أشرف محمدين يكتب : الرُقي… جمالٌ يفيض من الروح إلى العالم

في زمنٍ صار الصخبُ فيه سيد الموقف، والمظاهرُ تعلو على الجوهر، أصبح الرُقي عملة نادرة، يختص بها أولئك الذين اختاروا أن يكونوا أجمل من كل ضجيج.
الرُقي ليس قيدًا ثقيلًا ولا ترفًا اجتماعيًا، بل هو نمط حياة، يبدأ من احترام النفس وينعكس على كل علاقة، وكل كلمة، وكل موقف.
الرُقي هو ذاك الفن العميق الذي يسكبه الإنسان في تفاصيله اليومية، دون أن يطلب من أحد أن يصفق له، أو أن يلاحظه.
هو أن تظل نقيًا حين تتسخ الأرواح من حولك، صامتًا حين يعلو اللغو، كريمًا حين يبخل الكثير، وأمينًا حتى عندما تخونك الحياة.
رُقي المشاعر… رفاهية الأرواح النبيلة
حين ترتقي المشاعر، تتعطر الحياة برائحة الإنسانية الحقيقية.
الرُقي في المشاعر يعني أن نشعر بالآخرين دون أن يطلبوا، أن نُحسن الظن حين يتعثر الكلام، وأن نُعانق أرواح من نحب، حتى من مسافات بعيدة، بدفء نوايانا.
رُقي الحب… سمو العاطفة وأصالة القلب
الحب الراقي لا يُقاس بكم الكلمات ولا بمظاهر الغرام، بل بعمق الاحترام المتبادل، وصدق النوايا.
الحب الراقي هو أن تختار أن تكون ملاذًا لحبيبك لا عبئًا عليه، أن تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه، وتسانده في ضعفه دون أن تُشعره بالنقص.
الحب الراقي لا يعرف الغيرة المريضة، ولا الحاجة للتملك، بل هو ثقة مطلقة، واحتواء عظيم، وعطاء لا يُقيده انتظار المقابل.
في رُقي الحب، يصبح كل خلاف فرصة لفهم أعمق، وكل لحظة صمت، صلاة صامتة للطمأنينة. فالحب الراقي لا يعرف إلا الصدق بكل ما تحمل الكلمة من معني صدق الكلام و صدق المشاعر و صدق التصرفات و رقي الحب اساسه و محتواه هو الامان
رُقي التعامل… مرآة الأخلاق
الرُقي في التعامل هو انعكاس لقيمنا الحقيقية.
هو أن تكون كريم النفس في وقت الشح، لطيف اللسان وقت الغضب، منصفًا وقت الخلاف، وعادلًا حين تميل القلوب.
رُقي الخلاف… أرقى امتحانات الأخلاق
حين نختلف، يظهر معدننا الحقيقي.
الرُقي في الخصام أن نحفظ للآخرين مقامهم، مهما كان الألم.
أن نغادر بحب، أو نصبر بحكمة، دون أن نكسر قلوبًا اعتادت يومًا أن تسكن قلوبنا. فالصمت و عدم فتح صندوق الاسرار مهما طال الخلاف بينكما و ان تظل محافظا علي خصوصيته هو قمة النبل و الرقي و يعلي من شأنك و يرفعها لا يقلل منها
الرُقي… قرارٌ يومي
الرُقي ليس شعارًا نتزين به أمام الآخرين، بل هو معركة سرية نخوضها مع أنفسنا كل يوم:
أن نختار اللطف بدل القسوة، والاحترام بدل السخرية، والصفح بدل الضغينة.
و في النهاية
الرُقي هو جمال الروح حين تختار أن تظل سامية رغم انحدار كل شيء من حولها.
هو هدية نادرة نهبها للعالم دون أن ننتظر شيئًا بالمقابل، لأننا ببساطة… لا نعرف أن نكون إلا راقيين
يا من تبحث عن الرُقي، لا تعبأ بضجيج العالم، ولا تنهزم أمام قسوته.
كن وردةً تتفتح وسط صحراء قاحلة، كن ضوءًا صغيرًا يبدد عتمة القلوب…
ازرع الرُقيّ في كل خطوة تخطوها، ففي النهاية، لا يبقى في ذاكرة العالم سوى من عاش نبيلاً، ومات راقيا