المديرة الإقليمية للصحة العالمية تلقي بيان الدورة الحادية والسبعين حول المستجدات في فلسطين ولبنان والسودان
السيدات والسادة،
يطيب لي أن أرحب بكم في هذه الإحاطة الإعلامية، وذلك قبل انعقاد الدورة الحادية والسبعين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط، في المدة من 14 إلى 17 أكتوبر في الدوحة، بقطر، تحت شعار “صحة دون حدود: العمل. الإتاحة. الإنصاف.”.
وتعقد دورة هذا العام، وهي الأولى بعد أن توليت منصب المدير الإقليمي، في ظل الصراع المتصاعد الذي يهدد حياة الملايين من الناس وسبل عيشهم في شتى أنحاء الإقليم.
فقد أدى 12 شهرا من النزاع في غزة إلى مقتل 6% من مجمل السكان أو إصابتهم. وكثير من المصابين هم من النساء والأطفال الذين يواجهون الآن إعاقات دائمة. وقد نزح 90% من سكان غزة، ويعيشون في مخيمات مكتظة، تقل فيها فرص الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية. وهم يتنقلون بشكل متكرر، وقد صدرت أوامر إخلاء أخرى خلال الأيام القليلة الماضية.
وتتضاءل القوى العاملة الصحية في غزة، حيث لقى ما يقرب من 1000 عامل صحي حتفهم، وفقا لما ذكرته وزارة الصحة. وتعد غزة اليوم واحدة من أخطر الأماكن التي تعمل فيها الأمم المتحدة وشركاؤها، إذ قتل 289 من موظفي الأمم المتحدة منذ أكتوبر 2023.
ويعمل حاليا أقل من نصف المستشفيات، وبشكل جزئي، بسبب تضرر البنية الأساسية، ونقص الوقود، والإمدادات، والموارد البشرية، وانقطاع إمكانية الوصول إلى الخدمات، والهجمات المستمرة على المرافق الصحية. وفي الواقع، طلب من ثلاثة مستشفيات أخرى في شمال غزة إخلاؤها في اليومين الماضيين. ويعد توفير الرعاية الصحية في هذه الظروف مهمة شاقة، وعلينا أن نشيد مرة أخرى بالعاملين الصحيين في غزة، الذين يواصلون العمل ببطولة في ظل ظروف لا يمكن تصورها.
ومن بين 15600 طلب إجلاء طبي، جرت الموافقة على 5130 طلبا فقط، وترتب على ذلك ترك الآلاف من سكان غزة، الذين تقطعت بهم السبل، بلا رعاية أساسية. ويواجه 96% من السكان انعدام الأمن الغذائي، وازداد سوء التغذية، الذي كان منعدما تقريبا في غزة، لا سيما بين صفوف الأطفال. ولا تزال فاشيات الإسهال والتهاب الكبد A مستمرة، وتفاقمت بسبب تردي خدمات الصرف الصحي وظروف الازدحام الشديد، وأدى ذلك أيضا إلى عودة ظهور شلل الأطفال. ولا تزال مخاطر اندلاع فاشيات أخرى قائمة في ظل انخفاض معدلات التمنيع.
وعلى مدار الاثني عشر شهرا الماضية، دعت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها مرارا إلى إنهاء الصراع في غزة. ومع ذلك، لا يزال الوضع يتفاقم في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي جميع أنحاء الإقليم.
ويساورني قلق بالغ إزاء تزايد العنف في لبنان. فمنذ أكتوبر من العام الماضي، قتل أو جرح ما يقرب من 12000 شخص، ونزح أكثر من 540000 شخص داخليا. ويكافح العاملون الصحيون لتلبية الاحتياجات المتزايدة للرعاية الطارئة في نظام أضعفته الصدمات المتتالية بالفعل.
وقد تضررت البنية الأساسية الصحية بشدة، إذ تحققت المنظمة من 36 هجوما على المرافق الصحية منذ أكتوبر الماضي. وقد أودت هذه الهجمات بحياة 77 عاملا صحيا وأصابت 74 آخرين، من بينهم 28 قتيلا ومصابان في يوم واحد في الأسبوع الماضي. إن حماية المدنيين والرعاية الصحية واجب قانوني وأخلاقي لا بد من التمسك به، ولا يمكن أن تظل الهجمات على مرافق الرعاية الصحية إحدى العلامات البارزة للصراع في هذا الإقليم.
فأما إذا ما انتقلنا إلى السودان، حيث نواجه أكبر أزمة في العالم تتعلق بالجوع والنزوح. فهناك أكثر من 10.8 ملايين نازح داخلي، و25.6 مليون شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء والرعاية الصحية. ويعاني النظام الصحي في السودان من تراجع مستمر، إذ توقفت 75% من المرافق الصحية في الخرطوم عن العمل، وتفيد التقارير بأن الوضع أسوأ في ولايات غرب دارفور. ويموت الأطفال والأمهات الذين يعانون من سوء التغذية بسبب عدم الحصول على الرعاية، وتنتشر الكوليرا في أنحاء كثيرة من البلد. ويواجه العاملون في مجال الإغاثة تحديات هائلة نتيجة لتكرار حالات منع وصولهم والظروف الأمنية الخطيرة. وإذا لم يكن هناك تدخل فوري، فستحصد المجاعة والمرض عددا لا يحصى من الأرواح.
وقد رأينا ما يمكن تحقيقه عند إعطاء الأولوية للصحة؛ فإن حملة التطعيم ضد شلل الأطفال التي أجريت مؤخرا في غزة، ووصلت إلى 560000 طفل، وفتح معبر أدري لدخول السودان، الذي سمح بإيصال الإمدادات الحيوية إلى المجتمعات المحلية المعزلة، قد أظهرت أنه يمكن إحداث أثر كبير، حتى في خضم الأزمة. ولكن هذه اللحظات نادرة، والحاجة إلى بذل جهود متواصلة أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. ويجب إعطاء الأولوية للحلول السياسية قبل أن يجتاح النزاع الإقليم بأسره.
والحقيقة المؤلمة هي أن أكثر من 100 مليون شخص – أي شخص واحد من كل ستة أشخاص – يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية في إقليمنا اليوم. والآثار المترتبة على ذلك واضحة، ولا يمكننا أن نترك الأجيال المقبلة تتحمل العواقب الطويلة الأجل. والمسؤولية تقع على عاتق الذين يمكنهم إنهاء العنف وتحقيق الاستقرار من أجل السلام، وقد تأخروا كثيرا في التحرك.
الزميلات والزملاء الأعزاء،
بعد هذا الاستطراد الطويل والضروري، اسمحوا لي أن أقدم نبذة مختصرة عن دورة اللجنة الإقليمية لهذا العام.
فسوف أعرض خلال الدورة الحادية والسبعين للجنة الإقليمية الخطة التنفيذية الاستراتيجية الإقليمية 2025-2028، التي توائم الأولويات العالمية للمنظمة، وتتمثل في تعزيز الصحة، وتحقيقها، وحمايتها، والتمكين من أجل تحسينها، وأدائها، بما يتلاءم مع السياقات الفريدة في إقليم شرق المتوسط.
وسعيا إلى ضمان أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه للجميع في الإقليم، تتضمن الخطة التنفيذية ثلاث مبادرات رئيسية هي: توسيع نطاق الحصول المنصف على الأدوية واللقاحات المنقذة للحياة في الوقت المناسب؛ وبناء قوى عاملة صحية أكثر قدرة على الصمود؛ والحد من المراضة والوفيات والتكاليف الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان.
وسوف تكون المبادرات الرئيسية الثلاث عوامل تسريع لوتيرة تنفيذ الخطة التنفيذية الاستراتيجية الإقليمية، التي ستخضع للمراجعة، ونأمل أن تعتمد، من جانب الدول الأعضاء.
وسوف تتضمن اللجنة الإقليمية أيضا مناقشات بشأن قضايا الصحة العامة ذات الأولوية، وورقات تقنية، واستعراضا لآخر المستجدات، وحلقات النقاش، ومجموعة كبيرة من الأحداث الجانبية.
وتتناول الورقات التقنية موضوعات، مثل: مقاومة مضادات الميكروبات، ونظم المعلومات الصحية، والتصدي لعبء الصدمات في الأوضاع الإنسانية، وتوسيع نطاق دعم الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطوارئ. ومما يؤسف له أن الصراع في العديد من بلدان الإقليم وأراضيه يعني أن الحاجة إلى توسيع نطاق دعم الصحة النفسية، والدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطوارئ، باتت أكثر إلحاحا اليوم من أي وقت مضى.
ومقاومة مضادات الميكروبات مشكلة صحية عالمية، ويعد معدل استخدام المضادات الحيوية في إقليم شرق المتوسط المعدل الأعلى -والأسرع نموا- مقارنة بأي من أقاليم المنظمة.
كما أن إساءة استخدام مضادات الميكروبات والإفراط في استخدامها يزيدان الإصابة بالعدوى المقاومة للأدوية، ويوسعان نطاق انتشارها. وإذا لم تتخذ أي إجراءات عاجلة الآن، فقد تتسبب مقاومة مضادات الميكروبات في وفاة 39 مليون شخص بحلول عام 2050، أي 3 حالات وفاة كل دقيقة، ونحن في أمس الحاجة إلى تعزيز الإشراف على مضادات الميكروبات.
ويواجه إقليم شرق المتوسط أيضا عبئا متزايدا بسبب الرضوح التي تخلفها الأزمات المتعددة التي يواجهها الإقليم. ولكن في ظل الأوضاع الإنسانية التي يشهدها الإقليم، ازدادت النظم الصحية الهشة ضعفا على ضعفها، وتعرضت لأضرار شديدة، وهو ما يحد من قدرة العاملين الصحيين على تقديم الخدمات الأساسية.
وتقدم الورقة التقنية إطارا لعمل تعاوني سيدمج نهج المنظمة الذي يركز على الناس للتصدي لعبء الرضوح في برنامج العمل الإقليمي. ويستند إطار العمل هذا إلى مبدأ سويفت (SWIFT)، الذي يعني ضرورة أن تكون تدخلات علاج الرضوح مأمونة وعملية وبديهية وعادلة وآنية.
وتعرض الورقة التقنية الخاصة بنظم المعلومات الصحية استراتيجية إقليمية جديدة لتعزيز نظم المعلومات الوطنية ورقمنتها. وتهدف هذه الورقة إلى ضمان تسجيل البلدان لبيانات عالية الجودة ومناسبة في توقيتها ووثيقة الصلة ومصنفة وموثوق بها، للاسترشاد بها في السياسات والبرامج، ولرصد التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة.
والصحة النفسية تمثل 5.1% من عبء الأمراض على مستوى العالم، و5.4% من عبء الأمراض في الإقليم. وسوف تستعرض اللجنة الإقليمية خلال اجتماعها ورقة تقنية تعرض خطة عمل إقليمية للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطوارئ، تشمل الفترة 2024 – 2030، قبل عرض الخطة على الأعضاء لاعتمادها.
وسيتناول أعضاء حلقة النقاش، ضمن حلقات النقاش المقررة، سبل تعزيز الفرص المتاحة، والتخفيف من مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي، للمساعدة على نشر التغطية الصحية الشاملة والأمن الصحي في جميع أنحاء الإقليم.
وسيجري أيضا إطلاع وزراء الصحة والمشاركين الآخرين على أحدث أعمال هيئة التفاوض الحكومية الدولية، والتقدم المحرز في استئصال شلل الأطفال في إقليم شرق المتوسط.
وسيتلقى المشاركون أيضا آخر المستجدات عن الوضع الصحي والإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وفي الوقت نفسه، أدعوكم إلى زيارة الموقع الإلكتروني للجنة الإقليمية الحادية والسبعين للاطلاع على الورقات التقنية وغيرها من وثائق اللجنة الإقليمية، ومنها جدول الأعمال المؤقت والتقارير المرحلية بشأن التهديدات الصحية المتعددة التي برزت في قرارات الدورات السابقة للجنة الإقليمية.
شكر