مقالات

التزام شركة الاتصالات بالتحذير من مخاطر أبراج شبكات المحمول

د/ ســـيد راشــد عبدالقـــــادر بـيومــي

2024

بدايةً من الثورة الصناعية وحتى اليوم بدأ الإنسان يلهث وراء مفرزات الصناعة من أدوات تجهيزات كهربائية وغيرها، جاعلًامنها ركيزة أساسية في حياته، الأمر الذي أدى إلى تعرض المجتمعات الاستهلاكية لنوع من التلوث يرتبط بالإفراط في استخدام الكهرباء، يطلق عليه “التلوث الكهرومغناطيسي”، ويرتبط هذا النوع من التلوث بوجود المجالات الكهربائية والمغناطيسية في البيئة التي نعيش فيها،حيث إن المجال الكهربي والمجال المغناطيسي يكونان متلازمين دائمًا، كما أن هذه المجالات لا تحتاج إلى وسط تنتقل من خلاله، بل تنتقل في الفراغ، وتنتشر بنفس سرعة الضوء، الأمر الذي يزيد من خطورة التلوث الناشيء عن انتشار هذه الموجات.

    ومما لا شك فيه أن اكتشاف الهاتف المحمول عام 1972م عن طريق المخترع الأمريكي (مارتن كوبر) أدى إلى حدوث ثورة اتصالية وتكنولوجية حلت العديد من مشاكل التواصل بين الأفراد، إذ أصبح الإنسان على اتصال وتواصل مع من يريد وأينما يريد،ومع تطور الرسائل المكتوبة وانخفاض أسعار المكالمات وصغر حجم الأجهزة شيئًا فشيئًابات التليفون المحمول من ضروريات الحياة اليومية، وأصبح في متناول جميع الأفراد على اختلاف حالتهم المالية، فأصبح مألوفًامشهد أبراج الهواتف النقالة وهي تغطي أسطح بعض المباني بعد أن أغرت المبالغ النقدية التي تقدمها الشركات العاملة في مجال الاتصالات لأصحاب هذه المباني بالسماح لهم بنصب تلك الأبراج، وقد زاد اهتمام العلماء، والجمعيات العلمية، في الوقت الراهن، بتأثير تلك الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من أبراج وشبكات التليفون المحمول والمنخفضة بشدة عن الترددات المختلفة، والتي تتراوح ما بين (هرتز – وجيجا هرتز) وكذلك تُعقد الندوات والمؤتمرات العلمية والعالمية بصفة سنوية،لدراسة تأثير هذه المجالات والموجات على صحة الإنسان، وقد تم نشر الآلاف من البحوث العلمية بالمجلات العالمية للتوعية بخطورة هذه الإشعاعات والموجات، ولتحديد الجرعات الضارة منها، وذلك في عدة سنوات متعاقبة، إحساسًا من الجميع بالأخطار الهائلة التي تحدق بالإنسان نتيجة لتعرضه لمثل هذه الإشعاعات، إذ أن هذه الأبراج أصبحت تعيش بيننا، وفي نفس العقار، فلا يكاد أن يوجد بيت أو عقار يخلو من هذه الأبراج نظرًا لما لها من دور قوي وفعال في تقوية خدمة الاتصال، فالهواتف المحمولة منتجات معقدة في طريقة استخدامها وتصنيعها في الوقت الذي شاع فيه استعمالها بين كافة طبقات وشرائح المجتمع، واستفحلت فيه مخاطرها، فهل يمكن الاعتقاد – والحال هذه – بإمكانية نشوء التزام يقع على عاتق شركة الاتصال؟

       إن كل متعاقد يقع على عاتقه التزام بأن يتحرى بنفسه عن كل البيانات والمعلومات التي يمكن أن تكون لها تأثير على رضائه السليم عند إبرام العقد، بحيث لا يكون الالتزام بالإعلام ضروريًا إلا إذا كانت هناك اعتبارات معينة تحول دون علم هذا المتعاقد،إما بسبب طبيعة العقد، أو عدم التوازن في المراكز، أو لاختلال المساواة من حيث العلم والمعرفة بين المتعاقدين أو لأي اعتبار آخر يمكن أن يكون له تأثير على الرضا السليم عند إبرامه العقد.

