أخبار العالمالواجهة الرئيسية

“بيتر نافارو” الأبرز.. كيف أصبح إرضاء ترامب طريقا للصعود السياسي؟

لم يكن التملق يوما ظاهرة جديدة في عالم السياسة، لكنه في ظل إدارة دونالد ترامب تحول من سلوك هامشي إلى وسيلة للصعود داخل دوائر النفوذ والقرار، في ظل وجود رئيس يميل إلى الشخصنة، ويكافئ الولاء العلني أكثر مما يكافئ الخبرة المؤسسية، وأصبح إظهار الإعجاب، بل والمبالغة فيه، طريقا سريعًا للوصول إلى مواقع التأثير، أو على الأقل للبقاء داخل دائرة الضوء السياسي، وفقًا لمجلة نيويوركر.

ومنذ ولايته الأولى، بدا واضحا أن ترامب يفضل المستشارين والمسؤولين الذين يجيدون مخاطبة غروره السياسي، ويؤكدون علنا تفرده و«عبقريته» في القيادة. هذا النمط تعمق في ولايته الثانية، حيث تقلصت مساحة النقد الداخلي، واتسعت دائرة الأصوات التي تحرص على مواءمة مواقفها مع مزاج الرئيس وتوجهاته اللحظية. في هذا السياق، لم يعد البقاء داخل الدائرة المقربة من ترامب مرهونا بالقدرة على تقديم نصيحة صريحة أو رؤية استراتيجية بعيدة المدى، بل بمهارة قراءة مزاج الرئيس وإشباع حاجته الدائمة للتقدير.

صعود بيتر نافارو داخل إدارة دونالد ترامب 

وأضافت المجلة: “يقدم صعود بيتر نافارو داخل إدارة دونالد ترامب نموذجا شبه مكتمل لكيفية تحول التملق من سلوك سياسي تقليدي إلى آلية قائمة بذاتها لاكتساب النفوذ داخل الإدارة. فلم يصل نافارو إلى مركز التأثير عبر مسار أكاديمي مرموق، ولا عبر إنجازات بحثية راسخة، ولا حتى عبر نجاح سياسي انتخابي سابق، بل عبر قدرة استثنائية على مواءمة قناعاته مع ما يرغب الرئيس في سماعه. في بيئة سياسية تكافئ الولاء الشخصي أكثر من الاستقلال الفكري، يصبح التملق عملة نفوذ فعالة، بل أحيانا أكثر فاعلية من الكفاءة نفسها”.

وقبل 2016، كان نافارو أستاذًا بجامعة كبرى، يدرس مقررات شبه فارغة، ويكتب كتبًا عن الصين بالكاد تجد صدى أكاديميًا أو جماهيريًا. وكان فشله المتكرر في التحول إلى شخصية عامة لامعة، كعمدة أو نائب أو نجم إعلامي، وراء شعوره العميق بأنه ”غير مقدر”، وهو شعور وجد صداه الطبيعي داخل عالم ترامب السياسي، حيث الإحساس الجماعي بالغبن والمظلومية هو أحد أعمدة التماسك الأيديولوجي. وهذا التلاقي النفسي بين رئيس يرى نفسه ضحية “النخب” ومستشار يرى نفسه ضحية التجاهل، خلق أرضية مثالية لعلاقة تقوم على الإذعان الكامل.

لم يكن نافارو صاحب أفكار ثابتة أو مدرسة فكرية متماسكة. مواقفه من التجارة الحرة، والرسوم الجمركية، وحتى من الصين نفسها، كانت متناقضة على مدار سنوات. لكنه حين التقى بترامب الذي يؤمن بأن “الحدس دائما على حق”، أعاد تعريف دوره بالكامل: لم يعد خبيرا يقدم بدائل، بل مروجا فكريا لقرارات الرئيس، مهما كانت متناقضة مع ما كتبه سابقا. عبارته الشهيرة عن أن “وظيفتي كاقتصادي هي تأكيد حدس الرئيس، وحدسه دائمًا صحيح” تختصر فلسفة التملق في إدارة ترامب: الفكر في خدمة الشخص، لا العكس.

في هذا السياق، يصبح التملق ليس مجرد إطراء لفظي، بل استعدادًا عمليًا لمحو الذات الفكرية. ولم يكتف نافارو بالدفاع عن سياسات تجارية كان قد حذر منها في السابق، بل تحمس لإعادة تسويقها بوصفها خلاصا قوميا. وتحولت الرسوم الجمركية على لسانه من خطر اقتصادي إلى “تخفيضات ضريبية” و”أمن قومي”، في قفزة خطابية لا تفسر بالتحليل الاقتصادي بقدر ما يمكن فهمها في إطار الولاء الشخصي.

هذا النمط من السلوك لا يخص نافارو وحده، لكنه يظهره في صورة مكثفة. فإدارة ترامب، خصوصا في ولايته الثانية، شجعت على نوع من “الطاعة الاستعراضية”، حيث يتنافس المسؤولون على إظهار الولاء أمام الكاميرات، في اجتماعات طويلة تتحول إلى عروض مديح علني. ومع الوقت، لم يعد التملق استثناءً، بل معيارا ضمنيا للقبول داخل الدائرة الضيقة. من يجيد هذا الفن يبقى، ومن يتردد أو ينتقد يُقصى، مهما بلغت خبرته.

المفارقة أن هذا النوع من التملق لا يحمي صاحبه من السخرية أو الازدراء. نافارو نفسه كان مادة دائمة للاستهزاء حتى من حلفاء ترامب، ووصف بأوصاف قاسية من سياسيين ورجال أعمال نافذين. ومع ذلك، ظل موجودا، لأن قيمته لم تكن في احترام الآخرين له، بل في قدرته على لعب دور “المصدق الأكبر” للرئيس. في منطق السلطة هذا، لا تقاس المكانة بالهيبة، بل بالمنفعة المباشرة.

وسياسيًا، يفضي هذا النموذج إلى إضعاف خطير للمؤسسات. فعندما يتحول المستشار إلى مرآة للرئيس، لا إلى عقل نقدي مستقل، تتآكل آليات التصحيح الذاتي داخل الحكم. وتتراكم الأخطاء، والقرارات تتخذ بدافع الإرضاء لا التقييم، وتصبح السياسات العامة انعكاسًا لشخصية الحاكم أكثر من كونها نتاج عملية مؤسسية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى