الفساد الصغير عندما تصبح الرشوة “أمرًا عاديًا”

بقلم / وليد محمد عبد اللطيف

لا يبدأ الفساد دائمًا بقرارات كبرى أو أرقام فلكية بل غالبًا ما يتسلل في صمت عبر ممارسات يومية صغيرة اعتادها المجتمع حتى فقدت خطورتها في الوعي العام وأصبحت تُمارس باعتبارها “أمرًا عاديًا” لا يستدعي الغضب أو الرفض.
تبدأ القصة برشوة بسيطة لتسريع إجراء أو مبلغ محدود للحصول على خدمة من المفترض أن تُقدم بحكم القانون ثم تتسع الدائرة تدريجيًا لتشمل قطاعات مختلفة من مصالح حكومية إلى خدمات عامة وصولًا إلى مواقع يفترض فيها النزاهة الكاملة ومع الوقت تتحول هذه الممارسات إلى ثقافة مجتمعية صامتة يُنظر إليها باعتبارها وسيلة “لتسيير الأمور” لا جريمة يُعاقب عليها القانون.
الخطورة الحقيقية لما يُعرف بـ«الفساد الصغير» لا تكمن في قيمته المالية بل في أثره التراكمي على مؤسسات الدولة وثقة المواطنين فحين يعتاد المواطن تجاوز القانون ويتعامل الموظف مع الرشوة كدخل إضافي ينهار مبدأ العدالة وتُستبدل الكفاءة بالمحسوبية ويصبح الحق امتيازًا لمن يدفع أكثر.
ويؤدي هذا النمط من الفساد إلى خلق حالة من التطبيع مع الخطأ حيث يُبرر السلوك غير القانوني بالفقر أو ضعف الرواتب أو تعقيد الإجراءات وهي مبررات لا يمكن أن تُشرعن إهدار القانون أو تدمير أسس النزاهة فالفقر لم يكن يومًا مبررًا للفساد كما أن تعقيد الإجراءات لا يبرر خرقها.
كما أن استمرار هذه الممارسات يُفرغ جهود مكافحة الفساد من مضمونها إذ لا يمكن مواجهة الفساد الكبير دون تجفيف منابعه الأولى فالفساد المؤسسي يجد بيئة خصبة في مجتمع يتسامح مع الرشوة الصغيرة ويتعامل معها باعتبارها واقعًا لا يمكن تغييره.
إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب وعيًا مجتمعيًا قبل أي إجراءات رقابية يبدأ برفض المواطن المشاركة في الفساد ويمتد إلى ترسيخ قيم النزاهة والمساءلة داخل المؤسسات وتفعيل القانون دون استثناء أو تهاون فمحاربة الفساد لا تبدأ من القمة فقط، بل من أبسط تعامل يومي بين المواطن والدولة تبقى الحقيقة واضحة الفساد الكبير لا يولد فجأة بل ينمو تدريجيًا من فساد صغير اعتدنا عليه حتى أصبح جزءًا من الواقع.







