العمود الفقري لتقنيات التجسس حول العالم.. ماذا تعرف عن وحدة 8200 الإسرائيلية؟

تعد الوحدة “8200” إحدى أقوى أذرع هيئة الاستخبارات الإسرائيلية، ويمتد عملها إلى أنحاء العالم؛ نظرا لما تملكه من إمكانيات وخبرات تستطيع من خلالها تغذية مختلف المؤسسات الإسرائيلية بالمعلومات اللازمة بعد جمعها من خلال اختراقات وعمليات تجسس، يعتمد معظمها على العمل السيبراني، الذي يتميز فيه العاملون بها.

ونظرا لأهمية الوحدة في إسرائيل، فإن السرية تحيط بها بشكل كبير، وصل إلى عدم الإعلان عن هوية العاملين بها حتى قائدها، وهو الأمر الذي كان واضحا عند تسليم وتسلم قيادة الوحدة في 28 فبراير/شباط الماضي، حيث حرص الجيش الإسرائيلي على تمويه وجه القائد في صور الحفل، التي تم الإفراج عنها.

وعلى الرغم من عدم السماح بنشر معظم المعلومات حول الوحدة وتشغيلها؛ إلا أنه على مر السنين تم الكشف عن عدد من التفاصيل حولها، وحول خريجيها، الذين شغلوا أكثر المناصب المرغوبة في عالم التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل؛ نظرا لما تمتعوا به من خبرات عملية في هذا المجال أثناء خدمتهم في تلك الوحدة.

منتسبو الوحدة

لا يعد الانضمام للوحدة “8200” شيئا هينا، فالعرب في إسرائيل ممنوعون من الانضمام للجيش عامة، ووحدات الأمن السيبراني خاصة. ويقوم مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي بجمع المعلومات، وتحديثها بشكل دائم، عن العناصر المتميزة في مجالات التقنية من الشباب والفتيات الإسرائيليين في مرحلة الثانوية، ويشمل التدقيق ومراحل اختيار المرشحين للانضمام للوحدة اختبارات سنوية ونصف سنوية، في اللغات والعلوم والبرمجة والتفكير الإبداعي وسرعة البديهة، بالإضافة إلى الاختبارات الجسدية. وهناك أيضا برنامج “مغا شميم” بجامعة “بن غوريون”، جنوب إسرائيل، حيث يمكن للمتميزين من الشباب والفتيات الدراسة لـ3 سنوات قد تؤهلهم للخدمة بالوحدة “8200”.

العمل في تلك الوحدة يعد حلما لضباط الاحتلال؛ لأنها إحدى وحدات النخبة في سلاح المخابرات، وتعطي للمنتسب فيها منزلة كبيرة بمجرد القبول في إحدى مناصبها، فضلا عن فرص العمل الخارجية، التي لا حصر لها، والتي ستوفرها الخدمة فيها.

مسارات التخصص

تضم الوحدة مسارين للتخصص، الأول تحت اسم مسار “أوفيك”، ويسلكه المرشحون ذوو القدرات العالية والبيانات المناسبة، ويتلقى من يريد أن يسلك هذا التخصص تدريبات قبل بدء الخدمة العسكرية، فضلا عن تعلم اللغتين العربية والفارسية، اللتين تُظهر الوحدة اهتماما خاصا بهما من بين اللغات، كما أنه ليس هناك شرط المعرفة المسبقة بهذه اللغات، حيث تشمل التدريبات لغات ربما لم يعرفها المُرشح من قبل.

أما المسار الثاني هو مسار “ماتان”، ويتعامل هذا المسار مع البحث وتطوير المصادر، وسيكون المرشحون المناسبون مؤهلين لشغل منصب يجمع بين العمل التكنولوجي والعمل الاستخباري.

ماذا يفعل خريجو الوحدة “8200” بعد انتهاء خدمتهم؟

يقول جلعاد أدين، مالك إحدى الشركات الإعلامية والرئيس التنفيذي السابق ورئيس تحرير القناة العاشرة الإسرائيلية والقائد السابق للوحدة، إن سبب تولي خريجي الوحدة هذه المناصب له أسباب واضحة، وهي أن “الأفضلية في الجيش للوحدة 8200؛ لأنها تركز على من لديهم إمكانيات عالية قبل الانضمام للوحدة، وأيضا لا ينجح الناس بالضرورة بمجرد خدمتهم في الوحدة 8200، فصحيح أن الفرد يحصل على أدوات في مجال التكنولوجيا العالية عندما يعمل في الوحدة؛ ولكن بعض خريجي الوحدة يصبحون قضاة وأكاديميين وممولين ومديرين تنفيذيين، فمنذ سن الـ17 عاما يحدد الجيش إمكانياتهم العالية، كالقدرة على معالجة البيانات واتخاذ القرارات بسرعة، ومن هنا نفهم لماذا أصبحت لديهم تلك الفرص”.

