في ذكرى رحيله.. أحمد رامي شاعر الشباب الذي لا يكتب للزمن بل للخلود

تحل في الخامس من يونيو الجاري الذكرى الـ44 على وفاة شاعر الشباب أحمد رامي الذي رحل عن الدنيا عام 1981، بعدما أثرى المكتبة الفنية بأعماله خاصة الغنائية منها، ولعل أبرزها أعماله مع كوكب الشرق سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
أحمد رامي شاعر الشباب
وارتبط الشاعر أحمد رامي بالشعر منذ فجر شبابه وأخذ ينشر قصائده في الصحف والمجلات مما لفت إليه أنظار المطربين في عصره فكانوا يقبلون على الشدو بكلماته حتى أن إحدى قصائده المنشورة بالصحف آنذاك “الصب تفضحه عيونه” كانت بداية تعارفه على كوكب الشرق أم كلثوم وكان ألبوم الذي دعاه فيه صديقه إلى الاستماع لفنانة صاعدة صوتها رائع يأخذ القلب في حديقة الأزبكية يوما ذهبيا للشاعر رامي، وكأنه على موعد مع القدر سمع أم كلثوم الريفية ذات الجمال الفطري تغني قصيده “الصب تفضحه عيونه” التي أعطاها للشيخ أبو العلا محمد وكانت هذه القصيدة شهادة ميلاده كشاعر واذا بالأقدار تضعها على شفاه أم كلثوم ليصبح بعد ذلك رامي شاعر الحب الذي فتن بالصوت الذي يشدو بكلماته.
ويقول الشاعر والمتخصص في التراث الشعبي الدكتور مسعود شومان إن المتأمل لسيرة الشاعر الكبير، أحمد رامي سيجد مسيرته وقد بدأت بشجرة ليصبح بمثابة حديقة حافلة بأنواع من الإبداع والثقافة، وقد تأسست موهبته على معرفة عميقة بأكثر من لغة لعل منها العربية والفرنسية والفارسية.
وأضاف شومان، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن ارتحالات رامي لباريس كانت ذات أثر بالغ في وعيه بالوجود ومفارقاته ولعل دراسته لعلوم الوثائق والمكتبات كانت مصدرا مهما لمطالعته لعدد من أمهات الكتب فضلا عن تشكيل وعيه التصنيفي للأنواع الشعرية من قصيدة وموشح ورباعية، وأغنية.
وذكر شومان أن: “هذا الأمر يتضح فيما تركه لنا من كنز إبداعي تمثل في أشعاره وأغنياته الفصحى والعامية فضلا عن ترجمته التاريخية لرباعيات الخيام إضافة لكتابته لعدد من حوارات الأفلام والمسلسلات والمسرحيات”.

وأوضح أن إبداع رامي صار علامة على زمنه حيث يمكن أن نقرأ خلاله حال المجتمع ورؤية الوجود وتطور الفن الشعري والارتقاء بالأغنية المصرية حتى جابت الآفاق خاصة مع كوكب الشرق ولعل ذكراه تفتح لنا بابا لتعريف الناس بشخصه وشعره وترجماته وريادته لعدد ثري من مجالات الإبداع الذي يجعلنا نضعه في مصاف الشعراء الحدائق الذين قدموا اقتراحات ثرية ما تزال حاضرة في الوعي الجمعي.
ولد رامي في 19 أغسطس 1892، في حي السيدة زينب، بعد إنهاء تعليمه الابتدائي عام 1907 التحق بمدرسة الخديوية الثانوية، وفى هذه الفترة بدأ بتطوير موهبته الشعرية بحضور منتديات شعرية أسبوعية، التحق بمدرسة المعلمين وتخرج منها عام 1914، وتم تعيينه مدرساً للجغرافيا والإنجليزية بمدرسة القاهرة الخاصة، وبعد ذلك بست سنوات عُين أمين مكتبة المدرسين العليا فمنحه هذا المنصب فرصة نادرة لقراءة الشعر والأدب باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية.