    بيد أن تزايد إنتاج الأشياء الخطرة التي يترتب على استعمالها بعض المخاطر، قد برر وجود التزام على عاتق المدين بإحاطة المتعاقد الآخر بكل ما يلزم للانتفاع بالشيءالمبيع وتجنب مخاطره، وكان من أوائل الذين كتبوا حول هذا الالتزام هو الأستاذ (juglart) في مقاله عام 1945 عن الالتزام بالإعلام في العقود، حيث اعتبر أن الإخلال بهذا الالتزام بمثابة عيب للرضا دون النظر إلى ما إذا كان هذا السكوت يعتبر تدليسًا أم لا طالما ترتب عليه وقوعه في غلط حول الصفات الجوهرية للشيء، كما تم النص على هذا الالتزام صراحة في العلاقات التي تنشأ بين المهنيين والمستهلكين، وذلك من خلال نص المادة 221/1/2- من قانون الاستهلاك الفرنسي الصادر من القرار رقم 607/2004 لقانون 9 يوليه لسنة 2004 – والتي نصت على “إنه يقع على عاتق المسئول عن طرح المنتج في السوق بأن يقوم بالادلاء إلى المستهلك بكافة المعلومات اللازمة التي تسمح له بتقدير المخاطر التي يمكن أن يحدثها المنتج أثناء فترة استعماله العادي، أو الاستعمال الذي يمكن توقعه بصورة معقولة” فهذه المخاطر لا يكون المستهلك على إدراك بها إلا إذا تم تحذيره منها بطريقة كافية.

    وإن التزام شركة الاتصال أو مقدم الخدمة عمومًا بالادلاء بالمعلومات المتعلقة بطريقة استعمال أبراج الشبكات – لايكفي بذاته – خاصة أن تلك الأبراج يكون لها حارسًامسئولًا عن صيانتها وتشغيلها وهو المنوط به الإحاطة بكيفية استعمالها واستخدامها لتحقيق الحماية للمستهلكين عامة وسكان العقار خاصة، لذلك يتعين على شركة الاتصال أن تقوم بتحذير المتعاقد معها صراحة – من كافة الأخطار التي يمكن أن تنشأ أو تترتب على استخدام هذه الأبراج،وأن توضح له بدقة كافة الاحتياطات اللازمة لتوقي هذه الأخطار، وبذلك يمكن القول بأن مضمون الالتزام بالتحذير – والحال هذه – ينصرف إلى الأشياء الخطرة؛ لأن أبراج الهواتف المحمولة يلازم عملية تشغيلها واستخدامها بالضرورة انتشار الحقول والأمواج الكهرومغناطيسية الضارة بالقدر الذي لا يمكن لهذه الأبراج أن تفي بالغرض الذي أُنتجت من أجله إلا إذا كانت على هذا النحو، فضلًا عن كونها معقدة في طريقة استخدامها وتشغيلها، كما تحمل مسببات الخطر عند اتصالها بالظروف والمؤثرات الخارجية، فإن هذه الأبراج تعتبر خطرة.

    ومؤدى خلع هذا الوصف على أبراج الهواتف النقالة ضرورة التسليم بأنها تدخل ضمن إطار مضمون الالتزام بالتحذير، الأمر الذي يستتبع بالضرورة صحة القول بأن عدم قيام شركة الاتصال بالادلاء بالمعلومات المتعلقة بالتحذير من خطورتها يعتبر إخلالًامنهم بالالتزام بالتحذير المفروض عليهم،وبالتالي تكون مسئولة في مواجهة المتعاقد معها مسئولية عقدية.

    ومن ناحية أخرى تنص المادة 178 من القانون المدني المصري  السابق الإشارة إليها – على أن “كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسئولًا عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر ما لم يقم الدليل على أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه،وهذا مع عدم الإخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة”.

   كما أنه ومن باب الوقاية البيئية إلزام الوزارة المختصة بزيارة المواقع المختصة بالشبكات الرئيسية والثانوية دوريًا مرة واحدة كل ستة أشهر ؛للتأكد من مدى انصياعها لمتطلبات حماية الصحة العامة والبيئة.

    وتقع المسئولية – وفقًا لأحكام المادة 178 من القانون المدني المصري – على كل من كان تحت تصرفه هذه الأشياء، والتي تتطلب عناية خاصة للوقاية من أضرارها، وأن المقصود بالتصرف هو: السيطرة الفعلية على الشيء، ولذلك فإن الأصل فيمن يكون الشيء تحت تصرفه هو مالك الشيء، وفي موضوع بحثنا فإن المسئولية تقع على عاتق مالك الشبكات والمتمثل في الشركة باعتبار أن هذه الشبكات تكون تحت تصرفها، وأنها هي التي تملك السيطرة الفعلية على هذه الشبكات.

    حتى يمكن القول بأن شركة الاتصال قد وَفَّت بالتزامها بالتحذير من الخطورة الكامنة في أبراج الهواتف النقالة، يجب أن يكون التحذير حقيقيًا، بما يعني أن يكون هذا التحذير كاملًا، وواضحًا، ولصيقًابأعمدة تلك الأبراج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى