صرح رئيس قسم هندسة القتال بقيادة القوات البرية الجزائرية العميد بوزيد بوفريوة ، في حوار نشرته مجلة الجيش الأحد، بأنه “يجب أن تتحمل فرنسا مسؤوليتها التاريخية” في ملف التجارب النووية التي أجرتها في الصحراء الجزائرية خلال الستينيات…خاصة بعدما تمت المصادقة من طرف 122 دولة في جمعية الأمم المتحدة يوم 7 جويلية (يوليو) 2017 على معاهدة جديدة لمنع استعمال الأسلحة النووية تضاف إلى المعاهدات السابقة”.
وأشار إلى أنه جرى “الاعتراف بصورة واضحة وصريحة بمبدأ الملوّث يدفع، وهذه أول مرة يطالب فيها المجتمع الدولي القوى النووية بمعالجة أخطاء الماضي”.
جدير بالذكر أن فرنسا أجرت في 13 فبراير 1960 أول تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بمنطقة رقان تحت اسم “اليربوع الأزرق”، واستعملت فيها أربع قنابل ذرية بطاقة تفجيرية تراوح بين 10 و70 كيلوطن، أي ثلاثة أضعاف قوة القنبلة المستعملة في هيروشيما، امتدت تداعياتها الإشعاعية إلى كامل غرب أفريقيا وجنوب أوروبا.
ونفذت فرنسا، التي احتلت الجزائر بين عامىّ 1830 و1962، 17 تجربة نووية في الصحراء فى الفترة بين عامىّ 1960 و1966 في منطقتي رقان وإن إيكر.
وجرت 11 من تلك التجارب، وجميعها تحت الأرض، بعد توقيع اتفاقيات إيفيان عام 1962 التي قادت لاستقلال الجزائر، لكنها تضمنت بنودا تسمح لفرنسا باستعمال مواقع في الصحراء حتى عام 1967.
وكانت السلطات الفرنسية قد أكدت بعد ثلاثة أيام من تجربة 13 فبراير 1960 أن الإشعاع أدنى من مستويات السلامة المقبولة.
ومع هذا أظهرت وثائق رفعت عنها السرية فى عام 2013 أن الإشعاع أعلى بكثير مما أعلن حينها، ويصل إلى كامل غرب إفريقيا وجنوب أوروبا.
وأكد العميد بوزيد بوفريوة أن تلك التجارب النووية “تركت آثارا ذات أخطار صحية على السكان المحليين إلى جانب الآثار السلبية على البيئة عموما وكذا الثروة الحيوانية والنباتية”.
وأشار إلى “غياب المعلومات التقنية عن طبيعة التفجيرات النووية والعتاد الملوث إشعاعيا الذي تم دفنه”.
وأشار مقال آخر نشر في العدد نفسه من مجلة الجيش إلى أنه “بعد مرور أكثر من ستين سنة على هذه التفجيرات، تصر فرنسا على إخفاء الخرائط التي من شأنها كشف أماكن مخلفاتها النووية، باعتبارها حقا من حقوق الدولة الجزائرية إلى جانب المماطلة في مناقشة قضية التعويضات التي تخص المتضررين الجزائريين”.
وتتزامن تصريحات المسؤول العسكري مع ردود الفعل حول تقرير المؤرخ الفرنسى بنجامان ستورا بشأن الاستعمار الفرنسي للجزائر ومحاولته رسم مخرجات لبناء مصالحة، تطوي الصفحات الأليمة في التاريخ المشترك بين البلدين.
وكانت الرئاسة الفرنسية أعلنت أنها تعتزم القيام بـ”خطوات رمزية” تجاه تاريخها المشترك مع الجزائر. وأوضحت أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيشارك في ثلاثة احتفالات تذكارية في إطار الذكرى الستين لنهاية حرب الجزائر في 1962 وهي: اليوم الوطني لمن يعرفوا بـ “الحركى” – أى العملاء / الخونة من الجزائريين الذين حاربوا فى صفوف الجيش الفرنسى ضد ثورة التحرير – في 25 سبتمبر، وذكرى قمع تظاهرة الجزائريين في باريس في 17 أكتوبر 1961، وتوقيع اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962.
كما أكد الإليزيه أن الأمر يتعلق بـ”النظر إلى التاريخ وجها لوجه (…) بطريقة هادئة وسلمية” من أجل “بناء ذاكرة اندماج”.
وذكرت مصادر في الإليزيه أنها “عملية اعتراف”، ولكن “الندم (…) وتقديم اعتذارات غير وارد”، وذلك استنادا إلى رأي أدلى به ستورا الذي ذكر أمثلة اعتذارات قدمتها اليابان إلى كوريا الجنوبية والصين عن الحرب العالمية الثانية ولم تسمح “بمصالحة” هذه الدول.
كما شدد الإليزيه أيضا على أن إيمانويل ماكرون “ليس نادما” على تصريحاته التي أدلى بها في العاصمة الجزائرية في 2017 وندد فيها بالاستعمار باعتباره “جريمة ضد الإنسانية”.
وتساءل الإليزيه “ماذا كان يمكنه أن يقول أكثر من ذلك؟ لا يوجد شيء آخر يمكن قوله، لكن في المقابل هناك الكثير يجب القيام به”.
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي رد على التقرير من قبل الرئاسة الجزائرية، رفضت المنظمة الوطنية للمجاهدين تقرير ستورا، بسبب ما اعتبرته تغاضيه عن “جرائم الاستعمار”. وقال الأمين العام بالنيابة للمنظمة، محند واعمر بلحاج إن ستورا “تغاضى في تقريره عن الحديث عن الجرائم المتعددة التي ارتكبتها الدولة الفرنسية، باعتراف الفرنسيين أنفسهم”.
المصدر: فرانس 24