قصة عرش الطاووس ..وملك بالعز مهووس

أغلى عرش بالعالم كان لإمبراطور مسلم، وتحتفظ لندن بآخر جوهرة منه.. حيث أمر شاه جهان بصناعة هذا العرش، وقد كلفه ذلك ضعف ما كلّف ضريح تاج محلّ

أصبح عرش الطاووس أسطورةً في القرن السابع عشر، فقد كان يخلب الألباب بمجرّد المثول أمامه، سواء كان الزائر أوروبياً أو شرق أوسطياً أو آسيوياً.


ليست هذه مبالغةً حين نصف العرش بأنّه كان أسطورة القرن السابع عشر، بل وظلّ أسطورةً بعد هذا القرن.

حكمت إمبراطورية المغول المسلمين في الهند قرابة ثلاثة قرون ونصف، كانت الإمبراطورية فيها إحدى أقوى وأغنى الإمبراطوريات في العالم. 


كان شاه جهان (معنى لقبه ملك العالم) أحد أشهر أباطرة هذه الدولة، ليس فقط لأنّه حكم 30 عاماً كاملةً، بعدما حاز إعجاب رجال الدولة وتخلّص من إخوته المنافسين في شبابه، وأصبح حاكماً مطلقاً على الهند (وبعض البلاد حولها) لا ينافسه فيها أحد.


لكنّه كذلك اشتهر بسبب آثاره المعمارية التي تركها في الهند. فقد امتلأت الهند في عهده بالمعمار، ومنها على سبيل المثال عمائر مدينة دلهي الجديدة والقلعة الحمراء والمسجد الجامع، ومسجد اللؤلؤ، إضافةً إلى أشهر هذه العمائر: تاج محلّ، ذلك الضريح الذي بناه شاه جهان لتخليد ذكرى زوجته ومحبوبته ممتاز محلّ.


فيما كان عرش الطاووس، أو تخت الطاووس كما يُسمى بالفارسية، أكبر قطعة في العالم جامعة للأحجار الكريمة في القرن السابع عشر. وصل شاه جهان للحكم عام 1628، وما إن أحكم سيطرته حتّى أعطى أوامره ببناء هذا العرش الأسطوري، عرش الطاووس.


أخذ بناء هذا العرش الأسطوري 7 سنوات من العمل، ولكن أثناء ذلك توفيت زوجته الحبيبة ممتاز محل عام 1631 فأمر ببناء تاج محلّ. اكتمل العرش عام 1635، كما أنّه كلّف ضعف تكلفة ضريح تاج محلّ.


وما إن اكتمل بناؤه حتّى احتلّ مكاناً بارزاً في القصر المغولي بطبيعة الحال، بل كان يتنقّل مع شاه جهان من وقتٍ لآخر بين القصور الملكية في دلهي وأكرا. وكانت عملية انتقاله بين القصور بمثابة موكبٍ ضخم يظهر للعالم مدى غناء وترف وقوة الإمبراطورية المغولية في الهند، وفق ما ذكره موقع مجلة Daily Art Magazine.


احتوى العرش على أكثر من 1136 كيلوجراماً من الذهب و227 كيلوجراماً من الأحجار الكريمة الثمينة. وقد كتب صائغ المجوهرات الفرنسي جان باتيست تافيرنييه -الذي حلّ ضيفاً على أورنكزيب ابن شاه جهان في البلاط المغولي عام 1665- واحداً من أدق وصوف العرش تفصيلاً.


اشتُقّ اسم عرش الطاووس من تصميمه الذي تظهر فيه طواويس مرصعةٌ بالجواهر. وقد شكلت الأحجار الكريمة الأسطورية مثل ياقوتة تيمور، وجوهرتي شاه أكبر (جدّ شاه جهان) وجهانكير (أبّ شاه جهان) بالإضافة إلى ماسة كوّة النور تكوين الطواويس. 


كما نُقِشَ بيت شعر بالزمرد يشيد بإنجازات شاه جهان على العرش. وإجمالاً، فقد استُخدم في العرش 116 زمردة، و108 ياقوتات، والعديد من الالماسات وأحجار الصفير أو الياقوت الأزرق، واللآلئ.


وكانت درجاتٌ من الفضة تقود إلى المنصة البالغة أبعادها 180 * 120 سنتيمتراً. وكانت المنصة ترتفع نحو 63 سنتيمتراً على أربع قوائم مطليةً بالذهب. 
من فوق المنصة كانت تُغطيها مظلةٌ مقوسةٌ من الحرير ترتفع على اثني عشر عموداً ذهبياً تُزينها عقودٌ من لآلئ يتراوح وزن الواحدة منها بين 6  و8 قراريط.


ظل عرش الطاووس في ملكية شاه جهان وأبنائه من أباطرة المغول منذ عام 1635 وحتى عام 1739. لكنّ تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. فخلال فترة حكم نادر شاه في فارس، وهو أحد عباقرة الفرس عبر التاريخ، كانت الإمبراطورية المغولية ضعيفة ومهتزّة.
كانت الإمبراطورية المغولية والإمبراطورية الصفوية في إيران جارتين بينهما الكثير من الحروب والاضطرابات بسبب مناطق سيطرة كل منهما.
انتهز نادر شاه فرصة ضعف الإمبراطورية المغولية وغزا العاصمة المغولية دلهي. أُطيح بالإمبراطور المغولي محمد شاه من على العرش بسهولةٍ، وتنازل عن ثروته لنادر شاه.


عاد نادر شاه لبلاده ومعه عرش الطاووس، بالإضافة إلى العديد من التحف الأخرى من خزينة محمد شاه، ويقال إنّه في نهبه للهند قتل ما يقارب 100 ألف.
وقد كان للاستحواذ على عرش الطاووس رمزيته البالغة في التعبير عن انتصار نادر الشاه على سلالة المغول التي كانت يوماً مهيبة الجانب. فهذا العرش كان ينظر له دائماً باعتباره رمزاً لمدى رفاهية وقوة الإمبراطورية المغولية في الهند.


لم تكتمل فرحة نادر شاه بعرش الطاووس طويلاً، فما هي سوى تسع سنوات حتّى اغتيل عام 1747 على يد حراسه الشخصيين، وسقطت بلاد فارس في الفوضى. 


في أعقاب ذلك نهب اللصوص قصر الشاه، ودمروا عرش الطاووس. ويبدو أنّ الأحجار الكريمة التي حواها العرش قد فُكِّكت وقُطِّعت وبيعت دون أثرٍ يُمكن تعقُّبه. وفيما انتشرت الشائعات مع الوقت حول اكتشاف أجزاء من العرش أو أحجارٍ من أحجاره الكريمة، لكن لم تكن هناك أدلة حقيقية على ذلك.


إحدى أشهر الألماسات التي اشتمل عليها عرش الطاووس، كانت ألماسة كوّة النور، التي آلت ملكيتها إلى الجنرال أحمد شاه دوراني، الذي أسس الإمبراطورية الأفغانية لاحقاً.


ارتدى دوراني الألماسة في سوارٍ، وبعد وفاته عام 1773 ارتداها أبناؤه من بعده إلى نحو عام 1809، حين سُلمت إلى رانجيت سينج، مؤسس الإمبراطورية السيخية. وحين ضمت شركة الهند الشرقية مملكة البنجاب عام 1849 انتقلت الألماسة مع غيرها من ممتلكات رانجيت إلى الخزائن البريطانية. 


تعدّ اليوم ألماسة كوة النور قطعةً أيقونيةً من مجوهرات التاج البريطاني. في بادئ الأمر كان وزن تلك الألماسة المُبهرة 186 قيراطاً، لكنّ وزنها الحالي بعدما انتقلت في أيدٍ عديدة وأُعيد قطعها مراراً، يبلغ 105 قراريط فقط.


راح عرش الطاووس وراحت معه ألماسّاته، لكنّ العرش ظلّ يلهم الحكّام المغول والفرس في السنوات اللاحقة، فقد أنشأ ملوك القاجاريين في إيران لاحقاً عروشاً أطلق عليها “عرش الطاووس”، لكنّ أياً منها لم يكن حتى يشبه عرش الطاووس الحقيقي، لا في شكله ولا تكلفته

Exit mobile version