسهيل الحركة المرورية بالتخلص من الباعة الجائلين وإبعادهم عن مناطق الزحام والأرصفة.
والجديد في هذه الحملات كما بعث لي أحمد فراج من الدقهلية هو أسلوب الشرطة في اقناع الباعة الجائلين بالتحرك إلي أماكن أخري بعيدة عن الشوارع الحيوية. فبعيدا عن أسلوب مصادرة البضائع أو الإلقاء بها علي الأرض فإن مأمور مركز المنزلة فتح حوارا مع الباعة الجائلين قائلاً لهم “لا نريد إلا النظام والالتزام.. عاوزينكم تبيعوا وتبقوا كويسين” والرد كان مثاليا وإيجابيا “حاضر يا فندم”..! ونعم حاضر يا فندم في كل لغة حوار تتسم بالرقي.. حاضر يا فندم لأن المصلحة واحدة.. وحاضر يا فندم لأن الكلمة الطيبة لها مفعول السحر.. وحاضر يا فندم في كل المواقف مادام الاحترام موجودا ومتبادلا.. وحاضر يا فندم عندما نشعر بأن كلنا شركاء في المسئولية.. وحاضر يا فندم لأننا جميعا نريد النظام والالتزام.
*
ولن يفسد الرياضة في مصر إلا تجار الرياضة علي الفضائيات من معلقين ومحللين يريدونها فتنة كروية ويقومون بالتحليل والتقييم بدوافع وخلفيات خاصة وبإدعاء كاذب عن الحيادية والموضوعية.. ناس تبحث عن “التريند” حتي لو تعرضوا للشتائم والاستهزاء.. وكارثة الكوارث انهم قد أصبحوا نجوما وان هناك الكثير من الناس ينتظرون ماذا يقولون ومن سيهاجمون..! فوضي وتهريج».. ومهنة من لا مهنة له..!
*
وشعرت بسعادة غامرة وأنا استمع إلي أحد كبار السن بعد أن بلغ سن المعاش وقد أخبرني انه بدأ من جديد العودة للدراسة وذلك بالانتساب لإحدي كليات الحقوق.. قال لي ان أمله في الحياة دراسة القانون وأن يكون محامياً للغلابة..! الرجل لم يخضع لسنوات التقاعد والملل وانتظار الموت.. الرجل قرر أن تكون له رسالة جديدة في الحياة.. هذه الروح الوثابة هي الطريق للقضاء علي المرض والوحدة واليأس.. هذا رجل يعرف معني أن تكون موجودا في الحياة.. في كل يوم هناك جديد.. وهناك أمل.. وهناك شكر علي نعمة الوجود.
*
** وأخيراً:
اللهم بقدر تعبي وكتماني
عوضني خيراً.
*
ونتعايش يومياً بكل صمت
مع الأمور التي تستدعي الصراخ.
*
ولم نتعاف تماما.. ولكن أجبرنا علي
تخطي كل شيء لنعيش.
*
ولا تصدق أصحاب مقولة سرك في بئر.