تتسارع مظاهر الانفجار الاجتماعي في لبنان. والارتفاع الدراماتيكي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أشعل موجة احتجاجات في عدد من المناطق أدت إلى سقوط جرحى ومواجهات بين المحتجين والقوى الأمنية.
طرابلس أفقر مدن لبنان، شهدت جولة من الاحتجاجات العنيفة أسفرت عن عدد من الجرحى، حيث عمد محتجّون الى خلع واقتحام بوابة فرع المصرف المركزي في المدينة، كما أضرموا النيران في بعض الممتلكات العامة وحاصروا بيوت نواب وسياسيين.
مظهر الفوضى تمثل خصوصاً في اقتحام عشرات الشبان الغاضبين الأسواق التجارية بدراجاتهم النارية، ومنها شارع عزمي، مجبرين أصحاب المحال على إغلاق محالهم احتجاجاً. لكن المشهد الأكثر تعبيراً عن سخط اللبنانيين من أوضاعهم المعيشية تبدى في اقتحام شبان طرابلسيين محلاً من أشهر محال بيع الشاورما في طرابلس، مطعم «أبو صبحي»، حيث عمدوا إلى تحطيمه وتخريب محتوياته، ما دفع أحد العمال إلى إطلاق النار على المعتدين وتسبب بتوتر كبير في المنطقة.
يقول أحد شبان طرابلس ساخراً: «إنها ليلة الانتقام من الشاورما». فنتيجة ارتفاع أسعار اللحوم والدجاج بنحو ستة أضعاف، لم تعد هذه الأكلة الشعبية بمتناول الشعب، بعدما أصبح سعر الساندويتش 36 ألف ليرة في المطاعم الشعبية، ليتجاوز الـ70 ألفاً في المطاعم الراقية.
ونتيجة تدني القدرة الشرائية، تقتصد الأسر الفقيرة ليس في الكماليات بل في مأكلها، حيث فرضت الأزمة على الفقراء اختبارات ما كانت لتخطر في بالهم. ففي سابقة من نوعها، بدأت بعض محال الدجاج تبيع بالمفرق، أي بالقطعة، حيث تشتري العائلة «فخذاً» أو «صدراً»، بحسب قدرتها. كما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر إعلانات عن بيع الرغيف الواحد بمبلغ 500 ليرة، علماً بأن سعر ربطة الخبز يناهز الـ3500 ليرة بعد ارتفاع سعر السكر.
ويعكس مشهد الاكتظاظ أمام محال بيع «الفلافل» التبدلات التي طرأت على نمط حياة اللبنانيين، إذ تتجه شريحة كبرى من الأسر نحو أكلة «الفلافل» الشعبية نظراً لانخفاض سعرها مقارنة بأسعار اللحوم.
والفلافل أكلة شعبية تقليدية مصنوعة من الحمص والفول، وتعتبر سلاحاً فعالاً ضد الجوع الذي يهدد فقراء لبنان، الذين ينتظرون إقرار مشروع «البطاقة التمويلية» الموعودة منذ أشهر.
وبحسب مراقبين، فإن، ما حدث في طرابلس وصيدا من مواجهات بين المحتجين وقوى الامن، ليس سوى عينة عن الفوضى المقبلة التي حذرت منها جهات محلية وخارجية، في ظل امتناع الطبقة السياسية عن تشكيل حكومة تباشر بالإصلاحات.
وفي الإطار حذر البطريرك الماروني بشارة الراعي من تحول احتجاجات الشارع الى فوضى شاملة. واتهم الراعي «الجماعة السياسية» بسرقة أموال المودعين «من خلال السحب من الاحتياطي الإلزامي، وكأنها تريد تمويل حملاتها الانتخابية من أموال المودعين وهذه جريمة موصوفة».
مالياً، ينتظر اللبنانيون الأول من يوليو، موعد البدء بتطبيق التعميم رقم 158 الذي يجيز الافراج عن بعض حساباتهم الدولارية العالقة في المصارف. وفي السياق لفت الخبير المصرفي علي زبيب إلى أن المصارف دخلت على خط المضاربة وعمدت إلى شراء الدولار من السوق السوداء، وبأسعار تفوق تلك المعمول بها بين المتعاملين، بهدف تعزيز سيولتها، ما أدى إلى الارتفاع الكبير في سعر الدولار. ولفت زبيب إلى أن تعميم مصرف لبنان الذي يطمئن 750 ألف مودع يهدف لإسكاتهم؛ لأن هذه الفئة من صغار المودعين هي من يحرك الشارع ضد المصارف.