مريم عرجون تكتب : المرأة في ملامح التاريخ الانساني

بقلم – مريم عرجون 
إن الحديث عن عيد المرأة ليس مجرد حديث عن مناسبة عابرة نحتفل بها في كل عام بل هو حديث عن رمزية عميقة تجسد دور المرأة في تشكيل ملامح التاريخ الإنساني، و في عيدها العالمي، لا نُعيدُ طرح الأسئلة التي أرهقتها التكرارات، بل نُسجِّل الحقيقة كما وُجدت حتى نتفادى من عبثيّة الحقيقة، فساميات المطالب ليست ضلعًا قاصرًا، ولا كائنًا اجتماعيا ضعيفا يبحث عن اكتماله في غير ذاته، هي كيانٌ متكامل، روحٌ حرة، ووجودٌ يفيض في بالحياة والمعنى، لا يُختزل في دور مرسوم، ولا وظيفة محددة سلفًا.
منذ أن ارتقت خشبة المسرح، كأنها أنشودة العائدين، حين تتراقص في نغمها فرحة التَّوق التي تسترد خيالُ المسرح ميلاده، و منذ أن أمسكت الفلاحة بمعولها في الحقل، ومنذ أن دخلت قاعات المعرفة، وخطّت اسمها على جدران الفنون والآداب، أعلنت المرأةُ للعالم أنها ليست ظلًّا لأحد، بل شمسًا لها إشراقها الخاص، و الفن بما فيه من تحرر وتمرد وتجريب، كان شاهدًا على ذلك الحضور الأنثوي الأصيل، من السريالية التي مزّقت قوالب الوعي الجامد، إلى الحداثة التي فتحت أبواب الخيال، إلى النسوية التي رفضت أن تُصوَّر المرأة موضوعًا للمتعة، بل رسّامة ترسم ذاتها والعالم برؤيتها الخاصة.
المرأة في الفن ليست حكاية طارئة على القرن العشرين، بل هي قصة ضاربة في جذور الضوء واللون، و في الذاكرة الأولى للبشر، وعلمت العالم كيف يكتب عنها على جدران الكهوف التي كانت تُصوّر كأم وصائدة، و نِدًّا للرجل، لا أقل شأنًا منه، وفي أساطير الحضارات الأولى، لم تكن كائنًا تابعًا، بل كانت آلهة تُعبد: عشتار، إيزيس، أرتيميس، وكيليوباترا، رموزٌ خالدة، لا تمثل مجرد قِوَى خارقة، بل هي التجسيد الأول لسلطة الأنثى في خيال البشرية، وحين أزهرت الفنون، حملت المرأة وجه الجمال والتراجيديا معًا، في المسرح الإغريقي، وإن مُنعت من التمثيل، بقيت جوهر المأساة، متجليةً في ميديا وكليتمنسترا، وفي الأوبرا كانت الصوت العميق المترنم بالحب والخذلان، من كارمن إلى مدام بترفلاي، وفي اللوحات تحولت من صورة باهتة في أروقة دافنشي إلى رمز للمقاومة والهوية كما في أعمال فريدا كاهلو.
أما السينما، هذا الفن الذي وُلد ليحاكي الحياة، فلم تُنصف المرأة في بواكيرها، لم تكن سوى بطلة في نصوص يكتبها الرجال، حتى جاءت أجنيس فاردا، وحملت الكاميرا لتروي قصتها بنفسها، لم يكن دخولها عاديًا، بل كان إعلانًا عن عودة الصوت المسلوب من كلارا بو وغريتا غاربو إلى إينغريد برغمان، ومن ميريل ستريب إلى جوليان مور، ومن كاثرين بيغلو إلى شانتال أكرمان، المرأة لم تقتحم الشاشة فحسب، بل أعادت تشكيلها و لم تكن المرأة متفرجةً قط، بل كانت دومًا في قلب المشهد، تؤلّف، تُغني، تُخرج، ترسم، وتُعيد تعريف ذاتها في كل مرة حاول أحدهم حصرها، ليست نصفًا باحثًا عن تكامل، بل كُلًّا له ملامحه النقية، وصوته الفريد، وموقعه الذي لا يُمحى من زوايا الفن، لذا فهي النور الذي لا يخبُو، والجمال الذي لا يُقيد، والقوة التي لا تنكسر بل نجمة لا تعرف الغياب، باقية فوق سماء الإبداع مشرقةً، لا تتبدّل رمزية حضورها، لأنها لم تكن يومًا تفصيلًا في اللوحة، بل كانت اللوحة ذاتها.
اليوم، المرأة هي المصوّرة التي تلتقط اللحظة، هي الناقدة التي تُضيء المعنى، هي النحّاتة التي تصوغ الواقع، هي الرسّامة التي تخلق العوالم، هي المخرجة التي تنفخ الروح في النصوص، هي الكاتبة التي تعبّر عن اللامرئي، هي الممثلة التي تُجسّد الأحاسيس، هي الأستاذة التي تُعلّم الفن في معاهد، هي الأم التي تروي القصص وتنسج الذاكرة، هي المُبدعة في كل زوايا الإبداع.
والآن، جاء دوركِ لتكتبي سطركِ في ملحمة الفن، لتضعي الكاميرا حيث يليق بنظركِ، وتختاري ألوانكِ التي تظهر روحكِ، وتنسجي الديكور على نبض رؤيتكِ. قولي “أكشن”، وابدئي الحياة من جديد، فأنتِ من تصنعين اللحظة، وتمنحينها الحياة، فأنتِ المبدعة التي تُعيد تشكيل العالم كما تشائين.