اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين خطوة تاريخية في مسار العدالة الدولية

بقلم / وليد محمد عبد اللطيف

في لحظة فارقة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي جاء اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كقرار يحمل بين طياته معاني الانتصار للحق والعدالة ويضع القضية الفلسطينية مجدداً في صدارة المشهد الدولي. إن هذا الاعتراف لم يأتِ صدفة، بل كان حصيلة عقود من النضال الفلسطيني المستمر وتضحيات جسام قدمها شعب صامد رفض أن يطوي الاحتلال هويته أو يطمس حقوقه.
هذا القرار التاريخي يعكس إرادة جماعية من المجتمع الدولي ويؤكد أن الصوت الفلسطيني لم يعد معزولاً بل وجد صداه في أروقة الأمم المتحدة التي لطالما كانت ساحة مواجهة سياسية بين قوى الحق وقوى الباطل. فالاعتراف بدولة فلسطين يعني عملياً كسر احتكار الرواية الإسرائيلية وإعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي ظل حبيس النصوص في مواجهة انتهاكات الاحتلال.
الدور المصري والدعم العربي
من بين الدول التي لعبت أدواراً محورية في الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية تتقدم مصر الصفوف. فالقاهرة بحكم موقعها ومكانتها، كانت وما زالت القلب النابض للقضية الفلسطينية وهي التي حملت هموم الشعب الفلسطيني على مدى عقود من دعم سياسي ودبلوماسي إلى جهود متواصلة في المصالحة الداخلية الفلسطينية وصولاً إلى التحركات المكثفة في أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
كما لا يمكن إغفال الدور الكبير لكل من الجزائر التي تبنت الملف الفلسطيني في أكثر من محطة دولية والأردن الذي ظل يقاتل دفاعاً عن حق الفلسطينيين وخاصة في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية إضافة إلى دول الخليج العربي التي وظفت ثقلها السياسي والدبلوماسي لدعم الموقف الفلسطيني وابرزهم السعودية. وإلى جانب العالم العربي برزت دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وتشيلي وفنزويلا التي اعترفت بفلسطين منذ سنوات وساندت طلبها بقوة. كذلك كان لمواقف بعض الدول الأوروبية كإسبانيا وأيرلندا والسويد أثر مهم في حشد التأييد داخل القارة العجوز وكان لى فرنسا دور فعال في الاعتراف بفلسطين .
اعتراف يفتح الباب ولا يغلقه
الاعتراف الأممي بدولة فلسطين لا يعني نهاية الطريق بل هو بداية مسار جديد. صحيح أنه يمثل نصراً سياسياً ومعنوياً، لكنه يفتح في الوقت نفسه معركة جديدة أكثر تعقيداً: معركة تحويل هذا الاعتراف إلى واقع ملموس على الأرض. فالاحتلال الإسرائيلي ما زال جاثماً على أراضي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وما زال يراوغ ويتهرب من أي استحقاق سياسي مدعوماً بدول كبرى تسعى لتجميد القرار أو تفريغه من مضمونه.
لكن القرار يضع إسرائيل في عزلة متزايدة ويكشف ازدواجية المعايير لدى من يرفعون شعار الديمقراطية بينما يتغاضون عن حقوق الفلسطينيين. إن اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته: حماية شعب واقع تحت الاحتلال وضمان تطبيق القرارات الأممية ذات الصلة ودفع عملية سلام حقيقية تفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
رسالة إلى العالم
اليوم يبعث هذا الاعتراف برسالة واضحة إلى الشعوب قبل الحكومات: أن فلسطين ليست قضية منسية وأن دماء الشهداء وصمود الأسرى ودموع المهجرين لم تذهب سدى. إنها لحظة يعاد فيها الاعتبار لتضحيات جيل كامل ورسالة بأن الكفاح السياسي والدبلوماسي قادر على أن يحرك عجلة العدالة مهما طال الزمن.
لقد أثبتت هذه الخطوة أن الحق الفلسطيني أقوى من كل محاولات الطمس والإلغاء وأن دعم الدول الصديقة والشقيقة وفي مقدمتها مصر هو الركيزة الأساسية التي مكنت فلسطين من أن تعود إلى موقعها الطبيعي بين الأمم. لكن التحدي الأكبر لا يزال قائماً: كيف يتحول هذا الاعتراف إلى قوة فعلية على الأرض تضمن حرية الفلسطينيين، وتعيد إليهم حقهم المسلوب في وطن حر ومستقل.
فلتكن هذه البداية لا النهاية… ولتبقَ فلسطين حيّة في وجدان العالم حتى تتحقق الدولة كاملة السيادة بعاصمتها القدس الشريف.