عند ظهور فيروس كورونا المستجّد قبل أكثر من عام، اكتشف الأطباء أن جلّ المصابين يعانون من فقدان حاستي الشم والذوق، ولدى العديد منهم لم تختف هذه الأعراض بعد الشفاء من المرض.
ومن المعروف أن فقدان حاستي الشم والتذوق على وجه التحديد ليست نتاجا عن الإصابة بالفيروس التاجي فحسب، فحتى عند الإصابة بنزلة برد قوية يمكن للمرء مواجهة الشيء ذاته. بيد أن الأمر يختلف مع فيروس كورونا.
وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص الذين يفقدون حاستي الشم والتذوق بسبب الفيروس التاجي يستعيدونها في غضون ثلاثة أسابيع إلى أربعة، قد تستمر هذه الحالات عدة أشهر لدى ما بين 10 إلى 15 بالمائة من المتعافين، وفق الأخصائية النفسية في جامعة تمبل في فيلادلفيا فالنتينا بارما والعضو في ائتلاف دولي للباحثين تَشكل في بداية الجائحة لتحليل هذه المشكلة. ويعانى من هذه الاضطرابات ما لا يقل عن مليوني شخص في الولايات المتحدة وأكثر من عشرة ملايين في العالم، كما صرحت بارما اليوم الاثنين.
ويُنظر غالبا إلى حاستي الشم والتذوق على أنهما أقل أهمية من البصر أو السمع. ورغم كونهما أساسيتين في العلاقات الاجتماعية “إذ يحصل اختيار شركائنا جزئيا على أساس رائحتهم”، ينظر الأطباء في أكثر الأحيان إلى أن فقدانهما أقل خطورة من تبعات أخرى لما بات يُعرف بـ”كوفيد طويل الأمد”.
ومن التفسيرات الطبية المطروحة بقوة، أن ذلك يحدث نتيجة لتلف حاصل في الظهارة الشمية أو النسيج الطلائي الشمي (olfactory epithelium)، من جراء الالتهاب الفيروسي. وكلما كان التلف سطحيّاً كلّما قلّت مدة فقدان الشم والتذوق، والعكس بالعكس.
وعكف الأطباء فى جامعة دريسدن على البحث عن طرق تساعد المريض على استرجاع حواسه. وقد توصلوا إلى عملية ترويض تعمل على تنشيط الظهارة الشمية.
ويشرح رئيس قسم أمراض الأذن والأنف والحنجرة في الجامعة الألمانية، الدكتور توماس هومل، لمجلة “فارماسويتكر تسايتونج” الطبية آليات هذه العملية قائلا: “يتوجب على المرضى كلّ صباح ومساء لمدة ثلاثين ثانية تباعاً شمّ أربعة أنواع من الروائح المختلفة. ويجب مواصلة هذه “التمرينات” بانتظام طوال أربعة أشهر على الأقل. وقد يستمر الأمر أحيانا إلى إلى تسعة أشهر”.
وعن طبيعة هذه الروائح يرى الدكتور هومل، بأن ذلك متروك للشخص نفسه الذي يمكنه اختيارها كما يريد. ولكن لا بد أن تنبعث منها عطور أو نكهات مختلفة، تجعل الجسم يشعر سواء بوخز أو قشعريرة، معتبرا الزيوت الأساسية كزيت الورد أو العطور المصنعة بقشرة الحوامض إلى جانب الأعشاب مثل القرفة والزعتر، من أفضل المواد التي تستجيب لهذه الخصائص، والتي تمنح الجسم الإحساس بالوخز المطلوب. أما النعناع بمختلف أنواعه والخل، فيمكنهما أن يساعدا الجسم على الشعور بالقشعريرة.
ومع هذا يحذر الطبيب الألماني من أن هذه الطريقة لا تصلح إلا للأشخاص الذين يعانون لمدة طويلة من فقدان حاستي الشم والذوق. وفي ذات الوقت، يشدد الدكتور هومل من جامعة دريسدن على أن طريقة العلاج هذه لا بد أن يسبقها زيارة إلى الطبيب المختص سواء طبيب الأذن والأنف والحنجرة، أو طبيب الأعصاب. ويذكر أن أسباب فقدان هاتين الحاستين عديدة ومتشعبة، وبالتالي لا بد من تشخيص متكامل للحالة.