أوهام نتنياهو
عبد الرازق توفيق
حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الصهيونى فى غزة وصمة عار على جبين الإنسانية، وإعلان رسمى لفشل النظام العالمى القائم والقديم الذى يفتقد لأدنى معايير العدالة والإنسانية، ويعود بنا إلى عهود البربرية والوحشية، يكتفى أن أذكر أن هناك 15 ألف طفل فلسطينى فى غزة تم قتلهم بدم بارد، وربما نفس العدد من النساء والمدنيين الأبرياء، حيث تجاوزت أعداد الشهداء الـ 37 ألف شهيد وأكثر من 83 ألف مصاب، و70 ٪ حجم الدمار فى القطاع، وقتل مئات الصحفيين والأطباء وأطقم التمريض، والمسعفين، وسيارات الإسعاف، لا توجد جريمة تعرفها البشرية إلا وارتكبها الكيان الصهيونى فى المنطقة وفى العالم، والغريب أن هذا الكيان السرطانى يجد من يدعمه ويموله ويدافع عنه ويبرر جرائمه، والغريب أيضاً أن الدفاع والدعم يأتى من رأس النظام العالمى القديم وأعنى الولايات المتحدة الأمريكية، التى مازالت على قناعة بأن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب أو إبادة.
للأسف الشديد بعض حكومات الغرب وأمريكا سقطوا فى أهم اختبار إنسانى للنظام العالمى القائم، بل إن جرائم الكيان الصهيونى المدعوم من قوى كبرى أكد أن النظام العالمى القائم لم يعد يصلح، فقد جدواه وصلاحيته، وعكس انتهازيته.
إسرائيل جاءت من رحم الباطل، دولة سرطانية اغتصبت الأراضى بدعم ومباركة، من الغرب وفى مقدمتهم بريطانيا، لذلك ليس غريباً أن يكون نظاماً مجرماً، وليس عجيباً أن ترى هذا الدعم الأمريكي، والبريطانى لإسرائيل، فالغريب أن الأوروبيين، تخلصوا من اليهود، على حساب الأراضى العربية، ودعمهم للكيان الصهيونى ليس حباً، ولكن ضماناً لعدم عودتهم، وتخلصاً منهم، وللأسف جاء ذلك على حساب فلسطين.
نعود بالحديث إلى سقوط أقنعة الديمقراطية والحرية، وحرية الرأى والتعبير، وحقوق الإنسان على الطريقة الغربية، وبدت مفاهيم هذه الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحرية الرأى والتعبير تعنى للغرب قتل الأطفال والنساء والصحفيين، وطمس الحقيقة، واستهداف الأطباء، وتدمير المستشفيات، وحرب الإبادة فى أبشع صورها، فما يحدث فى غزة وباقى الأراضى الفلسطينية، من تجويع وحصار حتى باتت الآلاف من الأطفال تحت سن الخامسة على شفا الموت جوعاً وبعد فقدان أدنى معايير الرعاية الصحية.
أوهام نتنياهو لم ولن تنتهى على الإطلاق حيث جاء رد رئيس الوزراء الإسرائيلى وبعض أعضاء حكومته من المتطرفين على مقترح الرئيس الأمريكى جو بايدن للوصول إلى اتفاق أو صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن والمحتجزين، بأن إسرائيل لن توقف حرب الإبادة قبل تدمير حماس والمقاومة الفلسطينية وخروج قادة حماس من قطاع غزة.. وأسأل هل هناك فشل وغيبوبة أكثر من ذلك فبعد مضى 8 أشهر على العدوان الإسرائيلى مازالت أوهام نتنياهو وبن غفير وسيموترش تطاردهم، فإذا كانوا لم يستطيعوا القضاء على حماس على مدار 8 أشهر هل يحتاجون لعام آخر للقضاء عليها، فى ظل تساقط ضباط وجنود وآليات جيش الاحتلال الصهيوني، وفى ظل رفضهم القتال فى غزة، بل وهروبهم ومن يواصل القتال، مصاب بالإحباط والخوف والرعب والذعر من أن يلقى مصير باقى زملائه الصهاينة، لذلك نتنياهو يعانى من مرض خطير، وأوهام لا أبالغ إذا قلت إنه مرض الانفصال عن الواقع، وأنه وصل إلى مرحلة الهذيان والاضطرابات النفسية بسبب مأزق الخوف من المصير المنتظر، أو إعلان الهزيمة، أو اغتياله سياسياً، وربما سجنه قضائياً، فإسرائيل غارقة فى استنزاف شامل عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، وعزلة دولية وغضب عالمى يتنامي، ومقاطعات، واعترافات متوالية بالدولة الفلسطينية وأنه كلما ازداد الغباء السياسى لقادة الكيان الصهيوني، تفاقمت الأوضاع فى ظل الانقسام الحاد فى المجتمع الإسرائيلي، ووجود تقارير إلى احتمالية انقلاب على نتنياهو، وتصاعد غضب المعارضة وتراجع الدعم الغربى على الأقل المعلن لدولة الاحتلال والهياج الشعبى داخل دول الغرب، بل الانقسام الحاد داخل مطاحنها السياسية وإدارتها السياسية، وبرلماناتها.
إسرائيل هذا الكيان السرطانى بات فى مأزق شديد بدت عاجزة عن مواجهة اشتعال الجبهة الشمالية فى لبنان، والعمليات المؤلمة لحزب الله، ولم يستطع نتنياهو اتخاذ قرار حرب شاملة مع لبنان، خاصة أنه سيؤثر على قدرات إسرائيل وفى ظل أن حزب الله يمتلك قدرات تزيد عشرة أضعاف قدرات حماس، ورغم الخسائر الفادحة لإسرائيل فى الجبهة الشمالية من اشتعال الحرائق فى كريات شمونة فى الغابات والحدائق، ونزوح المستوطنين اليهود بعيداً عن الجبهة الشمالية، وهو ما يزيد من خسائر إسرائيل وتكلفة الحرب.. لكن تل أبيب عاجزة عن المواجهة وفتح جبهة جديدة مع حزب الله.
مقترح «بايدن» فيه علامات وتساؤلات تحمل معانى المراوغة والخداع، فإسرائيل تريد الإفراج عن الرهائن والأسرى لدى المقاومة وهو المسمار الذى يقصم ويدمر عقل نتنياهو وحكومته.. ثم تستأنف القتال وحرب الإبادة من جديد، «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت»، وهو ما أدركته المقاومة الفلسطينية جيداً التى وضعت هدفاً استراتيجياً واضحاً متمسك به هو الوقف المستدام لإطلاق النار وإنهاء العدوان، ولن تتخلى عن أقوى الكروت فى يدها وهو الرهائن والأسرى الأحياء والجثث التى فى أيديها، ورغم الكارثة الإنسانية التى يعانى منها الأشقاء فى غزة إلا أن نتنياهو ورفقاء السوء من الذين معه فى مأزق شديد والكيان الصهيونى لن يخضع إلا للقوة والخسائر ولا ينكسر إلا بالصمود وزيادة معدلات الخسائر فى جيش الاحتلال، واستمرار التمسك بعدم التفريط فى ورقة الأسرى الإسرائيليين لكن فى النهاية إسرائيل سوف تركع وتخضع.
تحيا مصر