تقارير

إدمان الألعاب الإلكترونية القتالية ودورها فى انتشار الجريمة وضرورة التصدي لها

دكتورة / ريهام فتحي 

أصبح إلقاء الضوء على الوجه المظلم للألعاب الإلكترونية وبخاصة العنيفة منها ضرورة  ملحة لا ينبغى الاغفال عنها، وذلك بعد أن تضاعفت شعبية تلك الالعاب فى الآونة الأخيرة واصبحت تجارة الألعاب الإلكترونية من أكثر المجالات ربحًا فى السوق العالمية، ويدق ناقوس الخطر من استهداف تلك الألعاب للفئات العمرية الأكثر خطورة، وهو الأمر الذى اصبح يشكل تحديا خطيرًا يواجه كافة مجتمعات العالم.

ومن الجدير بالذكر، أن العديد من الدراسات التى تم اجريت على طلبة فى المراحل التعليمية المختلفة والتى استهدفت توضيح العلاقة بين الالعاب الالكترونية والعنف المدرسى، انتهت إلى أن ألعاب الحرب والقتال هى أكثر الألعاب التى تجذب الأطفال لأنها تحاكى الواقع، وأن تلك الالعاب تؤثر علىسلوك الطفل وخاصة العنيفة منها، بل أن العنف يتضاعف بلعب الالعاب ذات التقنية العالية حيث تعتمد على الاستمتاع بالقتل والاعتداء على الآخرين حيث تتصف بصفة التفاعلية، وتعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجريمة وفنونها وحيلها وتنمى فى عقولهم قدرات ومهارات العنف العدوانى التى تقودهم فى النهاية إلى ارتكاب الجرائم. 

وبعيدًا عن المخاطر الصحية التى يتعرض لها الطفل أو المراهق من الاعتياد على تلك الألعاب والتى أبرزها السلوك العدوانى، والميل إلى الإنطواء، وعدم التفاعل مع الأهل أو المجتمع، وآلام الظهر، وضعف التحصيل الراسى، إلا أن هناك جانب آخر لا يقل أهمية ولا ينبغى الإغفال عنه، وهو تعرض الطفل إلى الوقوع فريسة لبعض الجرائم الإلكترونية مثل التنمر الإلكترونى، والتحرش الجنسى، فوفقًا لما ذكره موقع  Get Safe Online، أن بعض اللاعبين يستغلون هويتهم الوهمية “لإزعاج” اللاعبين الآخرين، عن طريق الرسائل أو أستخدام المايك، حيث أن المنافسة قد تزيد من التوتر وتؤدى إلى تصاعد العدوان بين اللاعبين، واستخدام كافة أشكال الهجوم المتعمد نتيجة الصراع التنافسى وتعزيز القوة والسيطرة لدى اللاعبين. 

كما أن بعض الالعاب أدت إلى انتحار اللاعبين واصبحوا ضحايا لتلك الألعاببممارسة العنف على النفس قبل الغير والتى كان من بينها لعبة الحوت الأزرق أو تحدى الحوت الأزرق (Blue Whale) التى يقوم فيها اللاعب بنقش بعض الرموز على جسمه واتباع بعض التعليمات الغريبة التى تعتبر جزء من طقوس اللعبة، منها الاستيقاظ  فى وقت مبكر ومشاهدة بعض الأفلام التى تحتوى على مشاهد مرعبة وسماع نوع معين من الموسيقى بجانب العزلة التامة وعدم التحدث مع الأشخاص تمهيدًا للمرحلة الأخيرة وهى تنفيذ التحدى الأخير وهو الانتحار، وقد أثارت هذه اللعبة ضجة كبيرة لوقوع عدد من الوفيات بسبب مثل تلك الالعاب وكان أشهرها حالة الانتحار التى حدثت فى مصر عام 2015 لمراهق شنق نفسه داخل المنزل. 