سافر شاعر الشباب أحمد رامي إلى باريس في عام 1922 في بعثه لتعلم نظم الوثائق والمكتبات واللغات الشرقية ثم حصل على شهادة في المكتبات من جامعة السوربون، وخلال فترة بعثته قام بدراسة اللغة الفارسية بمعهد اللغات الشرقية مما ساعده على ترجمة رباعيات عمر الخيام.
في عام 1952 اُختير أمينا للمكتبة بدار الكتب المصرية، حيث أدخل التقنيات الحديثة التي تعلمها في فرنسا في تنظيم دار الكتب، ثم انضم إلى عصبة الأمم كأمين مكتبة بعد أن انضمت مصر إليها وعاد إلى مصر عام 1945 حيث عمل كمستشار لدار الإذاعة المصرية، وبعد توليه هذا المنصب لثلاث سنوات عاد لدار الكتب كنائب لرئيسها.
من جانبها ، تقول الشاعرة شيرين العدوي عضو المجلس الأعلى للثقافة :” في الخامس من يونيو، نحتفل بذكرى رحيل أحمد رامي، الشاعر الذي نحت قلبه في الذاكرة العربية نقشًا لا يُمحى. هو الذي حمل الكلمة بين يديه كما يُمسك العاشق الزهراء، مُضيئًا بها الطرقات المظلمة للأرواح، مُلهِمًا عوالم الحب والجمال.
وتقول الشاعرة شيرين العدوي ، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إنه على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على غياب رامي، لا تزال قصائده تلمس أعماقنا كما تلمس الرياح أوراق الأشجار الخضراء.
وأضافت أن: “رامي كان شاعرا لا يكتب للزمن بل للخلود، حيث كانت قصائده حروفًا تتنفس كما تنبض القلوب بالحب والألم منها على سبيل المثال لا الحصر /هجرتك / و/جددت حبك/ و/ دليلي احتار/ و / يا ظالمني/ و/ حيرت قلبي/ و / على بلد المحبوب/”.
واعتبرت أن هذه ليست مجرد أغنيات، بل هي كائنات حيّة تعيش في الذاكرة الثقافية العربية، تكتب تاريخًا أزليًا للحلم والحب والإيمان بالأرض والشعب. لقد ترجم أفراحه وأحزانه بصدق يتجاوز حدود الكلمات، فحول الشعر إلى لغة محمولة على الأجنحة بين السماء والأرض.
وتوضح العدوي أن رامي كان في كل كلمة يكتبها، في كل أبيات تخرج من حناجره، يزرع بذور الأمل في الأراضي القاحلة للأمة، مؤمنًا بأن الكلمة أداة التغيير الحقيقية، وأنه من خلالها يمكن تهذيب النفس وإعلاء الروح. كان يبدع في خلق عالم من الصور البلاغية الدقيقة التي تعكس عمق معاناته وحبه، ليحاكي بها المشاعر الإنسانية التي تتجاوز الحدود الجغرافية والزمانية.
وتقول: “في ذكرى رحيله، نسترجع أثره ليس فقط في الأذن العربية، بل في قلبها الذي نبض بحب الوطن والجمال، وأدرك أن الشعر، حين يُكتب بصدق، يُصبح لغة الأبد. إنه الحلم الذي كان في الغيب بكره كما قال.
يملك رامي سجلا حافلا بالإنجازات فله ديوان رامي في أربع أجزاء “أغاني رامي، غرام الشعراء، رباعيات الخيام”، ويرجع لرامي الفضل في ترجمة رباعيات الخيام من الفارسية إلى العربية.
وشارك رامي في تأليف أغاني أو كتابة الحوار لعدد من الأفلام السينمائية، منها: “نشيد الأمل”، “الوردة البيضاء”، “دموع الحب”، “يحيا الحب”، “عايدة”، “دنانير”، “وداد”، بالإضافة لقيامه بالكتابة للمسرح فقدم مسرحية “غرام الشعراء”، وترجم مسرحية “سميراميس”، هذا إلى جانب ترجمته لعدد من الكتب.
وأصيب شاعر الشباب أحمد رامي بحالة من الاكتئاب الشديد بعد وفاة الملهمة الأساسية له أم كلثوم، ورفض أن يكتب أي شيء بعدها حتى توفي في 5 يونيو 1981.