الواجهة الرئيسيةمقالات

الذكاء الإصطناعى والإنسان..من يستحق براءة الاختراع ؟قراءة فى قضية DABUS وموقف التشريعات المقارنة

دكتورة / ريهام فتحى فهمى

يشهد العالم فى السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، واصبح أحد التحديات الرئيسية هو تحديد من يمتلك حقوق الملكية الفكرية للمحتوى الذى يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعى، فقد تطورالذكاء الاصطناعى في الفترة الأخيرة بوتيرة متسارعة مما أدى لظهور ما يسمى بالذكاء الاصطناعي التوليدي ( Generative AI) وهو النوع القادر على التفكير والإبداع وإنتاج أفكار أو تصاميم جديدة دون تدخل بشرى مباشر، حيث أن هذه القدرة أثارت تسائلًا قانونيًا مفاده : هل يمكن أن يُمنح الذكاء الاصطناعى براءة اختراع عن إبداعه كما يتم منحها للشخص الطبيعى؟

خاصة وأن هذا النوع من الذكاء الاصطناعى، متطور يستطيع إنشاء محتوى جديد لم يكن موجود من قبل فهو يستطيع كتابة مقال أو قصة جديدة، أو إنشاء صورة فى ضوء وصف نصى، كما يمكنه تأليف الموسيقى أو إنتاج فيديو جديد، وبمقدوره توليد كود برمجى لحل مشكلة معينة، فوظيفته الأساسية تتمثل فى الإبداع والتوليد التى من شأنها أن تخرج مخرجات أصلية جديدة تشبه ما يمكن أن ينتجه الانسان، حيث يعتمد على نماذج ضخمة مدربة على كميات هائلة من البيانات مثل ChatGPT أو DALL.E أو Midjourey .

وبطبيعة الحال، فإنه يختلف عن الذكاء الاصطناعى التقليدى، الذى ينحصر دوره فى أن يقوم بمهام محددة دون أن ينشىء شىء جديد فهو يعتمد على التحليل والتنبؤ واتخاذ القرارات بناء على البيانات الموجودة ( مثل برامج التنبوء بدرجة الحرارة اعتمادًا على بيانات الطقس السابق ) فهو نظام يعتمد على التحليل، التصنيف، التنبؤ، إتخاذ قرار منطقى، وليس من شأنه توليد محتوى جديد.

وفى هذا الإطار، لم يعد النقاش حول هذه المسألة من قبل الترف الفكرى أو النقاش النظرى، وإنما أصبحت من القضايا المُلحة التى يفرضها التطور التكنولوجى المتسارع على الساحة القانونية والعلمية.

وفى هذا الصدد، فقد تم إثارة هذه الإشكالية على أرض الواقع فى القضية المعروفة بقضية DABUS التى أشعلت النقاش العالمى وألقت الضوء على موقف التشريعات المختلفة من هذه القضية .

ففى 17 ديسمبر عام 2019 صمم المخترع ستيفن ثالر نظام ذكاء إصطناعى أطلق عليه أسم DABUS
اختصارًا لـ ((Device for the Autonomous Bootstrapping of Unified Sentience أى جهاز التمهيد الذاتي للإحساس الموحد، وهو نظام ذكاء إصطناعى قادر على استيعاب تريليونات من الخلايا العصبية الحاسوبية ضمن أنظمة عصبية اصطناعية واسعة تُحاكي القشرة الدماغية؛ فهو يتميز بقدرته على توليد افكار مبتكرة بطريقة مستقلة، حيث استطاع تصميم حاوية طعام ذات مواصفات خاصة تزيد من كفائتها فى النقل والتخزين، وجهاز إنذار طوارىء يعتمد على ومضات ضوئية تجذب الانتباه فى حالات الخطر.

وبرزت المشكلة حين تقدم ثالر لتسجيل براءة الاختراع ولكن ليس باسمه ولكن باسم DABUS كمُخترع بينما ثالر هو مالك النظام ، وتقدم ثالر بطلبات للحصول على براءة اختراع لعدة دول، إلا أن ردود الفعل القانونية أثارت ضجة حول العالم حيث أن أغلب الدول حسمت القضية بالرفض إلا دولة واحدة.

ففى 20 ديسمبر 2023 اسدلت المحكمة العليا في المملكة المتحدة الستار بحكم نهائى أكدت فيه المحكمة أنه بموجب قانون براءات الاختراع لعام ١٩٧٧، لا يجوز طلب براءة اختراع لذكاء اصطناعي، والالتزام بآراء المحاكم الأدنى، وكذلك مكتب الملكية الفكرية في المملكة المتحدة، القائلة بأن المخترع لا يكون مؤهلاً للحصول على براءة اختراع إلا إذا كان “شخصًا طبيعيًا”.
(www.supremecourt.uk/case)

