بعد وفاة لاعب الاسكواش محمد السباعي : رسالة شديدة الخطورة إلى الجمهور
بقلم دكتورة إيمان سكين
في وقت أصبحت فيه الرياضة صناعة ضخمة ، تتساقط الأرواح على أرض الملاعب كأنها أوراق خريف لا تكترث بها الأيام .
وفاة محمد يحيى السباعي ، لاعب الإسكواش الشاب بنادي الشمس ، لم تكن مجرد حادث عابر ، بل هي جرس إنذار صارخ يكشف عن حالة الفوضى الرياضية في مصر ، حيث أصبحت حياة اللاعب مجرد رقم في قائمة الأزمات الرياضية.
سبب الوفاة : لعبة رياضية ؟
بينما كانت الأنظار تتابع البطولة التي كان يشارك فيها محمد السباعي ، كانت الأنفاس تتسارع بعد خبر مفاجئ : وفاة الشاب بعد شعوره بالإرهاق خلال الاستراحة بين الأشواط .
كان الطبيب في المكان قد قام بدوره في محاولة إنقاذه ، لكن الفتى لم يلبث أن فارق الحياة بعد نقله إلى المستشفى .
وبينما أعلنت وزارة الشباب والرياضة أن ” الإجراءات كانت سليمة وفق اللوائح ” لا يسعنا إلا أن نتساءل
هل فعلاً يكفي أن تكون الإجراءات سليمة حتى لا نفقد أرواحاً جديدة ؟ هل يكفي أن تبقى اللوائح مكتوبة في الكتب بينما يُترك اللاعبون عرضة للموت في أرض الملاعب ؟
وفيات اللاعبين : مأساة متواصلة
لم تكن وفاة محمد يحيى سباعي هي الوحيدة التي هزت الوسط الرياضي هذا العام ، إذ شهدت الرياضة المصرية عدة حالات وفاة مفاجئة .
في يوليو 2024 ، توفي لاعب كرة القدم أحمد رفعت بعد تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة في مباراة بالدوري المصري ، ليكون ذلك أحد أبرز الحوادث في الرياضة المصرية . وتزامناً مع هذه الحادثة ، توفي لاعب نادي الكهرباء المصري للتجديف محمد عمرو مصطفى في حادثة
” إسفكسيا الغرق ” بعد انقلاب زورقه في نهر النيل أثناء التدريب . وفي سبتمبر 2024 ، توفي المدرب إيهاب جلال بعد عدة عمليات جراحية بسبب جلطة دماغية مفاجئة ، ثم جاء حادث وفاة لاعب كفر الشيخ محمد شوقي في نوفمبر 2024 بعد أزمة قلبية تعرض لها في مباراة بدوري الدرجة الثانية . هذه الحوادث تشكل صورة واضحة عن حالة الإهمال في رعاية اللاعبين صحياً ، مما يستدعي وقفة جادة من قبل القائمين على الرياضة في مصر فالموت المفاجئ للاعبين أصبح يتكرر بسبب مشكلات طبية لم يتم التعامل معها بالشكل الأمثل ، مما يعكس غياب تجهيزات الطوارئ والإسعافات الأولية في الملاعب .
سيارة موتى بدلاً من الإسعاف : تصريحات صادمة
في تصريحات سابقة ، أشار عضو اتحاد الكرة المصري إيهاب الكومي إلى أن ” سيارة موتى ” هي الخيار المتاح في العديد من الملاعب المصرية بدلاً من سيارة الإسعاف المجهزة .
هذه التصريحات تلخص حجم الإهمال الطبي في الملاعب المصرية ، الذي يهدد حياة اللاعبين ، إذ لم يتم توفير الإسعافات الأولية المناسبة ، ولا حتى سيارات إسعاف مجهزة للتعامل مع الحالات الطارئة . ويأتي هذا في وقت تزداد فيه المخاطر الصحية على اللاعبين بسبب قلة الإمكانيات المتاحة في الملاعب ، مما يجعلهم عرضة للمخاطر في ظل غياب العناية الطبية المتكاملة .
الضغوط النفسية : تهدد حياة اللاعبين
إلى جانب الإهمال الطبي ، يعاني الكثير من اللاعبين من ضغوط نفسية متزايدة ، خاصة أولئك الذين يتعين عليهم التوفيق بين الدراسة والتدريبات والمباريات .
هذا الضغط النفسي المستمر يؤثر على قدرة اللاعبين على الأداء الجيد ويزيد من فرص تعرضهم للإصابات والمشاكل الصحية .
المعد النفسي : ضرورة لإنقاذ حياة اللاعبين
في الدول التي تقدر قيمة الإنسان ، يتوفر لكل فريق معد نفسي لا يقتصر دوره علي انه ” يربت علي كتفه ” بل يكون مسؤولاً عن إعداد اللاعبين نفسياً لتحمل ضغوط التمرين والمنافسة ، خاصة في أوقات الامتحانات .
أما في مصر؟ فالأمر يبدو أقل اهتماماً ، حيث يُترك اللاعب ليواجه كل شيء بمفرده
في مصر ” الرجولة ” تُقاس بعدد الأزمات التي تسقطك على ركبتيك .
الإجراءات الوقائية : رفاهية أم ضرورة ؟
المصيبة الأكبر أن الكارثة لا تأتي فجأة ، بل تمر بمراحل واضحة يمكن منعها.
١. الكشف الطبي الدوري
لماذا لا يُجبر كل نادٍ على إجراء فحص طبي شامل لكل لاعب دورياً ؟ الأمر ليس رفاهية ، بل ضرورة ، خاصة مع تزايد حالات السكتة القلبية المفاجئة في الملاعب .
٢ . توفير أجهزة الإنعاش القلبي الرئوي
وجود جهاز إنعاش قلبي رئوي في الملاعب أمر ضروري للغاية .
لكن في ملاعبنا ، قد يكون الجهاز موجود لكنه غالباً ” مخزن ” لا أحد يعرف كيفية تشغيله ، أو ببساطة غير موجود.
٣. ضرورة تواجد أخصائي إصابات ملاعب
يعد وجود أخصائي إصابات ملاعب من العناصر الأساسية التي يجب أن تتوفر في أي فريق رياضي . أخصائي الإصابات يساهم في تحديد مدى الإصابة وتشخيصها فور حدوثها ، كما يضع خطة علاجية وتأهيلية تساعد اللاعب على العودة للملاعب بأسرع وقت ممكن .
عدم وجود أخصائي إصابات في الأندية يجعل الفريق عرضة للإصابات المتكررة التي قد تؤدي إلى تأخر في شفائها أو مضاعفات صحية .
دور الجهاز الطبي والإعداد النفسي : مسؤولية لا يمكن تجاهلها
لا يمكن تجاهل أهمية وجود جهاز طبي متكامل وإعداد نفسي فعال في الأندية الرياضية .
من المهم أن يتوفر لكل فريق أطباء مختصون في الإصابات الرياضية ، وأطباء قلب ، وأطباء نفسيين ، بالإضافة إلى ضرورة تزويد الملاعب بكل المعدات الطبية اللازمة .
لا شك أن توفير الرعاية الطبية والنفسية يعزز من قدرة اللاعبين على الأداء ويحد من المخاطر الصحية .
رسالة إلى الجمهور
عزيزي الجمهور ، لا تقتصر متابعتك الرياضية على التشجيع والهتاف ، بل يجب أن تكون جزء من الحركة التي تسعى إلى تغييرات جذرية في الواقع الرياضي
اسأل عن الكشف الطبي ، تأكد من توافر الإسعافات الأولية ، ولا تنتظر حتى يصبح أحد اللاعبين ضحية نقص الاهتمام الطبي والنفسي . اللاعبين ليسوا مجرد أرقام في سجل المنافسة ، بل هم بشر يحتاجون إلى الرعاية والدعم على جميع الأصعدة .
لا تسمحوا لأرواحهم أن تُترك فريسة للإهمال .
فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع ، بدءاً من المسؤولين الرياضيين وصولاً إلى الجماهير .