لأول مرة ..شمس البارودى تحكى تفاصيل حادث غرق ابنها عبد الله

كتبت الفنانة المعتزلة شمس البارودي عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك” منشورًا مؤثرًا، استعرضت فيه مشاعرها في الذكرى السنوية لوفاة نجلها عبد الله، الذي وصفته بأنه “قطعة من قلبها وجوهرة عمرها التي لا تُعوّض”.
وقد سردت “البارودي” في المنشور تفاصيل دقيقة عن نشأته، وذكرياتها معه، ومواقفه النبيلة، وملامح نبوغه المبكر، وصولًا إلى لحظة الفقد المؤلمة التي قلبت حياتها وحياة الأسرة رأسًا على عقب.
وأرفقت رسالتها بكلمات حزينة ومؤثرة عبّرت فيها عن ألم الفقد، وصبر المؤمن، واسترجاعها الدائم لعبارة: “إنا لله وإنا إليه راجعون… اللهم أجرني في مصيبتي”، كما ناشدت الأمهات بالدعاء لأبنائهن، واستحضرت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في صبره على فَقْد أحبته.
وفيما يلي نص ما كتبته:
في ذكرى فراق فلذة كبدي وقطعة من روحي، ابني الحبيب عبد الله، أكتب هذه الكلمات وأنا أضع يدي على جرحي الذي لم يلتئم، مسترجعة ما خطّه القدر وما احتسبناه عند الله، راجية من المولى عز وجل أن يربط على قلبي وقلب كل أم عاشت مرارة الفقد.
عبد الله لم يكن مجرد ابن، بل كان أمانة استردها الله، بعد أن ملأ حياتنا نورًا، وعقولنا فخرًا، وقلوبنا حنانًا. منذ ميلاده الذي وافق ذكرى المولد النبوي الشريف، ورغبتي أن أسميه عبد الله، بدا لي أن له شأنًا، وقد خصّه الله بهيبة ووقار، ونقاء سريرة ندر وجوده.
رضع من صدري لعامين ونصف، وكان أقرب لأبيه مني، يحرص على مرافقته في كل مشوار، ويسهر على راحته، ويرفض أن يتركه وحيدًا في موعد طبي أو لحظة تعب. عبد الله نشأ حافظًا للقرآن، عميق الفكر، سابقًا لعمره، يشهد له بذلك أساتذته وزملاؤه وكل من عرفه أو تحدث إليه.
في أحد المواقف، حين اغتيل الطفل محمد الدرة، وقف عبد الله – وهو طالب في مدرسة أمريكية – مدافعًا عن القضية، رافضًا أن يدرس في صمت بينما الدم الفلسطيني يُراق، وكان صدامه مع المدرّس موقفًا نعتز به، ودرسًا في الثبات على المبادئ، مهما كلف الأمر.
كبر عبد الله، وتفوق دون الحاجة لأي دعم خارجي أو مدرس خصوصي، فقط بعقله وهمّته، حتى وصفه أحد أساتذته بأنه “نابغة”، وقالت لي ابنته الكبرى ناريمان: “عبد الله حيعدينا كلنا، مفيش حد فينا زيه في الذكاء”.
وكانت علاقته بأسرته متينة، ظل بجانبنا بعد سفر إخوته، وكان يرى نفسه مسئولًا عني وعن أبيه، يحرص على صحبتنا، ويجد سعادته في حوارنا، ومجالس الذكر والقرآن في المسجد النبوي أثناء العمرة كانت أحب الأماكن إلى قلبه.
وفي صيف عام 2023، كعادتنا في السفر إلى الساحل الشمالي، اصطحبنا عبد الله لقريتنا في “بدر”، وهناك في يوم هادئ، بعد أن تناول طعامه معنا وذهب للبحر، لم يعد… دخلتُ في لحظة من أصعب لحظات حياتي، نُقل إلى المستشفى، ولم أكن أعلم أن القدر قد خط نهاية الرحلة.
رأيت وجهه، مسجّى بجمال نوراني، وكأن الله أتم عليه رحماته. قبلته، واحتسبته، وقلت: “إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيرًا منها”.
زوجي، والد عبد الله، لم يحتمل الصدمة، وكان قلبه متعلقًا به إلى حدٍّ كبير، ومعه إخوته عمر، محمود، وناريمان، الذين اجتمعوا في لحظة الحزن، يثبتوننا ويقوّون بعضنا البعض. ومنذ ذلك اليوم، لم تطأ أقدامنا المكان الذي فقدناه فيه، وكأن كل شيء توقف عند لحظة غيابه.
مرّت سنة وثلاثة أشهر، والدمع لم يجف، والدعاء لا يتوقف. نحاول أن نكمل، أن نحيا برضى وقبول، ونستودع عبد الله عند من لا تضيع ودائعه.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل لقاءنا به في مستقر رحمتك، في صحبة نبيك، وفي مقام صدق عند مليك مقتدر.
اللهم احفظ لي أولادي محمود وعمر وناريمان، وبارك فيهم، وامنحهم القوة والرضا، وامنح قلبي السكينة حتى نلتقي بمن سبقنا، في دار لا ألم فيها ولا فُرقة.