وعلى غرار الرأى السابق، تم رفض الطلب المقدم من ثالر من الاتحاد الاوروبى عام 2020 (مكتب براءات الاختراع الأوروبي EPO) بسبب أن قانون براءات الاختراع الأوروبى يشترط أن يكون المخترع شخصًا طبيعيًا والذكاء الاصطناعى لا يتمتع بالشخصية القانونية، وفى 21 ديسمبر عام 2021 تم رفض استئناف ثالر لذات السبب وأكدت هيئة الاستئناف أنه “بموجب اتفاقية براءات الاختراع الاوروبية EPC، يجب أن يكون المخترع المعين شخصًا ذا أهلية قانونية وهو المعنى العادي لمصطلح المخترع وذلك طبقا للمادة 81 منها قاعدة 19/1، وأن بيان مقدم الطلب – ثالر- لم يتوافق بشأن أصل الحق في الاختراع مع المادة 81 من اتفاقية البراءات الأوروبية، إذ لا يُمكن اعتبار مقدم الطلب خليفةً لنظام ذكاء اصطناعي، فأنظمة الذكاء الاصطناعي ليس لها شخصية قانونية، ولا يُمكنها نقل أي حقوق. كما تناقضت تصريحات مقدم الطلب فمن جهة، صرّح بأنه خليفة المخترع في الملكية. ومن جهة أخرى، أقرّ (في الملحق) بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تمتلك أي حقوق يُمكن نقلها ، لهذه الاسباب ولأسباب أخرى عددتها الهيئة تم رفض الطلب المقدم من ثالر.
( للاطلاع على مذكرة رئيس المكتب الاوروبى لبراءة للاختراع يرجى مراجعة https://www.epo.org/en/boards-of-appeal/decisions/j200008eu1)

كما رفضت الولايات المتحدة الامريكية ذلك الطلب عام 2020 حيث أكدت المحكمة أن كلمة ” individual” فى قانون البراءات تعنى انسان وليس نظامًا آليًا.
وجاء رفض استراليا فى المرحلة الاستئنافية عام 2022 حيث انها قبلت الطلب فى البداية فى المحاكمة الابتدائية ثم عام 2021 ثم تم رفضه فى الاستئناف.

وعلى خلاف ذلك، فإن دولة جنوب إفريقيا هى الدولة الوحيدة التى قبلت تسجيل البراءة بأسم DABUS فى يوليو 2021 ، واعتبرت أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يذكر كمخترع ، بينما تظل حقوق الملكية الفكرية لمالك النظام ( ثالر) .

ولعلنا نذهب إلى ما انتهت إليه دولة جنوب إفريقيا حيال تلك القضية، فأن قضية DABUS لم تأتى فقط لتلقى الضوء على مشكلة ثالر، وإنما هى تجربة قانونية أطلقت شرارة النقاش حول فكرة “المبتكر غير البشرى”، كما أنها تختبر قدرة القوانين على مواكبة التطور التكنولوجى السريع واستيعاب القضايا الحديثة التى يخلفها التطور التكنولوجى.

وعلى الرغم من أن الإطار القانونى الحالى – سواء على المستوى المحلى أو الدولى – لا يجيز منح الذكاء الاصطناعى براءة اختراع لأنه لايتمتع بالشخصية القانونية اللازمة لامتلاك الحقوق أو تحمل الإلتزامات ولابد أن من تؤول له براءة الاختراع وفقًا للقوانين الحالية أن يكون بشرى.

إلا انه أمر مردود عليه بأن ذلك يستدعى إعادة النظر فى المفاهيم التشريعية التقليدية، فليس من الإنصاف من الناحية الأخلاقية والفلسفية أن يتم منح بشرى براءة إختراع عن شىء لم يكن وليد نشاط عقلى خالص له، فمعظم القوانين تفترض أن الابتكار هو ثمرة قدرة عقلية ابداعية للانسان، فكيف يتم المساواة بين من يأتى بشىء من صميم عقله ونتاج أفكاره، ومن تحصل على فكرة مبتكرة من آلة هى كانت صاحبة توليد تلك الفكرة حتى وإن كان هو من قام بتوجيهها، فمن الانصاف أن يتم اعادة النظر فى المفاهيم التقليدية للملكية الفكرية لضمان التوازن بين تشجيع الابتكار وحماية حقوق الانسان، بأن يتم وضع إطار قانونى خاص للاختراعات الناتجة عن الذكاء الاصطناعى، وأن يتم الاعتراف به كمشارك فى العملية الابتكارية دون منحه صفة المخترع وأن يتم إنشاء سجل للاختراعات المشتركة بين “الانسان والآلة ” خاصة مع الاتجاه المتزايد نحو دمج قدرات العقل البشرى مع الآلة كما هو الحال فى الشرائح الدماغية أو مايعرف بالتقنيات العصبية المعززة بالذكاء الاصطناعى، فأصبح الامر يحتاج إلى معالجة مختلفة أكثر تطورًا.

وعلى المستوى العالمى يبدو أن هذا هوالاتجاه الدولى الحالى، ففى عام 2024 أصدر مكتب براءات الاختراع الأمريكي (USPTO) توجيهاً هاماً في فبراير 2024 أكد أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يُعتبر مخترعاً، لكن لا يشترط أن يكون الإنسان هو المبتكر الوحيد حيث يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في العملية الابتكارية ويجب أن يشارك الإنسان بشكل ” ذو معنى” في عملية الاختراع ، وهو نفسه ما اتجهت إليه دولة الصين عام 2023، حيث بدأ مكتب الملكية الفكرية الصيني مناقشات علنية حول معالجة اختراعات الذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من عدم الاعتراف بالذكاء الاصطناعي كمخترع بعد، إلا أنهم يدرسون إنشاء إطار قانوني خاص للتعامل مع هذه الاختراعات، أما الاتحاد الاوروبى عام 2024 كان هناك مناقشات مستمرة حول ضرورة تعديل قوانين الملكية الفكرية الأوروبية.

وخلاصة القول، إذا كان من الصحيح أنه لم يتم الاعتراف بشكل موسع بالذكاء الاصطناعى كمخترع مستقل حتى الآن، إلا أن هناك مناقشات جادة ومتزايدة لتطوير أطر قانونية جديدة تلائم العصر الرقمي الجديد والقضايا الحديثة التى تطرأ على الساحة القانونية والعلمية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى