الانتخابات البرلمانية والمراهقة السياسية

بقلم / وليد محمد عبد اللطيف

في كل موسم انتخابي تعود الأصوات لترتفع من جديد.. وتهتز الشوارع بلافتاتٍ وشعاراتٍ وابتساماتٍ على وجوه المرشحين وكأنها ساحة احتفال لا معركة وعي. ومع كل دورة انتخابية نكتشف أننا لم نبلغ بعدُ مرحلة النضج السياسي الكامل فما زال بيننا من يتعامل مع السياسة كما يتعامل المراهق مع أحلامه الأولى.. حماسة بلا وعي وصوت مرتفع بلا مضمون.
إنها المراهقة السياسية.. تلك الحالة التي تجعل من بعض المرشحين يتصورون أن البرلمان هو كرسي للوجاهة أو تذكرة عبور نحو المصالح الشخصية لا منبر لخدمة الناس. تراهم يوزّعون الوعود كما تُوزَّع الابتسامات يتحدثون عن الإصلاح وكأنهم يملكون مفاتيح الخلاص بينما الحقيقة أن بعضهم لا يرى أبعد من لافتته المعلقة عند ناصية الطريق.
الانتخابات ليست معركة أصوات فقط بل معركة ضمير. فحين يختار المواطن من يصوّت له فهو لا يختار اسمًا على ورقة بل يختار مستقبل وطن بأكمله. وهنا تكمن الكارثة حين تمتد المراهقة السياسية إلى عقول بعض الناخبين أيضًا فيصوّتون لمن يعرفون لا لمن يستحق لمن يجاملون لا لمن يؤمنون بقدراته.
السياسة ليست مسرحًا للتمثيل ولا ميدانًا للمصالح بل هي مسؤولية ثقيلة تحتاج رجالًا ونساءً يضعون الوطن أولًا ويعتبرون المنصب تكليفًا لا تشريفًا. النائب الحقيقي لا يقيس نجاحه بعدد الصور التي التقطها بل بعدد الأبواب التي طرقها ليحل مشكلات الناس وبعدد القلوب التي دعا لها بالخير في غيابه.
لقد تعبت الأوطان من الأصوات العالية ومن الكلمات الكبيرة التي تُقال بلا فعل تعب المواطن من انتظار المخلص الذي لا يأتي ومن وجوه تتبدل بين دورة وأخرى لكنها تحمل ذات الوعود وذات الشعارات.
المراهقة السياسية ليست قدرًا لكنها مرض يمكن علاجه بالوعي.. بالثقافة السياسية بالتجارب وبإيماننا أن الوطن لا يُبنى بالصوت العالي بل بالعقل الهادئ والفعل الصادق.
فلنجعل من الانتخابات القادمة خطوة نحو النضج لا عرضًا جديدًا في مسرح الشعارات. لنمنح أصواتنا لمن يفهم معنى الوطن لمن يرى في البرلمان وسيلة للبناء لا سلّمًا للذات. فمصر لا تحتاج إلى مزيد من المتحدثين باسمها بل إلى من يعملون بصمت في سبيلها.
إن النضج السياسي ليس أن تعرف كيف تفوز بل أن تعرف لماذا تريد أن تفوز ولمن تعمل حين تفوز.
وما أجمل أن نصل يومًا إلى برلمانٍ يليق بوعي الشعب. برلمانٍ لا يعلو فيه الصوت إلا صوت الحقيقة ولا تُرفع فيه الأيدي إلا من أجل الوطن.
يا مصر.. لا تريدي من أبنائك أن يكونوا أنبياء بل أن يكونوا صادقين لا تريدي من نوابك أن يرفعوا صوتهم بالوعود بل أن يرفعوا همّك على أكتافهم. فالوطن لا يُبنى بالصراخ بل بالضمير ولا يُصان بالشعارات بل بالصدق والإخلاص.
إنكِ يا مصر أكبر من كل مقعد وأبقى من كل برلمان وستظلين الميزان الذي يُختبر فيه وعينا وإخلاصنا.. فإما أن نكبر معك أو نبقى عالقين في مراهقةٍ لا تليق بتاريخك العريق.