يُبرهن على ذلك ما فعله “أفيشاي” للحصول على البيانات اللازمة من قاعدة معلومات “هدف معادٍ لإسرائيل”، حيث اخترق المجند الشاب قواعد بيانات دولتين مجاورتين، واستمد من أجهزتهما قوة المعالجات اللازمة لاختراق قاعدة بيانات الهدف المعني. بعدها أنهى “أفيشاي” خدمته في الوحدة ليساهم في تأسيس شركة “ويكس” (Wix) العالمية، والمهتمة بتطوير منصات الويب الرائدة، وهو حال الغالبية العظمى من مجندي الوحدة بعد انتهاء خدمتهم.

ربما لا يثير اسم “يائير كوهين” الكثير من الفضول؛ إلا أن وقع الاسم يختلف في الأوساط السيبرانية تماما. فهو أحد المجندين السابقين بالوحدة 8200، وقائدها بين عامي 2001-2005، والرئيس الحالي لقسم المعلوماتية والحلول السيبرانية بشركة “إلبت سيستيمز” (Elbit systems)، إحدى أكبر الشركات الإسرائيلية العالمية في مجال أنظمة الدفاع والأمن الإلكتروني.

كيف توظف “8200” إمكانياتها للتجسس؟

قبل سنوات قليلة، أثارت الوحدة الكثير من التعليقات بسبب دورها في الحرب الإلكترونية، وبسبب ما تملكه من قدرات فائقة في مجال التكنولوجيا

كما أدلى المسؤولون الإسرائيليون باعترافات تفيد بتحول عمل الوحدة من الدفاع إلى الهجوم في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتنوعت أدوات التجسس والتجنيد؛ من بينها استخدام الرسائل النصية بهدف اختراق الهواتف المحمولة، وهو الأمر الذي تستخدمه أجهزة المخابرات في الدول المتقدمة.

ربما هذا الأمر ليس بجديد؛ لكن عندما يتعلق الأمر بشركة إسرائيلية بعينها وارتباطها بالوحدة “8200”، حيث تمكنت شركة إسرائيلية خاصة وهي “إن إس أو” (NSO) والتي خدم مؤسسوها في الوحدة أن تكشف ثغرة في هواتف “آيفون”، التي تتمتع بحماية قوية مقارنة بالهواتف المحمولة الأخرى، وطورت برنامجا لاختراقها عن بعد واستخدامها كأداة تجسس.

ومما لا شك فيه أن هناك علاقة كبيرة بين الشركات الخاصة، التي تتولى عمليات تطوير البرمجيات في إسرائيل والوحدة “8200”، خصوصًا أن مديريها من خريجي تلك الوحدة، وهذا الأمر يتيح للاستخبارات الإسرائيلية استخدام تلك القدرات لصالح إسرائيل عن طريق عملية التجسس، التي تقوم بها الوحدة التي يتحدث معظم العاملين فيها باللغة العربية والفارسية. ويؤكد تلك الفرضية ما كشفته معاهد متخصصة بأن شركة “إن إس أو” وحدها استهدفت حوالي 180 شخصا ببرامجها للتجسس خلال عامين فقط.

يوضح أفيفا ليتان، الباحث والمحلل بـ”مركز غارتنر” (Gartner Research)، ما يحدث، فيُخبرنا أن هذه الطفرة في صناعة الأمن السيبراني في إسرائيل “تُنسب لرواد الأعمال ذوي الخلفيات العسكرية، الذين قضوا خدمتهم في وحدات النخبة الإسرائيلية المتخصصة في الأمن السيبراني”، ثم جلبوا خبراتهم العسكرية إلى القطاع الخاص.

جيل منصات التواصل الهدف الجديد للوحدة

هذا التطور في العلاقة الوثيقة بين الجيش وشركات القطاع الخاص في إسرائيل، يعتبر “غير محدود”، فلا توجد قوانين تضع للمجندين حدودا لما يمكن استخدامه، تقنيا أو مهاريا، في سبيل حماية الأمن السيبراني الإسرائيلي. كذلك فإن محاولة احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة توفر ما يشبه ساحات تجارب واسعة ومجانية وآمنة لاختبار التقنيات التي تستخدمها أو تطورها تل أبيب، وهو ما يجعلها جاهزة بصورة شبه مثلى للاستخدام الداخلي أو لتصديرها للعالم.

وبالعودة إلى عام 2018، نجد أنه في إطار مواكبة لغة العصر للحفاظ على مستوى عمليات التجنيد عبر الإنترنت، فإن الوحدة جندت مجموعات من طلاب المرحلة الثانوية للعمل على شبكات التواصل الاجتماعي؛ للحديث مع الجيل الجديد بأسماء مزورة وعربية في أغلب الأحيان، نظرا لاستهداف الجمهور العربي، وذلك لتسهيل المهمة وعدم ترك مجال للشك من الشخصية المستهدفة.

وعن استخدام الوحدة لتطبيقات التواصل الاجتماعي، يقول أحد القادة السابقين “يبدو أن العصر الجديد هو جنة تكنولوجية للوحدة، فكل شخص لديه جهاز حاسوب، والجميع يتصفح الإنترنت ويرسل رسائل البريد الإلكتروني، وكل شخص لديه هاتف محمول، وفيسبوك، ووتساب، كل هذا ينتج كما لا نهائيا من المعلومات، يحتاج المهاجم فقط إلى تطوير الأدوات والأساليب لجمع هذه المعلومات وتحليلها”.

(مواقع إلكترونية)

Exit mobile version