مقالات

المنطقة‭ .. ‬وحافة‭ ‬الهاوية


عبد الرازق توفيق

الصمت‭ ‬المخزي‭ ‬والعجز‭ ‬الفاضح‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬عليه‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أمام‭ ‬جرائم‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإصرار‭ ‬علي‭ ‬التصعيد‭ ‬بما‭ ‬ينذر‭ ‬بمخاطر‭ ‬جمة‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬الصراع‭.. ‬أو‭ ‬دق‭ ‬طبول‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ينذر‭ ‬بأننا‭ ‬أمام‭ ‬متغيرات‭ ‬ومعطيات‭ ‬وحرائق‭ ‬قادمة‭.. ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬المساعي‭ ‬والجهود‭ ‬المستمرة‭ ‬لاخماد‭ ‬نيران‭ ‬الحرب‭ ‬وكبح‭ ‬جماح‭ ‬التصعيد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬أقدم‭ ‬علي‭ ‬خطوة‭ ‬أكثر‭ ‬حماقة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬اجتياح‭ ‬رفح‭ ‬والسيطرة‭ ‬علي‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭.. ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬بكارثة‭ ‬إنسانية‭.. ‬وسقوط‭ ‬آلاف‭ ‬الضحايا‭ ‬والمصابين‭ ‬ويفاقم‭ ‬الأزمة‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬خاصة‭ ‬ان‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬هو‭ ‬المنفذ‭ ‬الوحيد‭ ‬أمام‭ ‬الأشقاء‭ ‬لادخال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬دخول‭ ‬الجرحي‭ ‬والمصابين‭ ‬لتلقي‭ ‬العلاج‭.‬
التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬رفح‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أمر‭ ‬خطير‭ ‬علي‭ ‬كافة‭ ‬الأصعدة‭ ‬سواء‭ ‬علي‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬الإقليمي‭ ‬وحاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬الانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬مصير‭ ‬غامض‭.‬
إسرائيل‭ ‬علي‭ ‬مدار‭ ‬أشهر‭ ‬وتحديداً‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭.. ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أي‭ ‬هدف‭ ‬يذكر‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬حددتها‭ ‬لعملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬غير‭ ‬الإنسانية‭.. ‬فلم‭ ‬تقض‭ ‬علي‭ ‬المقاومة‭ ‬ولم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الرهائن‭ ‬ومازالت‭ ‬حماس‭ ‬تعمل‭ ‬علي‭ ‬الأرض‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬السيطرة‭ ‬علي‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.. ‬أو‭ ‬حسم‭ ‬المعارك‭.. ‬بل‭ ‬دفعت‭ ‬ثمناً‭ ‬باهظاً‭ ‬وخسائر‭ ‬فادحة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬القتلي‭ ‬والمصابين‭ ‬الإسرائيليين‭.. ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬قدرتها‭ ‬علي‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخداع‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.. ‬وأصبح‭ ‬العالم‭ ‬علي‭ ‬دراية‭ ‬واطلاع‭ ‬بأكاذيب‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وادعاءاتها‭ ‬الباطلة‭.. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬الحاد‭ ‬وغير‭ ‬المسبوق‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬انقسم‭ ‬إلي‭ ‬معسكرين‭.. ‬وهناك‭ ‬إصرار‭ ‬علي‭ ‬رحيل‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومته‭.. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬خسائر‭ ‬اقتصادية‭ ‬فادحة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلي‭ ‬فقدان‭ ‬ثقة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬علي‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬المحتلة‭.. ‬وتشكيل‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬عالمي‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الشبابية‭ ‬والجامعية‭ ‬والحقوقية‭.. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلي‭ ‬خسارة‭ ‬إسرائيل‭ ‬أدواتها‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الكذب‭ ‬والمزاعم‭ ‬علي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬
لم‭ ‬تفلح‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬ضغوطها‭ ‬علي‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬لوقف‭ ‬عدوانها‭ ‬أو‭ ‬اقناعها‭ ‬بعدم‭ ‬التصعيد‭.. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يشير‭ ‬إلي‭ ‬وجود‭ ‬اتفاق‭ (‬أمريكي‭- ‬إسرائيلي‭) ‬علي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬وان‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬أمريكية‭ ‬لتضليل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬المحلي‭ ‬والدولي‭ ‬بالزعم‭ ‬بوجود‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ونتنياهو‭.. ‬وما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬وغير‭ ‬المحدود‭ ‬لحرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬علي‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بالمال‭ ‬والسلاح‭ ‬والتأييد‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخجل‭ ‬من‭ ‬إبطال‭ ‬أي‭ ‬قرارات‭ ‬أممية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬تسعي‭ ‬لايقاف‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الإسرائيلية‭.. ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وقتلت‭ ‬وأصابت‭ ‬110‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬والأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتحويل‭ ‬القطاع‭ ‬إلي‭ ‬مجرد‭ ‬أطلال‭.. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ولم‭ ‬تفلح‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭.. ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬انتصار‭ ‬حتي‭ ‬ولو‭ ‬دعائي‭.. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬السقوط‭ ‬المزري‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭.‬
نتنياهو‭ ‬وطبقاً‭ ‬لتقارير‭ ‬ومعلقين‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وانقاذ‭ ‬رقبته‭.. ‬ولذلك‭ ‬يعمل‭ ‬علي‭ ‬إطالة‭ ‬زمن‭ ‬الصراع‭ ‬والحرب‭ ‬وتأجيج‭ ‬التصعيد‭ ‬رغم‭ ‬موافقة‭ ‬حماس‭ ‬علي‭ ‬المقترح‭ ‬المصري‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬محاسبات‭ ‬وتحقيقات‭ ‬حول‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬أو‭ ‬اتهامات‭ ‬سابقة‭ ‬بفساد‭.. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يري‭ ‬ان‭ ‬الملجأ‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التكلفة‭.. ‬حتي‭ ‬بالتضحية‭ ‬بالرهائن‭ ‬والأسري‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لدي‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭.‬
الحقيقة‭ ‬ان‭ ‬الموقف‭ ‬المصري‭ ‬يستحق‭ ‬التحية‭ ‬والتقدير‭.. ‬زاخر‭ ‬بالشرف‭ ‬والشموخ‭.. ‬لم‭ ‬يتخل‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬حقوق‭ ‬الأشقاء‭ ‬المشروعة‭.. ‬ورفض‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭.. ‬وأيضاً‭ ‬وضع‭ (‬خط‭ ‬أحمر‭) ‬أمام‭ ‬محاولات‭ ‬اجبارهم‭ ‬ودفعهم‭ ‬للنزوح‭ ‬إلي‭ ‬سيناء‭ ‬باعتباره‭ ‬أمن‭ ‬قومي‭ ‬مصري‭.. ‬وقدم‭ ‬ملحمة‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الأشقاء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ادخال‭ ‬المساعدات‭ ‬والإصرار‭ ‬والتمسك‭ ‬بدخولها‭ ‬لانقاذهم‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلي‭ ‬الجهود‭ ‬المصرية‭ ‬المتواصلة‭ ‬علي‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬ووساطاتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلي‭ ‬تهدئة‭ ‬وايقاف‭ ‬التصعيد‭ ‬وإطلاق‭ ‬النار‭ ‬لدعم‭ ‬مسار‭ ‬السلام‭ ‬وإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬لإنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬وترسيخ‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬
مصر‭ ‬حذرت‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬ومازالت‭ ‬طبقاً‭ ‬لبيان‭ ‬الخارجية‭ ‬المصرية‭.. ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬التصعيد‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬نحو‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬الصراع‭ ‬أو‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬اجتياح‭ ‬رفح‭ ‬الفلسطينية‭.. ‬ومازالت‭ ‬تواصل‭ ‬الليل‭ ‬بالنهار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬لإنهاء‭ ‬العدوان‭.. ‬والوصول‭ ‬إلي‭ ‬اتفاق‭.‬
تحيا مصر

زر الذهاب إلى الأعلى