كذلك اوضحت إحدى الدراسات التى توضح المخاطر السيبرانية للألعاب القتالية والتى اتخذت لعبة PUBG نموذجًا لها، أن  اللاعب قد يواجه خطر القرصنة والهجوم السيبرانى والمنظمات الإرهابية المتطرفة، حيث أن اللعبة تمتلأ بالقراصنة المحترفين، الذين يطلبون من الشخص المستهدف إضافته بالسناب أو يرسلون روابط تجسسية بزعم أن الدخول على ذلك الرابط يعطى نقاطًا إضافية أو تقدم سريع فى مراحل اللعبة، ويضع الطرف الآخر معلوماته الحقيقية ويكون بذلك تم إختراق بياناته ليبدأ الطرف الأول بالدخول إلى حساب وهاتف الضحية بدون علمه والوصول إلى الصور والفيديوهات وأماكن تواجده ومحادثاته، وهو ما قد ينشأ عنه جريمة الإبتزاز الإلكترونى أو استخدام تلك البيانات عن طريق بيعها لشركات تسعى لتحليل البيانات، كما أن لعبة بابجى تحتوى على رؤية مجسمة ثلاثية الأبعاد، بالاضافة إلى تقنيات (XRالتى تمنح القدرة على استكشاف العالم الخيالى كما لو كان اللاعب فى أرض المعركة بالفعل، وهو ما يساعد اللاعب على ممارسة تجربة حمل السلاح والقتل والتعبئة والتجنيد والتخطيط للمعركة والتعرف على أنواع الأسلحة وإمكانيتها، مما يؤدى إلى إعادة برمجة عقول الشباب وتبلد مشاعرهم إتجاه قتل الآخرين.

ولا نبالغ حين نقول أن الارتباط بتلك الألعاب اصبح إدمانًا، فقد صنفتمنظمة الصحة العالمية (WHO) الإدمان على ألعاب الكمبيوتر كمرض معترف به وأُضيف اضطراب اللعب إلى الفرع الخاص بالاضطرابات الإدمانية، حيث تحتوي النسخة الجديدة من التصنيف الدولي الحادي عشر للأمراض(ICD-11)فصول جديدة أضافت المنظمة الدولية إدمان الألعاب الالكترونية من بينها، والذي كانت المنظمة تقوم بتطويره لمدة 10 سنوات، فقبل ذلك التصنيف حددت منظمة الصحة العالمية الإدمان على ألعاب الفيديو كمرض منفصل، ولكنها لم تطرح نظامًا عامًا لتشخيصه وعلاجه، إلا أنه في عام 2019 تم تسجيل أول حالة سريرية لدخول المراهقين إلى المستشفى بسبب إدمان ألعاب الفيديو، ومن أجل تشخيص اضطراب الألعاب، يجب أن يكون نمط السلوك على درجة كافية من الخطورة، مما يؤدي إلى ضعف كبير في مجالات العمل الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية أو التعليمية أو المهنية وغيرها من المجالات المهمة، وعادة ما يكون واضحا لمدة 12 شهرا على الأقل حتى يمكن تشخيصه اضطراب عقلى.

وقد صرح الرئيس السابق دونالد ترمب على حسابه على موقع تويتر عام 2012 أن “الألعاب الإلكترونية العنيفة يجب أن تتوقف فورا لأنها تخلق وحوشًا وذلك عقب حادث إطلاق النار في المدارس الامريكية، ولا يعد هذا التصريح هوالأول بين مسؤولي البيت الأبيض، إذ التقى في عام 2013 نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بممثلي شركات إنتاج الألعاب عشية إطلاق النار في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في كونيكتيكت. 

 كما واجهت الصين هذا التحدى بمجموعة من اللوائح لتقييد الإنفاق على الألعاب الافتراضية عبر الإنترنت كجزء من حملتها التنظيمية الأوسع للسيطرة على ذلك القطاع، وأدت هذه الحملة التي بدأتها بكين منذ عام 2020 إلى خسارة الشركات الصينية على مستوى العالم خسارات فادحة، ففي أغسطس 2021، حظرت الصين ممارسة الألعاب الإلكترونية خلال أيام الأسبوع للفئة العمرية الأقل من 18 عاماً، مع السماح لهم باللعب لثلاث ساعات يومياً فقط خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وهو ما استجابت له دولة الإمارات العربية المتحدة، والتى اعلنت عزمها عن إطلاق أول عيادة  لعلاج إدمان الألعاب الإلكترونية وصرح المركز الوطني للتأهيل بالأمارات العربية أنه تم تدريب متخصصين على أساليب علاج إدمانالألعاب الإلكترونية وتستهدف العيادة علاج مدمني الألعاب الالكترونية من الأطفال من عمر صغير بالإضافة إلى الكبار، باستخدام مقياس إدمانالإنترنت لليافعين، بعد أن اصبح إدمان الألعاب الإلكترونية تحول إلى ظاهرة عالمية يجب علاجها مثل أنماط الإدمان المعروفة.

وإيمانًا بتلك المخاطر، اتجهت الدولة المصرية تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى لاطلاق مباردة للصحة العامة تأتى الصحة النفسية ضمن ركائزها الأساسية ، حيث تنقسم المبادرة الجديدة إلى ثلاث مبادرات فرعية، تتضمن إحداهما مكافحة الاستخدام المفرط للانترنت والألعاب الإلكترونية،  والتى ترتكز على خدمات الاكتشاف المبكر والوقاية، وتستهدف الفئة العمرية من سن 10 أعوام وحتى 25 عامًا.

وإن كانت خطوات محمودة لمواجهة ادمان الالعاب الألكترونية، وتعد تلك المباردة هى الاولى من نوعها فى هذا الشأن، إلا انها مازالت خطوة لاحقة لمعالجة عواقب تلك الظاهرة، ونأمل بأن تتخذ الدولة خطوات استباقية عن طريق القيام ببعض الإجراءات الوقائية للحد من أخطار الألعاب الإلكترونية العنيفةأو غير اللائقة أسوة بما اتجهت إليه بعض الدول، سواء بحجب بعض تلك الالعاب أو تقنين استخدامها، وهو ما يحتاج إلى تضافر جميع جهود الدولة للتصدى لتلك التحديات الحديثة التى تعزز السلوك العنيف لدى فئة الاطفال والشباب.

وإصدار تشريعات تواكب ذلك التطور السريع لامكانية التصدى لتلك التهديدات مع الاستعانة باخصائئين نفسيين وتربوين من أجل تصنيف الالعاب حسب الفئات العمرية المختلفة، مع إحكام الرقابة على تلك الالعاب على أن يتم إلزامالمستخدمين بتسجيل الدخول باستخدام الهوية الشخصية أو رقم الهاتف، أو مسح الوجه للتأكد من أعمارهم ولإحكام الرقابة على الجرائم التى تنشأ عن طريق تلك الألعاب، كذلك تفعيل دور الجهات الرقابية، ودور وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهو ما يتماشى مع تدعيم استراتيجية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 2030 وتحقيق أهداف رؤية مصر 2030 ،التى تشمل تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز الشمول الرقمي، ومحاربة الفساد، وضمان الأمن المعلوماتي، وتعزيز مكانة مصر على المستويين الإقليمي والدولي، مع تضافر جهود وزارة الصحة والسكان للاستعداد والتعامل مع حالات الادمان الالكترونى، وكذا ووزارة الاعلام لتفعيل الدور التوعوى الذى لا ينبغى الاغفال عنه، وكذا تعزيز دور الأسرة والذى لايقل أهمية عن العوامل السابقة بل يأتى فى المقدمة، حيث أن الأسرة هى الرقيب الأول وبدونها لاتأتى هذه الجهود ثمارها. 

للمزيد يمكن مراجعة :

– موقع منظمة الصحة العالمية

– https://www.who.int/ar/news-room/questions-and-answers/item/gaming-disorder-

– و حول التصنيف الدولى لمنظمة الصحة العالمية الحادى عشر للأمراض ( (ICD-11والذى أضاف إدمان الألعاب الالكترونية إلى الأمراض الادمانية:

-https://icd.who.int/en

– https://www.who.int/ar/news/item/04-10-1439-who-releases-new-international-classification-of-diseases-(icd-11)

– موقع اخبار الامم المتحدة   

– https://news.un.org/ar/story/2018/06/1011062

كما يمكن مراجعة:

– د. شريهان محمود أبو الحسن/ د. سمية عبدالراضى أحمد،  المخاطر السيبرانية للألعاب الإلكترونية القتالية وانعاكسها على التجنيد الإلكترونى للشباب- لعبة بابجى نموذجًا، بحث منشور بمجلة البحوث الإعلامية، العدد57، الجزء الثالث، ابريل 2021.

– د. خلف أحمد مبارك / د. ميخائيل رزق حكيم، ممارسة الألعاب الإلكترونية وعلاقتها بدافعية الإنجاز الأكاديمى لدى عينة من طلاب المرحلة الثانوية، بحث منشور بمجلة شباب الباحثين، كلية التربية – جامعة سوهاج، العدد11 ، ابريل 2022.

– د. نسمة يحيى رجب ، العلاقة بين إدمان الألعاب الإلكترونية وبين الميول الانتحارية لدى الشباب فى الجامعة، بحث منشور بمجلة دراسات فى الخدمة الاجتماعية، العدد63، الجزء الثالث، يوليو 2023.

– د. سومية قدى، إدمان الألعاب الإلكترونية وعلاقتها بالتنمر فى الوسط المدرسى، بحث منشور بمجلة التنمية البشرية، جامعة معسكر، جامعة وهران، العدد10 ، مارس 2018.

– استخدام الانترنت فى أغراض إرهابية(2013) ، مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة فيينا، الامم المتحدة، ومتاح على الرابط:

– https://www.unodc.org/documents/congress/background-information/Terrorism/Use_of_the_Internet_for_Terrorist_Purposes_Arabic.pdf

زر الذهاب إلى الأعلى