تحيي مدينة كودونيو الأحد الذكرى الأولى لتسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في إيطاليا، أول دولة أوروبية تفشى فيها الوباء.
وانتشر الفيروس آنذاك كالنار في الهشيم في منطقة لومبارديا، الرئة الاقتصادية للبلاد التي أصبحت في فترة معيّنة بؤرة الوباء العالمي الذي أودى بحياة أكثر من مليوني شخص حتى الآن بينهم نحو مائة ألف في إيطاليا.
23 و24 فبراير… 5 و10 و13 و17 مارس… تشير تواريخ الوفيات المحفورة على القبور تحت الأسماء، إلى مدى تفشي المرض آنذاك. ويقول أحد حراس المقبرة روبيرتو كودازي البالغ 58 عاماً، “كان الأمر ضرباً من الخيال”، مضيفاً أن خلال شهرين دُفنت جثث “تعادل عام كامل”.
وكان روبيرتو مع أحد زملائه في الصفوف الأمامية عندما بدأ تفشي الفيروس يوم الجمعة 21 فبراير 2020 وثبُتت إصابة رجل يبلغ 38 عاماً عُرّف عنه على أنه “المريض رقم 1”. واعتباراً من السبت، كانت التوابيت مصطفة أمام المقبرة بانتظار إدخالها إلى المدافن.
اليوم في مدينة كودونيو، تشمل الأحاديث المرتبطة بالفيروس قبل كل شيء على إغلاق المتاجر والإيجارات المستحقة والقيود الجديدة التي تفرضها الحكومة لاحتواء الإصابات.
لكن عندما يصدح صوت صفارة سيارة إسعاف، تعود إلى النفوس الذكريات المأساوية. وتستذكر إيمي كافالي صاحبة حانة “بار سانترال” في الساحة الرئيسية في المدينة، الأيام الأولى للإغلاق الذي فُرض في كودونيو وعشر مدن أخرى في شمال البلاد بعد تسجيل أول إصابة بالفيروس وبعدها مباشرة أول وفاتين، بينهما امراة تبلغ 77 عاماً قرب كودونيو.
تقول إيمي “أتذكر الصمت (…) الذي يقطعه كل ثلاث دقائق صوت صفارة سيارة إسعاف. كنا نسأل أنفسنا: “من يا تُرى؟ من سيكون التالي؟”.
ويشير رئيس بلدية كودونيو فرانشيسكو باسيريني إلى أن مدينته سجّلت 154 وفاة في مارس 2020، مقابل 49 وفاة قبل عام. ويقول لفرانس برس إن موظفي المقبرة “لم يتمكنوا من مجاراة” وتيرة العمل.
ووسط العدد الهائل من الوفيات، تكدّست التوابيت في انتظار دفنها في كنيسة وأُغلقت المقبرة أمام العامة وباتت أوراق النعوة تُنشر بدون تاريخ الدفن لمنع السكان من انتهاك الحجر الصحي لتكريم الفقيد.
وشكل وصول التوابيت مفاجآت حزينة بالنسبة لروبيرتو كودازي. ويؤكد “كنت أقول في نفسي: “يا للهول، أعرف هذا الشخص! رأيته قبل أسبوع فقط”.
في ذلك الوقت، كانت فرق الصليب الأحمر تجوب المدينة لنقل يومياً حوالى عشرين مريضاً إلى الطوارئ. ويروي رئيس قسم الطوارئ في الصليب الأحمر لوتشيانو بارميجاني لفرانس برس أنه “عندما كنا نتلقى اتصالاً، لم نكن نعرف ماذا سنجد”.
في الفترة نفسها، كان أندريا لودزي وهو طبيب معالج، يعمل ليلاً نهاراً لمعالجة مرضاه وتجنّب نقلهم إلى المستشفى. وكتب الدكتور الذي لا يحبّ التحدث كثيراً إلى وسائل الإعلام، على صفحته في فيسبوك كيف نجحت مدينته شيئاً فشيئاً في الخروج من الأزمة.
وكتب في منشور في 11 مارس الماضي “يا له من ارتياح كبير! اليوم تمكنت أخيراً من القول لأربعة من المرضى: “حسناً لقد تعافيتهم”. بعد شهر من تسجيل أول إصابة بالمرض، قال “لا أعرف إلى أي مدى علينا أن نذهب، لكن نعرف أننا سننجح في الخروج” من المأزق.
ساهم الإغلاق الذي فُرض في كودونيو بالطبع في تحسين الوضع في المدينة وتوجّهت الأنظار بعدها إلى بيرجامو على بعد 70 كلم نحو الشمال، حيث التُقطت الصور التي انتشرت في العالم كله وتُظهر مواكب عسكرية تنقل توابيت.
وفي حين ارتفعت حصيلة الوفيات الوطنية إلى 4825 وفاة بعد شهر من تسجيل أول إصابة في كودونيو، تساءل البعض ما إذا كان العزل الذي فُرض في الثامن من مارس في لومبارديا، جاء متأخراً، فيما أثارت الخسائر البشرية التي سُجّلت في دور المسنين تساؤلات حول إدارة الأزمة من جانب السلطات الصحية.
في 25 مارس، خرج ماتيا مايستري “المريض رقم 1” من المستشفى بعد تعافيه. وبعد شهرين، زار الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا مقبرة المدينة حيث بدأت “رحلة معاناتنا”، على حدّ قوله.
في مكتبه في مركز الصليب الأحمر، يتصفّح رئيس قسم الطوارئ لوتشيانو بارميجاني سجلّ عمليات العام 2020، ويشير بإصبعه إلى بداية تراجع الفيروس قائلاً “تمكنا من محاربة أمر لم يكن أحد يعرفه”.
المصدر: يورو نيوز