تصر إسرائيل على أنها تستهدف فقط المواقع المستخدمة لأغراض عسكرية، لكن كثافة السكان الفلسطينيين وحقيقة أن منشآت حماس والجهاد الإسلامي تقع بالقرب من المباني المدنية وغالبا ما تكون مخبأة تحتها يجعل تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين أمراً مستحيلاً.
ويستعرض “نمبر 1 نيوز” تقرير كتبه جوناثان ماركوس محلل الشؤون الخارجية والمراسل السابق لشؤون الدفاع والدبلوماسية في بي بي سي نيوز. وبحسب هذا التقرير تمتلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، رغم أنهما الطرف الأضعف، أسلحة تكفي لمهاجمة إسرائيل. ولقد جربت الحركتان بالفعل مجموعة متنوعة من التكتيكات حيث أسقطت الدفاعات الإسرائيلية طائرة بدون طيار، ربما كانت مسلحة، حاولت عبور الأجواء إلى إسرائيل من غزة.
وقال متحدث عسكري إسرائيلي: “إن وحدة خاصة من حماس حاولت التسلل إلى إسرائيل عبر نفق من الجزء الجنوبي من القطاع”. ويبدو أن جيش الاحتلال كان قد تلقى إنذاراً مسبقاً بذلك حيث تمكن “من التسبب بإنهيار النفق من الداخل” بحسب المتحدث العسكري الإسرائيلي.
لكن أهم سلاح في ترسانة الفلسطينيين، بحسب ماركوس، هو امتلاكهم لمجموعة متنوعة جداً من صواريخ أرض – أرض. ويُعتقد أن بعض هذه الصواريخ (إلى جانب أنظمة أخرى مستخدمة مثل صواريخ كورنيت المضادة للدبابات التي استخدمت خلال الأيام الأخيرة)، قد تم تهريبها عبر الأنفاق من شبه جزيرة سيناء المصرية.
لكن الجزء الأكبر من ترسانتىّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي مصنعة محلياً إلى حد بعيد، حيث توجد قدرات تصنيع نشيطة ومتطورة نسبيا داخل قطاع غزة نفسه. ويعتقد خبراء إسرائيليون وأجانب أن الخبرة والمعرفة الإيرانية لعبت دوراً مهما في بناء هذه الصناعة، وبالتالي كانت مواقع تصنيع وتخزين الأسلحة من بين الأهداف الرئيسية للقصف الإسرائيلي.
وهي تتضمن بالتأكيد عدة آلاف من الصواريخ المتفاوتة المدى. ومن الواضح أن للجيش الإسرائيلي تقديراته الخاصة التي لن يكشف النقاب عنها. وكل ما قاله المتحدثون بهذا الصدد إنهم يعتقدون أن حماس يمكن أن تحافظ على هذا المستوى من القدرة النارية “لفترة طويلة من الزمن”.
ويستخدم الفلسطينيون مجموعة متنوعة من الصواريخ، ولا يبدو حتى الآن أن أياً منها جديدة من حيث التصميم الأساسي، لكن السمة العامة لها هي أنه بات لها مدى أطول وحمولات متفجرة أكبر.
وفي حين أن أسماء صواريخ معينة قد تكون مربكة بعض الشيء، فإن لدى حماس مخزوناً كبيراً من الصواريخ قصيرة المدى مثل القسام (يبلغ مداه 10 كيلومترات) والقدس 101 (يبلغ مداه حوالي 16 كيلومترا)، كما أن لديها نظام صاروخ جراد (ويصل مداه حتى 55 كيلومترا)، وصاروخ سجيل 55 (ويصل مداه حتى 55 كيلومترا). ومن المحتمل أن تكون هذه الأنواع تمثل الجزء الأكبر من مخزون حركة حماس، وفيما يتعلق بالمدى الأقصر يمكنها استخدام قذائف الهاون.
وتمتلك الحركة أيضا مجموعة متنوعة من الأنظمة الصاروخية طويلة المدى مثل إم – 75 (يصل مداه حتى 75 كيلومترا)، والفجر (يصل مداه حتى 100 كيلومتر)، و160 – آر (ويصل مداه حتى 120 كيلومترا)، وبعض صواريخ إم -302 إس التي يبلغ مداها 200 كيلومتر، لذلك من الواضح أن لدى حماس أسلحة يمكنها استهداف القدس وتل أبيب على حد سواء، وتهديد الشريط الساحلي الذي يضم أكبر كثافة سكانية في إسرائيل والبنية التحتية الحيوية بأكمله.
ويقول الجيش الإسرائيلي أنه من بين أكثر من ألف صاروخ أو نحو ذلك تم إطلاقه على إسرائيل خلال الأيام الثلاثة الماضية فإن حوالي 200 منها قد سقط بالفعل في قطاع غزة نفسه (ربما يكون ذلك مؤشراً على مشاكل في عملية تصنيع الأسلحة محليا).
ويقول الجيش الإسرائيلي أيضا إن 90 % من جميع الصواريخ التي وصلت إلى إسرائيل تم اعتراضها بواسطة نظام القبة الحديدية المضادة للصواريخ. ومع ذلك، يبدو أن بطارية القبة الحديدية التي تتولى مهمة الدفاع عن مدينة عسقلان كانت في وقت من الأوقات خارج الخدمة بسبب عطل فني، مما يؤكد أنه على الرغم من نجاحها التقني الملحوظ، فإن لنظام القبة الحديدية عيوبه.
فكي تتمكن من مواجهة إطلاق الصواريخ فإن لديك بالفعل عدد محدود من الخيارات حيث يمكنك استخدام الدفاعات المضادة للصواريخ، ويمكنك استهداف المخزون ومنشآت التصنيع، ويمكنك من الناحية النظرية أيضا شن عملية برية لدفع قاذفات الصواريخ للخلف، إلى ما وراء المدى الفعال.
ولن يكون ذلك ممكنا في هذه الحالة، فنقطة ضعف الفلسطينيين هو أنهم يفتقرون للعمق الإستراتيجي ولا مكان يذهبون إليه، فمن الممكن القيام بعملية برية لكبح إطلاق الصواريخ. ولكن كما ظهر في التوغل الإسرائيلي الكبير الأخير في غزة في عام 2014 فإن التكلفة البشرية ستكون كبيرة حيث قُتل خلال العملية 2251 فلسطينياً، من بينهم 1462 مدنياً، بينما قُتل في الجانب الإسرائيلي 67 جنديا و6 مدنيين.
ولن تسفر هذه الدورة المتكررة من إطلاق الصواريخ والرد عليها والتوغل عن أي نتيجة جديدة، ففي أحسن الأحوال، تشتري إسرائيل فترة هدوء قبل بدء الجولة التالية، وقد يجادل الكثيرون بأن التوترات في القدس هي التي أشعلت هذه الجولة، وذلك في إشارة مرة أخرى إلى أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لا يمكن تجاهله إلى الأبد.
ولكن مع قيام المزيد من الحكومات العربية بإبرام اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ومع انقسام الفلسطينيين سياسيا بشكل غير مسبوق، وبما أن هذه القضية بعيدة عن جدول أعمال القيادة الإسرائيلية الحالية، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن إحراز أي تقدم نحو سلام حقيقي، لذلك ستحتاج إلى رغبة حقيقية للتقدم على الأرض وجهود قوية ومتواصلة من قبل اللاعبين الخارجيين، ولا يبدو أن هذه الظروف متوفرة حالياً.